السؤال: ما هو رأی الشیعة بطلاق المرأة ثلاثاً ؟
الجواب: یقول صاحب کتاب العقد الفرید:
الیهود لا ترى الطلاق الثلاث شیئاً ، وکذا الرافضة .
الجواب: الشیعة لا ترى ملتحداً عن البخوع للقرآن الکریم ، وفی أ على هتافه : (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاکٌ بِمَعْرُوف أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسَان) إلى قوله تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنکِحَ زَوْجًا غَیْرَهُ)(1) .
ومن جلیّة الحقایق أنّ تحقّق المرّتین أو الثلاث یستدعی تکرّر وقوع الطلاق ، کما یستدعی تخلّل الرجعة بینهما أو النکاح ، فلا یقال للمطلّقة مرّتین بکلمة واحدة أو فی مجلس واحد إنّها طُلّقت مراراً ، کما إذا کان زید أعطى درهمین لعمرو بعطاء واحد ، لا یقال إنّه أعطى درهمین مرّتین ، وهذا معنىً یعرفه کلّ عربیّ صمیم .
ثمّ إنّ سیاق الآیة وإن کان خبریّاً ، غیر أ نّه متضمّنٌ معنى الإنشاء الأمریّ ; کقوله تعالى : (وَا لْوَلِدَاتُ یُرْضِعْنَ أَوْلَـدَهُنَّ حَوْلَیْنِ کَامِلَیْنِ)(2) . وقوله تعالى : (وَا لْمُطَلَّقَاتُ یَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء)(3) . وقوله(صلى الله علیه وآله) : «الصلاة مثنى مثنى ، والتشهّد فی کلّ رکعتین ، وتسکّن وخشوع» . ولو کان إخباراً لما تخلّف عنه خارجه ، ونحن نرى أنّ فی الناس من یطلّق طلقة واحدة ، والقرآن لا یتسرّب إلیه شیء من الکذب .
فعدم الإعداد بالطلاق الثلاث على نحو الجمع عند الشیعة مأخوذٌ من القرآن الکریم . ولهذه الجملة مزید توضیح فی أحکام القرآن لأبی بکر الجصّاص الحنفی(4) . وهذه الفتوى هی المنقولة عن کثیر من أئمّة أهل السنّة والجماعة ، بل المخالف الوحید فی المسألة هو الشافعیّ . وقد بسط القول فی الردّ علیه أبوبکر الجصّاص فی أحکام القرآن(5) .
وقال الإمام العراقیّ فی طرح التثریب(6) :
وممّن ذهب إلى أنّ جمع الطلقات الثلاث بدعةٌ : مالک ، والأوزاعی ، وأبو حنیفة ، واللیث ، وبه قال داود و أکثر أهل الظاهر .
وقال أبو بکر الجصّاص فی أحکام القرآن(7) :
کان الحجّاج بن أرطاة یقول : الطلاق الثلاث لیس بشیء . ومحمّد بن إسحاق کان یقول : الطلاق الثلاث تُردُّ إلى الواحدة .
هذا ما نعرفه من الشیعة ; فإن کان هذا شبهاً بینهم وبین الیهود فهم واُولئک الأئمّة فی ذلک شرعٌ سواء ، لکنَّ الأَندلسی یحترم جانب أصحابه ، فشبّه الشیعة بالیهود ; فهو إمّا جاهلٌ بفقه قومه ـ فضلاً عن فقه الشیعة ـ ولم یعرف شیئاً ممّا عندهم فی المسألة ، أو یعلم ویتعمّد الکذب .
وما تقرأ أو تسمع فی المسألة غیر ما یقوله الشیعة ، فهو من البدع الحادثة بعد النبیّ الأعظم ، لم یأت به الکتاب والسنّة بل أحدثته أهواءٌ مضلّةٌ ، وحبّذته أناسٌ ، وجاؤوا به من عند أنفسهم ، وأمضاه علیهم عمر بن الخطّاب .
وهذا صریح ما أخرجه مسلم فی صحیحه(8) ، وأبو داود فی سننه(9) ، وأحمد فی مسنده(10) عن ابن عبّاس قال : کان الطلاق على عهد رسول الله وأبی بکر وسنتین من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر بن الخطّاب : إنّ الناس قد استعجلوا فی أمر قد کانت لهم فیه أناةٌ ، فلو أمضیناه علیهم ! فأمضاه علیهم .
وأخرج مسلم(11) وأبو داود(12) ، بإسناده عن ابن طاووس عن أبیه : أنّ أبا الصهباء قال لابن عبّاس : أتعلم إنّما کانت الثلاث تجعل واحدةً على عهد النبیّ(صلى الله علیه وآله) وأبی بکر وثلاثاً من إمارة عمر؟ فقال ابن عبّاس : نعم .
وأخرج مسلم(13) بإسناد آخر : أنّ أبا الصهباء قال لابن عبّاس : هات من هناتک ، ألم یکن طلاق الثلاث على عهد رسول الله(صلى الله علیه وآله) وأبی بکر واحدة؟ فقال : قد کان ذلک ، فلمّا کان عهد عمر تتابع الناس فی الطلاق ، فأجازه علیهم .
وللشرّاح فی المقام کلمات متضاربة ، وآراء واهیة ، وتوجیهات باردة بعیدة عن العلم والعربیّة ، وعدّه القسطلانی(14) من الأحادیث المشکلة.(15)
مصادر:
1. البقرة : 229 و 230 .
2. البقرة : 233 .
3. البقرة : 228 .
4. أحکام القرآن 1 : 447 1/378 .
5. المصدر السابق 1 : 449 1/380.
6. طرح التثریب 7 : 93.
7. المصدر السابق 4 : 459 1/388 .
8. صحیح مسلم 1 : 574 3/276 ، ح 15 ، کتاب الطلاق .
9. سنن أبی داود 1 : 344 2/261 ، ح 2199 .
10. مسند أحمد 1 : 314 1/517 ، ح 2870 .
11. صحیح مسلم 3/277 ، ح 16 ، کتاب الطلاق .
12. سنن أبی داود 2/261 ، ح 2200 .
13. صحیح مسلم 3/277 ، ح 17 ، کتاب الطلاق .
14. إرشاد الساری 12/16 و 18 .
15. الشفیعی الشاهرودی ، تلخیص الغدیر، صفحة 245.
مصدر: مکتب سماحة آیة الله العظمی مکارم الشیرازی
source : راسخون