عربي
Friday 19th of April 2024
0
نفر 0

صاحب الرسول افضل من اخيه

صاحب الرسول افضل من اخيه
اللهم صل وسلم علی محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ، اهل الثقل والتقى ، ونجوم الامان والهدى ، وسفن النجاة ، خصهم الله بالفضل ، وقدمهم على اهل الملة ، وجعل الصلاة عليهم ركناً من اركان الصلاة المفروضة على العباد ، لتكون تذكرةً دائمة بتلك المنزلة .
ان المنظومة الحقوقية الالهية التي جاء بها الاسلام ، ما هي في مجملها وحقيقتها وبكل جوانبها الا خطة الهية متكاملة ، اعدت باحكام ، ووضعت خصيصاً لترشيد الجنس البشري للاقوم ، ولإسعاده في الدارين ، وهي بطبيعتها وبحكم تكوينها الإلهي قائمة على الجزم واليقين ، بعكس المنظومات الحقوقية الوضعية المبنية اصلا على الافتراض والتخمين .
ومما يؤكد الثقة المطلقة بهذه المنظومة انها لم تبق مجرد قواعد نظرية ، انما شقت طريقها الى عالم التطبيق ، ونقلت من النظر الى العمل ، ومن الكلمة الى الحركة ، وبالتصوير الفني البطيء ، عبر دعوة قادها النبي صلى الله عليه وآله بنفسه ، تمخضت عن دولة ترأسها النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه ، ونتيجة تطبيق هذه المنظومة ، تكونت خير امة اخرجت للناس ، وقامت اعظم دولة عرفتها البشرية ، وهي دولة النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
والنبي الكريم على فراش الموت ، وبعيد انتقاله الى جوار ربه بدأت سلسلة من التداعيات والانهيارات السياسية واقعيا ، وبدأت معها عمليات التعتيم والتظاهر بالسلامة ، والتستر على هذه الانهيارات ، ظناً من ارباب تلك العمليات انها قد تعطي الفرصة لايقاف تلك الانهيارات ، فلا يسمع بها احد ، ولا يشمت بالدين واهله شامت ، ولكن الانهيارات لم تتوقف ، بل توالت عبر التاريخ ، ومهد الانهيار الى انهيار ، حتى تحول النظام السياسي في الاسلام الى هيكل عظمي لم يبق له من الاسلام الا الاسم ، حيث اختفى وانهار نهائياً بسقوط آخر سلاطين بني عثمان .
واستفاق المسلمون من ذهولهم ، فاذا بالامة الواحدة امم ممزقة ، تحيا الحيرة والضياع ، فلو ارادت ان تتحد لما عرفت كيف تتحد ، كما يقول العقاد في ميزانه ، واذا بدولة الاسلام الواحدة دول ، واذا بحمى الاسلام يتحول الى مائدة تتداعى فيها الامم ، والعالم من حولنا تتحكم به شريعة الغاب ، وقد انشبت المادية اظافرها في ذاته فأدمتها ، يجري وراء السراب ، بتوهم انه اكتشف العلاج الذي يوقف النزيف ، ويحاول ان يجر اليه البشرية جراً ، تحت شعار الرحمة واكراه المريض على تناول العلاج . وبينما الطبول تصدر انغام الفرح والمسرة ، يكتشف العالم ان الذي تصوره علاجاً كان وهماً ... وليس انهيار العقيدة الشيوعية ببعيد .
لماذا حدثت الانهيارات ؟ لماذا توالت ؟ حتى حولت النظام السياسي الاسلامي الى هيكل عظمي واخرجته عن معناه وصورته ، ثم اتت عليه ورفعته من واقع الحياة بعد ان ابطلت مفعول المنظومة الحقوقية الالهية وحرمت الجنس البشري من التداوي بعلاج الاسلام ومن الانتفاع بمنظمومته ؟
اين يكمن سبب ذلك كله ؟
من المحال عقلاً ان يكون سبب كل هذه البلايا والمحن من المنظومة الحقوقية ذاتها ، لانها من صنع الله الذي اتقن كل شيء خلقه !
اذن ، فمن المؤكد ان السبب في كل ذلك يكمن في الذين قادوا التاريخ السياسي الاسلامي وصنعوه ، او في الامة التي اشتركت معهم في صناعة هذا التاريخ واخراجه ، او بالاثنين معاً !
الاحزاب الدينية العربية التي تولت قيادة موكب التقليد الاعمى ، وتاجرت بالآلام ، وخلطت كل الاوراق لغاية في نفس يعقوب ، تحاول بكل قواها ان تلقي بروع الناس ، ان فهم هذه الاحزاب للاسلام هو الاسلام بعينه ، وانه لا فرق بين فهمها للاسلام وبني الاسلام ، فهما وجهان لعملة واحدة ، مع ان الاسلام من صنع الله ، وفهم الاحزاب للاسلام من انتاجها ، كما تحاول بكل قواها ان تثبت للناس بأن التاريخ السياسي الاسلامي الذي صنعه البشر من بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وحتى سقوط آخر سلاطين بني عثمان ، هو عينه النظام السياسي الاسلامي الذي انزله الله على عبده لترشيد الحركة السياسية للمجتمع البشري ، وهي جادة في ما تقول وجادة فيه ، مع انها بعملها هذا قد خلطت الفهم بالمفهوم ، وقدمت التابع على المتبوع ، والفرع على الاصل ، واستبدلت المنظومة الحقوقية الالهية بالاجتهادات التي نشأت في ظلالها ، ولم تتكلف الاحزاب الدينية العربية بذلك ، انما ضاق صدرها بالرأي الاسلامي المخالف ، وحاولت بكل الوسائل ان تخنقه ، وهي مع ذلك تدعي الانفتاح على الفكر العالي ، وتعد باعطاء الحرية له ولاربابه ليعرضوا فكرهم في الوقت الذي تخنق فيه هذه الاحزاب الرأي الاسلامي المعارض لها ، وتمنع اصحابه من التصريح به ، فكيف يصدق بربك العالم ادعاءات هذه الأحزاب بالانفتاح ؟
هكذا قدمت الاحزاب الدينية العربية الاسلام للعالم الحديث ، فالاسلام الذي جاء لينقذ الجنس البشري كله ، ويتسع به كله ، ويشبع حاجاته وآماله كلها ، يضيق على ابنائه ويضيق حتى بهم . ذلك مبلغهم من العلم ، وهم يحسبون انهم يحسنون صنعاً .
وبهذا البحث المتواضع حاولت جهدي اثبات ان ما انزله الله شيء ، وان فهمنا له شيء آخر ، وان الانهيارات التي بدأت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله ، وتوالت حتى اقتلعت النظام السياسي الاسلامي من واقع الحياة ، لم تكن بسبب علة في الدين ، ولا لنقص او خطأ في منظومته الحقوقية الخالدة ، انما بسبب المسلمين الذي بدلوا نعمة الله بما تهوى الانفس ، بدلاً من حكم الله ، وهنا يكمن حذر البلاء ، ومن هنا المنطق نحو الله .
وتأصيلاً وتجذيراً وتسهيلاً لاستيعاب هذا البحث ، فقد قسمته الى اربعة ابواب ، عالجت في الباب الاول مفهوم الصحبة ، وفي الباب الثاني كشفت الجذور التاريخية لهذا المفهوم ، أما الباب الثالث فقد وضحت فيه المرجعية في الاسلام ، ونظراً لارتباط مبدأ المرجعيه بالقيادة السياسية ، فقد تناولت في الباب الرابع القيادة السياسية في الاسلام ، وسيكتشف القاريء المتمعن ان هذه المواضيع الأربعة تتشابك مع بعضها تشابكاً عضوياً يتعذر فصله ، وفي كل موضوع من هذه المواضيع سقت رأي اهل السنة باعتباره رأياً اسلامياً ، قاد اصحابه الامة الاسلامية طوال التاريخ ، بعد ان استخرجته من مصادر اهل السنة المعتبرة ، ثم سقت رأي اهل الشيعة ، باعتباره رأياً اسلامياً تولى مهمة المعارضة طوال التاريخ الاسلامي ، بعد ان استمزجت هذا الرأي من مصادر اهل الشيعة ، وبعد ذلك وضعت تحت تصرف عشاق الحقيقة الشرعية المجردة حكم الشرع في كل موضوع من تلك المواضيع .
فجاء البحث وحيد زمانه شكلاً وموضوعاً ومنهجية ، وحسب علمي القاصر ، فانه لاول مرة في العصر الحديث يتم تناول هذا الموضوع من قبل عربي من اهل السنة بهذا الشمول والتكامل والموضوعية ، وبهذا الحجم من المعلومات والمراجع .
ولم اخف ولائي لآل محمد خاصة ، ولبني هاشم عامة ، ومن يلمني بولائي لهم وهم الثقل الاصغر والقرآن هو الثقل الاكبر ، والهداية لا تدرك الا بهما معاً ، والضلالة لا يمكن تجنبها الا بهما معاً كما هو ثابت في النصوص الشرعية القاطعة ، وكيف يلمني لائم وهم سفن النجاة ونجوم الامان والهدى في كل ليل كما هو ثابت في النص ، وهم الحل ، فالنبي هو القاسم المشترك بين المسلمين ، وحصر القيادة والولاية في اولاده تطييب لنفوس الجميع ، وانتزاع لجذور الطمع بها من نفوس الجميع ، ونبذ التنافس عليها يؤدي الى الاستقرار ، ناهيك عن فضل القرابة الطاهرة على الاسلام ، وهم الذين حموا النبي ومنعوه ، وهو الذين حاصرتهم كل قبائل العرب مجتمعة وبلا استثناء ثلاث سنين في شعاب ابي طالب ، وللعرب مطلب واحد وهو ان يسلم الهاشميون محمداً ، او ان يخلوا بينه وبين العرب ليقتلوه ، ولو استجاب الهاشميون لاحد هذين المطلبين لما قامت للاسلام قائمة ، ولقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما قتل غيره من الانبياء ! فضلاً عن جهاد الهاشميين الذي لا ينكره احد ، وتضحياتهم التي لا تخفى على احد ... هذا غيض من فيض من مبررات ولائي وشغفي ، فمن يلمني بعد ذلك ؟
الهي ومولاي ، انت تعلم سري وعلانيتي ، وتعلم انني ما قصدت الا رضاك ، فان اصبت فمنك ، انك نعم المولى ونعم النصير ، وان اخطأت فمن نفسي ، وثانية اقول : اللهم اجعل عملي هذا خالصاً لوجهك وهديةً لمحمد ولآل محمد ولكل هاشمي او مطلبي دب على وجه الارض او سيدب الى يوم الدين ، صدقة تطفىء بها خطاياي ، وتقربني منك ، وآخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين .
مفهوم الصحبة والصحابة
1 ـ معنى الصحابة لغة
أ ـ في قواميس اللغة
الاصحاب ، الصحابة ، صحب ، يصحب صحبة ( بالضم ) وصحابة ( بالفتح ) صاحب اي : عاشر ، رافق ، جالس ، انقاد ، شايع . والصاحب هو المعاشر ، او المنقاد ، او المجالس ، او المشايع ، او المرافق ، او القائم على الشيء ، او الحافظ له . ويطلق ايضا على كل من تقلد مذهباً ، فيقال : اصحاب الامام جعفر ، واصحاب ابي حنيفة ، واصحاب الشافعي ... الخ . يقال : اصطحب القوم اي صحب بعضهم بعضاً ، واصطحب البعير اي انقاد له (1) .
ب ـ في القرآن الكريم
الله تبارك وتعالى انزل الكتاب قرآناً عربياً ، وهو بوجه من وجوهه المرجع اليقيني الاوحد للّغة العربية ، لانه كلام الله العالم علماً يقيناً بأدق خفايا هذه اللغة وأعمق اسرارها .
وبتلاوتنا للقرآن الكريم ، نجد انه قد اشتمل على كلمات ( تصاحبني ، وصاحبهما ، وصاحبه ، وصاحبته ، واصحاب ، واصحابهم ) . وان هذه الكلمات تكررت بمجموعها في القرآن الكريم (97) مرة .
ومن المثير للانتباه ، اننا لم نعثر في القرآن الكريم كله على لفظ لكلمتي ( صحابة ، بالفتح ، او صحبة ، بالضم ) .
ج ـ استقراء الآيات لصالح المعنى اللغوي
وباستقرائنا لتلك الكلمات نجد انها تشكل تغطية كاملة للمعاني اللغوية التي اشرت اليها في الفقرة السابقة ، فالصحبة يمكن ان تأخذ وجهاً او صورة واحدة ، ويمكن ان تاخذ وجوها او صوراً متعددة ، ويمكن ان يكون لها وجه امثل يشمل كل نواحي الخير ، وقد يكون لها وجه ابشع يشمل كل نواحي الشر .
د ـ وجوه او صور الصحبة
فقد تكون بين مؤمن ومؤمن (2) وقد تكون بين والد ووالدين مختلفين بالاعتقاد (3) وقد تكون بين رفيقي سفر (4) وقد تكون بين تابع ومتبوع (5) وقد تكون بين مؤمن وكافر (6) وقد تكون شمولية على الشر بين كافر وكافرين (7) وقد تكون بين نبي وقومه الكافرين والنبي يحاول ان يشدهم نحو الخير وهم يحاولون اعادته الى حظيرة الشر ،وقد تكون الصحبة اضطرارية (8) وقد تكون صحبة اثر فيقتدي فاسد بفعل فاسد وينسج على منواله (9) وقد تكون الصحبة انقياداً لعقيدة الهية وولاء مطلقا لقيادتها السياسية كانقياد الآل الكرام للعقيدة الالهية ، وولائهم المطلق لقيادة النبي السياسية ، وتضحياتهم الجسام ، وكانقياد وولاء الصفوة الصادقة من اصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم . فمحور الصحبة ( بالضم ) محور شمولي يرتكز على عقيدة وقيادة واهداف ومثل علياً يسعى القائد واصحابه لتحقيقها وسيادتها على مجتمع معين (10) .
2 ـ معنى الصحابة اصطلاحاً
يقول ابن حجر العسقلاني الشافعي بالحرف ( الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤمناً به ومات على الاسلام ) (11)
أ ـ توضيح ابن حجر لهذا التعريف
1 ـ فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له او قصرت .
2 ـ من روى عنه او لم يرو .
3 ـ من غزا معه او لم يغز .
4 ـ من رآه ولو لم يجالسه .
5 ـ من لم يره لعارض كالعمى .
ويخرج بقيد الايمان :
1 ـ من لقيه مؤمناً بغيره كمن لقيه من مؤمني اهل الكتاب قبل البعثة .
2 ـ وهل يدخل من لقيه منهم وآمن بأنه سيبعث او لا يدخل ، محمل احتمال ، ومن هؤلاء بحيرة الراهب ونظراؤه .
3 ـ ويدخل في قولنا مؤمناً به كل مكلف من الجن والانس .
4 ـ وانكار ابن الاثير على ابي موسى تخريجه لبعض الجن الذين عرفوا في كتاب الصحابة فليس بمنكر .
5 ـ وقال ابن حزم ( من ادعى الاجماع فقد كذب على الامة ، فان الله تعالى قد اعلمنا ان نفراً من الجن آمنوا وسمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهم صحابة ) (12) .
6 ـ الملائكة محل نظر ، وقد نقل الامام فخر الدين الرازي في ( اسرار التنزيل ) الاجماع على انه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن مرسلاً الى الملائكة ، ونوزع في هذا النقل ، بل رجح الشيخ تقي الدين السبكي انه كان مرسلا اليهم واحتج بأشياء .
7 ـ وخرج بقولنا ( ومات على الاسلام ) من لقيه مؤمناً به ثم ارتد ومات على دينه والعياذ بالله من ذلك عدد يسير كعبيد الله بن جحش الذي كان زوجاً لام حبيبة ، فانه اسلم معها وهاجر الى الحبشة فتنصر ومات على نصرانيته ، وكعبد الله بن خطل الذي قتل وهو متعلق بأستار الكعبة .
8 ـ ويدخل فيه من ارتد وعاد الى الاسلام قبل ان يموت سواء اجتمع به صلى الله عليه وآله وسلم مرة اخرى ام لا ، وهذا هو الصحيح المعتمد . والشق الاول لا خلاف في دخوله . وابدى بعضهم في الشق الثاني احتمالاً وهو مردود لاطباق اهل الحديث على ان ابن قيس من الصحابة ، وعلى تخريج احاديثه في الصحاح والمسانيد وهو ممن ارتد ثم عاد للاسلام في خلافة ابي بكر .
ب ـ تقييم ابن حجر لهذا التعريف
هذا التعريف مبني على الاصح المختار عند المحققين كالبخاري وشيخه احمد بن حنبل ومن تبعهما . ووراء ذلك اقوال اخرى شاذة كقول من قال : لا يعد صحابياً إلا من وصف بأحد اوصاف اربعة :
1 ـ من طالت صحبته . 2 ـ او حفظت روايته . 3 ـ او ضبط انه قد غزا معه . 4 ـ او استشهد بين يديه .
وكذلك من اشترط في صحة الصحبة بلوغ الحلم او المجالسة ولو قصرت .
واطلق جماعة ان من رأى النبي صلى الله عليه وآله فهو صحابي ، وهو محمول على من بلغ سن التمييز ، اذ من لم يميز لا تصح نسبة الرؤية اليه ، وعندما يراه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيكون صحابياً من هذه الحيثية ، ومن حيث الرؤية يكون تابعياً . وهل يدخل من رآه ميتاً قبل ان يدفن كما وقع لابي ذؤيب الهذلي الشاعر ـ ان صح ـ محل نظر ، والراجح عدم الدخول .
ج ـ وسائل معرفة الصحابة
ان يثبت بطريق التواتر انه صحابي ثم بالاستفاضة والشهرة ، ثم ان يروى عن احد من الصحابة ان فلاناً له صحبة مثلاً ، وكذلك عن آحاد التابعين بناءاً على قبول التزكية من واحد وهو الراجح ، ثم بأن يقول هو اذا كان ثابت العدالة انا صحابي .
أما الشرط الاول وهو العدالة فجزم به الآمدي وغيره لان قوله قبل ان تثبت عدالته انا صحابي ، او ما يقوم مقام ذلك يلزم من قبول قوله اثبات عدالته ، لان الصحابة كلهم عدول فيكون بمنزلة القائل انا عدل وذلك لا يقبل .
وفوق ذلك المعاصرة ، فيعتبر بمضي مائة سنة وعشر سنين من هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ومن هنا لم تصدق الائمة من ادعى الصحبة بعد الغاية المذكورة ، وقد ادعاها جماعة فكذبوا لان الظاهر كذبهم في دعواهم ، ومن لا تعرف حاله الا من نفسه . فمقتضى كلام الآمدي ان لا تثبت صحبته .
د ـ كل الشعب صحابة
من المجمع عليه ان الدعوة المحمدية تمخضت عن الدولة المحمدية التي قادها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه قرابة عشر سنين ، ارسى خلالها قواعد النظام السياسي الاسلامي ، وبين عقيدة الاسلام بياناً كاملاً من خلال نقل النص من النظر الى التطبيق على كل صعيد ، ومن خلال ابراز روحها العامة .
ومن المتفق عليه دستورياً ان مقومات الدولة ـ اية دولة ـ على الاطلاق تتكون من :
1 ـ شعب . 2 ـ اقليم يستقر فوقه هذا الشعب . 3 ـ سلطة تسوس هذا الشعب .
واذا اخذنا بالتعريف الذي اورده ابن حجر العسقلاني للصحابة فان المعول لينال شرف الصحبة ويكون صحابياً هو :
1 ـ الالتقاء بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم سواء اكان هذا الالتقاء عن طريق المجالسة او المحادثة اوالمشاهدة . فمن شاهد النبي او شاهده النبي فهو صحابي حتى ولو كان طفلاً رضيعاً لان المشاهدة لا تنسب له انما تنسب للنبي نفسه .
2 ـ الايمان بالنبي انه نبي ، فلو اخذنا برأي ابن حجر العسقلاني لوجب علينا ان نتأكد من حقيقة هذا الايمان ، وهذا امر خارج عن قدرة البشر ، وكان على ابن حجر العسقلاني ان يقول : مؤمناً به او متظاهراً بالايمان به . فعبد الله بن ابي ، زعيم المنافقين قولاً واحداً هو من الصحابة بالاجماع . فقد قال النبي صلى الله عليه وآله لمن اشار بقتله ( فلعمري لنحسنن صحبته ما دام بين اظرنا ) . (13)
وعبد الله بن ابي سرح كان يكتب لرسول الله ثم افترى على الله الكذب ، واباح الرسول صلى الله عليه وآله دمه ولو تعلق بأستار الكعبة . وعند فتح مكة تشفع له عثمان ودخل في الاسلام لينجو بروحه ... وهو صحابي شاء الناس ام ابوا (14)
ومثله الحكم بن العاص طريد رسول الله صلى الله عليه وآله اذ طرده الرسول وحرم عليه دخول المدينة ، وبوفاة الرسول راجع عثمان ابا بكر ليدخله لكن ابا بكر رفض ، ولما مات ابو بكر راجع عثمان عمر ليدخل ولكن عمر رفض ايضا ان يدخله المدينة في عهده ، ولما تولى عثمان الخلافة ادخله معززاً مكرماً واعطاه مأة الف درهم لانه صحابي (15) .
وبأختصار فلا يشترط بالشخص حتى يكون صحابيا أ يكون مؤمنا حقيقة بالنبي بل يكفي أن يتظاهر بالإيما وأن يموت على هذا الإ أو على هذا التظاهر به ، لأن النبي لا يعني بالبواطن إنما يكلها الى الله .
ومن هنا ، ومن خلال دعوة النبي ومن خلال دولته وغزواته (16)
ومن خلال بيعة الناس له ، والحج والعمرة وفتح مكة وحجة الوداع خاصة ، وسيطرة دولته الكاملة على الجزيرة العربية اتيحت الفرصة للجميع للالتقاء به ، لم يبق في مكة ولا الطائف احد في السنة العاشرة الا اسلم وشهد مع النبي حجة الوداع ، ومثل ذلك قول بعضهم في الاوس والخزرج انه لم يبق منه احد في آخر عهد النبي الا ودخل في الاسلام ، وما مات النبي وواحد منهم يظهر الكفر (17)
حتى الاطفال صاروا صحابة على سبيل الالحاق لغلبة الظن على انه صلى الله عليه وآله وسلم رآهم لتوفر دواعي اصحابه على احضارهم اولادهم عنده عند ولادتهم ليحنكهم ويسميهم ويبارك عليهم . والاخبار بذلك كثيرة ( كان النبي يؤتى بالصبيان فيبارك عليهم ) ( ما كان يولد مولود الا اتي به النبي ) (18) .
فاذا اخذنا بعين الاعتبار ان الفوارق قد ازيلت تماماً بين الحاكم والمحكوم في دولة النبي ، وانه كان يمشي في الشارع وحده . ويقضي حاجته بنفسه ، فكان بامكان اي مواطن في الدولة الاسلامية ان يراه وان يتكلم معه او ان يحضر مجلسه مما جعل شعب دولة النبي كله صحابة بهذا المفهوم ، بمعنى ان كل مواطني الدولة قد التقوا بامامهم ورئيس دولتهم او شاهدوه او سمعوه او جالسوه .
الفرق الاسلامية الآخرى تتفق مع اهل السنة من حيث المعنيين اللغوي والاصطلاحي ، ولكنهم يختلفون من حيث صفة العدالة ، فبينما يعمم اهل السنة ويرون ان كل الصحابة بلا استثناء عدول ، ترى الفرق الاسلامية الآخرى ان العدالة لها مستلزمات شرعية ومواصفات موضوعية ، فمن توفرت فيه تلك المستلزمات والمواصفات فهو العدل ، ومن لم تتوفر فيه فليس بعدل ، ولديهم ادلة من الكتاب والسنة والمنطق كما سنرى .
المصادر :
1- لسان العرب لجمال الدين محمد بن مكرم بن منظور ج 1 ص 915 . وتاج اللغة لاسماعيل بن حماد الجوهري ص 161 ـ 162 . وتاج العروس لمحمد مرتضى الحسيني الزبيدي ج 3 ص 186 والمعجم الوسيط لابراهيم مصطفى ورفقاه ج 1 ص 509 ـ 510 . والقاموس المحيط للفيروز آبادي مجدي بن محمد يعقوب . ومختارات الصحاح لابي بكر الرازي ص 356 .
2- راجع الآية 26 من سورة الكهف ، وج 3 ص 92 ـ 93 من تفسير ابن كثير على سبيل المثال .
3- راجع الآية 15 من سورة لقمان ، وج 3 ص 444 من تفسير ابن كثير .
4- راجع الآية 36 من سورة النساء ، وج 1 ص 494 من تفسير ابن كثير .
5- راجع الآية 40 من سورة التوبة ، وج 2 ص 358 من تفسير ابن كثير .
6- راجع الآيتين 34 و 37 من سورة الكهف وج 3 ص 83 من تفسير ابن كثير .
7- راجع الآية 29 من سورة القمر ، وج 4 ص 265 من تفسير ابن كثير .
8- راجع الآية 2 من سورة النجم والآية 41 من سورة سبأ وج 3 ص 543 وج 4 ص 246 لابن كثير .
9- راجع الآية 59 من سورة الذاريات ، وج 2 ص 238 لابن كثير .
10- راجع سلسلة مقالاتنا المنشورة تباعاً في جريدة اللواء الاردنية عام 91 ـ 92 .
11- راجع الاصابة في تمييز الصحابة لاحمد بن علي بن محمد بن علي الكناني العسقلاني الشافعي المعروف بابن حجر ص 10 .
12- راجع ص 11 وما فوق من المرجع السابق .
13- راجع الطبقات لابن سعد ج 2 ص 56 على سبيل المثال وراجع كتابنا النظام السياسي في الاسلام ص 103 .
14- راجع المعارف لابن قتيبة ص 131 و 141 .
15- راجع المعارف لابن قتيبة ص 54 و 131 وراجع كتابنا النظام السياسي في الإسلام ص 103 .
16- راجع كتابنا النظام السياسي في الاسلام ص 232 وما فوق .
17- راجع الاصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني ص 16 .
18- الاصابة في تمييز الصحابة ص 7 لابن حجر العسقلاني .

 


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

آيات ومعجزات خاصة بالمهدي المنتظر
اُسلوب التعامل مع المنافقين
شعر الإمام الحسين
معرفة الله تعالى أساس إنساني
لهفي عليك.. يا أبا عبدالله
القرآن و القواعد
التعامل مع القرآن بين الواقع والمفروض
علاج الامراض النفسیة بذکر الله
هدم قبور البقيع ..............القصة الكاملة
الحرب العالمية في عصر الظهور

 
user comment