عربي
Friday 19th of April 2024
0
نفر 0

الموقع الاجتماعي للعلماء

الموقع الاجتماعي للعلماء

العالم الديني صاحب اختصاص بالتاكيد. وهذا الاختصاص هو في علوم الشريعة، وله ما لسائر اصحاب الاختصاص من حقوق وآثار ومسؤوليات. الا ان هذا الاختصاص يختلف عن غيره من الاختصاصات.

العلم والعمل:

ان هذا الاختصاص يتطلب من صاحبه ان يتجسد فيه العلم الى سلوك وحركة بشكل واضح وكامل. ومن غير ان تتحول هذه المعرفة الى سلوك لا يكون لهذه المعرفة قيمة كبيرة عند اللّه.
فان العلم اذا رسخ في نفس الانسان يخلق في نفسه شفافية ونورا، ولهذه الشفافية وهذا النور آثار واسعة في حياة الانسان.
والعلم يفتح منافذ القلب، ويخرج الانسان من حالة الانغلاق ويوسع افق الانسان ويمنحه الاحساس بالمسؤولية تجاه الاخرين، ويحسس الانسان بالام الاخرين وهمومهم، ويلطف احساسه وشعوره، ويمكنه من تلقي هموم الاخرين ومعاناتهم.
وقد وردت في ذلك نصوص اسلامية، ونحن فيما يلي نشير الى طائفة من خصائص العلم من خلال النصوص الاسلامية:

العلم والخشية:

يقول تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَ?لِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)(1)
وهذه الاية تحصر الخشية من اللّه في العلماء، وبقدر ما يكون العلم تكون الخشية من اللّه تعالى.
والعلم الذي لا ينتج خشية من اللّه تعالى لا يكون من العلم الذي يجعل من صاحبه عالما، وانما هو تراكم من المعلومات.
يقول تعالى: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى? صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)(2)
وهذه الاية الكريمة تجعل الايمان والاخبات من لوازم العلم.
روي عن الامام الصادق(عليه السلام) قوله: ((الخشية ميراث العلم، ومن حرم الخشية لا يكون عالما وان شق الشعر في متشابهات العلم))(3)
فالعلم الحق هو الذي يورث صاحبه الخشية، واءما ما لا يورث صاحبه الخشية فليس من العلم، وان شق صاحبه الشعر في دقة النظر.

وفي القرآن نجد حصرين اثنين:

حصر الخوف من اللّه تعالى والاخبات له في العلماء، فلا يخشى اللّه تعالى حق خشيته اءحد غير العلماء، وكل يخشى اللّه تعالى على قدر علمه، واختلاف الناس في الخشية من اللّه ينشاء من اختلاف درجاتهم في العلم، كما ان اختلاف درجات الناس في الاخبات ينشاء من اختلافهم في درجات العلم.
وهذا أحد الحصرين في القرآن.
والحصر الاخر في القرآن هو حصر الخوف في العالم من اللّه تعالى فقط، فان العالم يخشى اللّه تعالى فقط ولايخشى اءحدا الا اللّه. يقول تعالى: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى? بِاللَّهِ حَسِيبًا)(4)
وبموجب هذا الحصر لا يخشى العالم اءحدا الا اللّه تعالى.
والاية الكريمة وان كانت لا تضيف الخشية الى العلماء ولكنها تضيفها الى الذين يبلغون رسالات اللّه، ولا يبلغ رسالات اللّه الا من كان عالما بها.
فالعلم اذن ذو خاصية غريبة من نوعه: انه يبعث الخشية في نفس صاحبه، وينفي الخوف من نفس صاحبه في نفس الوقت. والثاني يتبع الاول، والاول ينبعث من العلم. فلا يتحرر الانسان من الخوف من غير اللّه الا اذا تاءكد الخوف من اللّهتعالى في نفسه، ولا يتاءكد الخوف من اللّه تعالى الا اذا رسخ العلم في نفسه، وبقدر ما يرسخ العلم في نفس الانسان يكون الانسان خائفا من اللّه تعالى.
ونحن نستظهر هذه المعادلات كلها من بيان القرآن وتقريره.
وهذا أحد اءغرب آثار العلم في نفس العالم.
والعلم هنا اءمر آخر غير ما يخزن الانسان في ذاكرته من المعلومات، وانما هو ما يستقر في نفس الانسان،ويرسخ، ويتحول في نفس الانسان الى وعي وبصيرة وهدى وسلوك.
وهذه هي الخصوصية الاولى للعلم في النصوص الاسلامية.

العلم والمسؤولية:

والخصوصية الثانية للعلم هي: ان العلم يحمل صاحبه مسؤولية اءعمال الاخرين.
يقول اءمير المؤمنين (عليه السلام) في الخطبة الشقشقية: ((اما والذي فلق الحبة، وبرا النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر، وما اءخذ اللّه على العلماء الا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لالقيت حبلها على غاربها))(5)
فان العلم كما ذكرنا يوسع افق وعي الانسان وشعوره، ويخرجه من حالة الانا، ويمكنه من اءن يتحسس هموم الاخرين ومعاناتهم.
فاذا اءحس الانسان بمعاناة الاخرين وهمومهم يحمل مسؤوليتهم، ويقف الى جنبهم، ويدافع عنهم، ويرفع صرخة المظلوم في وجه الظالم، وهذا هو عهد اللّه على العالم، كما يقول امير المؤمنين (عليه السلام): ((وما اءخذ اللّه على العلماء اءلا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم)).
وهذا عهد اءخذه اللّه على كل انسان، وكل منا اءعطاه اللّه تعالى هذا الوعي في عمق فطرته وتكوينه، ولكن العلماء من دون سائر الناس يمكنهم اللّه تعالى من وعي هذا العهد والاحساس به اكثر من غيرهم ويطالبهم به اكثر من غيرهم، وهذا من خصائص العلم والمعرفة.

العلم والمعرفة:

والعلم الذي يمنح الانسان هذه المؤهلات وهذه الشفافية والخفة في الروح، هو ما يصطلح عليه اليوم ب(الثقافة).
فان المعرفة البشرية (ثقافة) و(علم).
والثقافة هي مجموعة المعارف التي تدخل في تكوين ذهنية الانسان، وعقله، وروحه، وعواطفه، وسلوكه،وعقيدته مثل (العقيدة) و(الفلسفة) و(الاخلاق) و(الاداب) و(التاريخ) و(علوم الشريعة) والعلم ما عدا ذلك من تجارب الانسان وخبراته ومعارفه، كالصيدلة، والطب، والجراحة، والرياضيات، والفلك، والجيولوجيا،والجغرافيا.
والثقافة توجه العلم. فان العلم لا جهة له من الخير والشر في حياة الانسان ويقبل الخير والشر معا، والثقافة هي التي توجه العلم الى الخير والشر، وتحدد وجهة الانسان في الحياة.
فاذا كانت الثقافة التي تكون ذهن الانسان ونفسه ثقافة ربانية استطاع صاحبها اءن يوظف العلم باتجاه خدمة الانسان وصلاحه.
واذا كانت الثقافة التي توجه الانسان ثقافة مادية جاهلية وجهت صاحبها الى توظيف العلم باتجاه تخريب اءخلاق الانسان وسلوكه، وباتجاه العدوان، والافساد في الحرث والنسل.
والثقافة مصطلح حديث في هذا المعنى، الا ان التمييز بين (العلم) و(الثقافة) ليس حديثا.
فقد كان العلماء قديما يفرقون بين مصطلح (العلم) و(المعرفة) وكانوا يقصدون بالمعرفة مضمونا قريبا الى مضمون (الثقافة) اليوم.
ومهما يكن من اءمر فاننا نقصد بالعلم هنا (الثقافة) و (المعرفة) وبهذا المعنى يكون العلم موجها للانسان وهادياله، ويمنح الانسان النور والشفافية وسعة الافق والبصيرة والهدى.
وبهذا المعنى يكون العلم رحمة في حياة الانسان.
يقول تعالى في قصة لقاء موسى بن عمران (عليه السلام) بالعبد العالم عند مجمع البحرين: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا)(6)
والعلم في هذه الاية المباركة وان كان معطوفا على الرحمة، الا ان السياق يشهد باءن المقصود من الرحمة مايشمل العلم، فان اللّه تعالى انما وجه عبده وكليمه موسى بن عمران (عليه السلام) الى لقاء عبده العالم لياءخذ مما آتاه اللّهتعالى من العلم.
فالعلم اذن رحمة في حياة الانسان، ولن يكون العلم رحمة الا حينما يوجه الانسان الى اللّه تعالى، ويمنحه بصيرة وهدى وشفافية في النفس، ويرقق مشاعره، ويوسع آفاق نفسه وعقله...
وهذا هو معنى الثقافة والمعرفة.

المسؤوليات التخصصية للعالم:

الاسلام لا يعتبر العلماء طبقة اجتماعية متميزة، ذات حقوق خاصة ومتميزة، ولكن العلم يحمل الانسان مسؤولية متميزة وهي اصلاح المجتمع ودعوة الناس الى اللّه تعالى.
وهذه المسؤولية نابعة من وعي العالم بعهده الذي اءعطاه للّه تعالى... وهذا العهد يتضمن دعوة الناس الى اللّهتعالى واصلاحهم وتوجيههم.
وكلما استقر العلم في نفس الانسان اءكثر تاءكد هذا العهد عنده اءكثر.
وعلى هذا الاساس يكون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية تخصصية للعلماء دون سائر الناس،ويجب على المسلمين اعداد العلماء للقيام بهذه المسؤولية.

الامر بالمعروف في الدائرة العامة والخاصة:

والذي يمعن النظر في القرآن يجد اءن القرآن الكريم يطرح هذا الواجب الخطير على صعيدين:
على الصعيد العام بالنسبة الى كل المسلمين، وعلى الصعيد الخاص بالنسبة للعلماء. يقول تعالى:
(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَ?ئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(7)
وهذه هي الدائرة العامة لهذه الفريضة الاسلامية، وبموجب هذه الاية يجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكرعلى كل المؤمنين والمؤمنات.
وفي الدائرة الخاصة يقول تعالى: (ولتكن منكم امة يدعون الى الخير وياءمرون بالمعروف وينهون عن المنكرواولئك هم المفلحون)(8)
وهذه الاية الكريمة واضحة في الدعوة الى قيام طائفة من المؤمنين بصورة اختصاصية بمهمة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والشاهد على ذلك كلمة (منكم) الدالة على التبعيض.
كما ان القرآن يوجب الاعداد العلمي لهذه الطائفة من الدعاة الى اللّه والامرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
يقول تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(9)
وهذه الاية الكريمة تدعو المؤمنين الى اءن ينفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين، وليقوموا بمسؤولية الانذار والتوجيه والامر بالمعروف والنهي عن المنكر اذا رجعوا الى قومهم لعلهم يحذرون.
فليس من الممكن اءن يتفقه الناس جميعا، ولا يمكن اءن يستقيم اءمر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر (في هذه الدائرة المركزة) من دون اءن يتفقه الامرون بالمعروف والناهون عن المنكر. ولهذا وذاك يوجب القرآن الكريم على المؤمنين ان يتفقه من كل فرقة منهم طائفة لينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم.
ويبدو من هذه الاية الكريمة اءن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في الدائرة الخاصة يختلف شاءنه عنه في الدائرة العامة.
فهو يتطلب من الفقه ما لا يتطلبه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في الدائرة العامة.
ويتطلب من التفرغ والتخصص ما لا يتطلبه الامر بالمعروف في الدائرة العامة.
ويتطلب من القوة والسلطان والصلاحيات ما لا يتطلبه الامر بالمعروف في الدائرة العامة.
المصادر:
1- فاطر: 28.
2- الحج: 54
3- بحار الانوار: 2/52.
4- الاحزاب: 39.
5- نهج البلاغة: ص‌50 خطبة 3.
6- الكهف: 65.
7- التوبة: 71.
8- آل عمران: 104.
9- التوبة: 122.

 


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الحجّ في نصوص أهل البيت(عليهم السلام)
وصول الامام الحسین(ع) الى کربلاء
دعاء الامام الصادق عليه السلام
الصلوات الكبيرة المروية مفصلا
الشفاعة فعل الله
أخلاق أمير المؤمنين
اللّيلة الاُولى
قال الإمام الحسين (عليه السلام): (اللهم إني لا ...
دروس من مواقف أبي ذر (رضوان الله علیه)
الإمام الصادق (ع)

 
user comment