عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

التکفير و الغلو و جهان لعملة واحدة

التکفير و الغلو و جهان لعملة واحدة

في هذه الظروف الرّاهنة التي تعيش فيها الامة الاسلاميّة أزمة التكفير و انشغال المسلمين بمقاتلة بعضهم البعض، بدلاً من أن يعبّأوا طاقاتهم في مجال التصدي للمقاومة الإسلامية ضدّ الاعداء الالدّاء للاسلام و المسلمين، سمع العالم بمبادرة علمية قام بأعبائها علمان من مراجع الدين العظام وهما آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي وآية الله العظمى الشيخ جعفر السبحاني حفظهما الله، حيث دعوا علماء الامة الاسلامية في كافة البلدان للاجتماع في قم تحت إطار المؤتمر العالمي لبحث آراء علماء الدين في التيارات التكفيرية. وحيث وصلتني الدّعوة من ذلك المؤتمر مؤخراً لم اوفق لتقديم مقال و عرضه في الوقت المقرّر، و لكن خطورة الموقف و اهمية الموضوع دعتني للمشاركة مع قلة بضاعتي في هذا الحقل العلمي، فوفقني الله لانجاز هذه الرسالة تلبية لاوامر ذينك العلمين الذين هما من اعلام مشايخي و أساتذتي و جعلت موضوع الرسالة: «التكفير والغلو و جهان لعلمة واحدة وهي التطرف» وشرحت فيها العلل الكامنة لهذه الظاهرة المدمّرة و هي التكفير والتطرف، و طريق العلاج لها حسب ما يسع المجال، وله الحمد اوّلاً وآخراً.
محسن الحيدري ممثل اهالي خوزستان في مجلس خبراء القيادة و امام الجمعة المؤقت في مدينة الاهواز 16/صفر/1436 ه.

التكفير و الغلو وجهان لعملة واحدة و هي التطرف

في هذا المقام يلزم ان يركزّ على هذه المفردات الثلاث و هي: التطرف، والتكفير، والغلو.
إن التطرف لغة من باب التفعل لكلمة الطرف، هو الأخذ باحد اطراف الشيء و ترك النقطة المركزية و الخط المستقيم. واستعملت الكلمة في عدّة استعمالات في كتب اللغة، و امّا في العصور المتأخرة فهي عبارة عن التشدّد و التجاوز عن حدّ الاعتدال. (1) و اطلقت في عالم السياسة علي الرّاديکالية.
و في الآونة الاخيرة اصبحت تطلق على المتشددين المدّعين للاسلام كالطالبان و القاعدة و سائر التکفيريين.
و التطرّف من وجهة نظر الاسلام امر مرفوض، لأنّه انحراف عن خط الاعتدال والوسطيّة. ويظهر تارة في صورة الافراط و اخرى في صورة التفريط، و ذلك لأن تعاليم القرآن بنيت على الوسطية كما ينادي بذلك في عدّة من آياته مثل قوله سبحانه:
(وَ كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُم أُمَةً وَسَطاً لِّتَكُونُوأشُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيكُم شهيدًا). (2)
(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (3)
روي المفسرون عن المحدثين في تفسير الآية ان رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) خطّ خطّاً بيده ثم قال: هذا سبيل الله مستقيماً، ثم خط خطوطاً عن يمين ذلك الخط وعن شماله ثم قال: و هذه السبل ليس منها سبيل الّا عليه شيطان يدعوا اليه. ثم قرأ: و ان هذا صراطى مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بکم عن سبيله». (4)
وقد ورد عن أبى جعفر (عليه السلام) في تفسير الآية، انه قال: «نحن السبيل فمن أبى فهذه السّبل». (5)
و هذا الحديث يدّل على أن المعيار لمعرفة الصراط المستقيم و تمييزه عن غيره من السبل المتفرقة انما هو نهج اهل البيت (عليهم السلام).
و قد استفاضت الاحاديث حول الوسطيّة.
منها ما روي عن رسول (صلي الله عليه و آله و سلم) انه قال: «خير الامور اوسطها» (6)، او «خيرالامور اوساطها». (7)
و ماروي عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) انه قال: «اليمين و الشمال مضلّة، والطريق الوسطى هي الجادّة، عليها باقي الكتاب وآثار النبوة، ومنها منفذ السّنة و اليها مصير العاقبة». (8)
وقال (عليه السلام): «لاتري الجاهل الّا مفرطاً أو مفرّطاً». (9)
وقال (عليه السلام) في موضع آخر «سيهلک فيّ صنفان: محبّ يذهب به الحبّ الي غير الحق، و مبغض مفرّط يذهب به البغض الى غير الحق، خير الناس في حالاً النمط الاوسط فالزموه». (10)
ان علماء الاخلاق على أساس الوسطيّة فسرّوا الفضائل، و جعلوا الرّذائل على أساس الأطراف المنحرفة عن حدّ الوسط. (11)
ومن هنا يمكن ان يستنتج بأنّ التكفير و الغلّو و جهان لعملة واحدة و هي التّطرف. وذلك لأن التكفير تفريط في حبّ اهل البيت وبغض لهم وينجر غالباً الى تكفير اهل القبلة، والغلوّ افراط في حبّهم ينجر الي الکفر بالله و الخروج عن الصراط المستقيم الذي يتجلي بولاية اهل البيت (عليهم السلام)، و قد قال على (عليه السلام) فيهم: «هلك فيّ رجلان محب غال ومبغض قالٍ». (12)
ولا يخفى ان الغلوّ لا ينحصر بتجاوز الحدّ عن مقامات اهل البيت عليهم السلام، بل يشمل تجاوز الحدّ عن مقام الصحابة وخاصّة الخلفاء منهم والاعتقاد بفضائل خاصة لهم لم تثبت شرعاً كما يأتي البحث عنه.
وعليه فهذان التياران يعملان كطرفي المقص في جسم الامّة الاسلامية، يبدوان متعارضين الّا ان يداً واحدة تحرّکهما و يقضيان معاً علي شئ واحد.
ومن اجل اعطاء صورة أكثر تفصيلاً و توضيحاً لهذه الحقيقة الناصعة يلزم علينا ان نقوم بمعرفة حقيقة التكفير والمصاديق البارزة لهذا التّيار اوّلاً، ثم عرض حقيقة الغلو و اقسامه و خطورته ثانياً، ثم البحث عن مدي تناغم خطّ الغلوّ مع ذلک التيار اخيراً.

حقيقة التکفير

التکفير، تفعيل مأخوذ من الکفريستعمل في عدّة معان، منها: «تکفير الرجل اي حمله علي الکفر او نسبته اليه».
و هذا هو المقصود هنا، و يستعمل في باب الافعال ايضاً، فيقال:
«اکفره، اي دعاه کافراً». (13)
وقال الجوهري: «أكفرت الرجل، أي دعوته كافراً، يقال: لا تكفّر أحداً من اهل القبلة، اي لا تنسبهم الي الکفر». (14)
و ان تکفير اهل القبلة هو من أعظم الاوباء المسرية والادواء الاجتماعية والثقافية الدينّيّة التي بليت بها الامة من با کورة امرها الي يومنا الحاضر بسبب ظهور تيارات عرفت بالتکفير لاهل القبلة بلا ايّ حجة شرعيّة، و انّما هي افكار عفنة يتبناها علماء متهتكون وينفّذها جهّال متنكّسون، و هذان الصنفان من أخطر قطاعات المجتمع كما جاء في الحديث: «قصم ظهري عالم متهتّك و جاهل متنسّک فالجاهل يغشّ الناس بتنّسکه، و العالم يغرّهم بتهتّکه». (15)
و هذه التيارات الشاذّة والمتطرفة كثيراً ما تطغى على الامة أو حكوماتها بين آونة و اخرى، وهى سرعان ما تضمحلّ وتنطفى شعلتها بسبب تمرّدها على الفطرة و خلافها للسوّاد الاعظم و استنكار اعمالها من قبل غالبية المسلمين.
و ان أعظم المؤاخذات على تلك التيارات هو تجاوزها عن الحدود الشرعية المرتبطة بتعريف الايمان و الکفر، و عدم الاعتناء بما قررّه الشرع في الخروج عن حوزة الايمان الي الکفر و جعل المشتهيات و الاراء الشاذة لهم معياراً في معرفة المؤمن من الكافر، فالذي يعتقد بآرائها هو المؤمن و المخالف لها و ان کان يعتقد بما يتفق عليه اکثر اهل القبلة- فهو کافر في منطقهم.
وعليه فيلزم معرفة حدود الايمان و العوامل التي توجب الخروج عنه الى الكفر في منطق الشريعة الاسلاميّة حتّى يتضّح موضع الشذوذ عن ذلك المنطق.

«تعريف الايمان و الکفر»

ان للايمان و الكفر تعريفاً متفقاً عليه عند جمهور المسلمين من اهل السنّة و الشيعة، وهو: «الاعتقاد بوحدانية الله تعالى والآخرة، ورسالة النبي (صلي الله عليه و آله و سلم)، علي أن الايمان برسالة النبي (صلي الله عليه و آله و سلم)، يشمل الايمان بنبوة الانبياء السابقين عليه و الکتب السماوية السابقة، و ما آتي به نبي الاسلام من تعاليم اسلامية للبشر من جانب الله ايضاً». (16)
و هذا التعريف للاسلام و الايمان هو ما اجمع عليه امذاهب الاسلامية من السنة و الشيعة، نعم هناک اصول اخري يعتقد بها الشيعة کالعدل و الامامة لا يکون انکارها خروجاً عن الاسلام، و ان کان انکارها يوجب الخروج عن المعني الخاص للايمان و هو التّشييع، کما ان بين المذاهب الاسلامية الاخرى خلافات في اصول عقديّة و في فروع فقهيّة لا يُحسب انكارها و عدم الاعتقاد بها اجتهاداً أو تقليداً، خروجاً عن الاسلام.
قال الامام الغزالي في كتابه (فيصل التفرقة بين الاسلام و الزندقة) ص 195-196: (إعلم أن شرح ما يکفّر به، و لا يکفّر به يستدعي تفصيلاً طويلاً يفتقر الي ذکر کل المقالات و المذاهب،. فاقتنع الآن بوصية وقانون.
امّا الوصيّة: فان تكفّ لسانك عن اهل القبلة ما أمكنك، ما داموا قائلين لا الله الّا الله محمد سول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) غير مناقضين لها، و المناقضة الكذب على رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) بعذر او بغير عذر، فان التکفير فيه خطر، و السکوت لا خطر فيه.
امّا القانون: فهو أن تعلم إن النظريات قسمان: قسم يتعلق باصول العقائد، و قسم يتعلق بالفروع، و اصول الايمان، و اعلم إنه لا تكفير من الفروع أصلاً، ألا في مسألة واحدة، وهي أن تنكر اصلاً دينيّاً غلام من الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) بالتواتر، ولكن في بعضها تخطئة كما في الفقهيّات، وفي بعضها تبديع كالخطأ المتعلق بالأمامة و احوال الصحابة. واعلم أن الخطأ في اصل الإمامة و تعيينها و شروطها، و ما يتعلق بها لايوجب شئ منه تکفير». (17)
و هذا التعريف للاسلام هو الذي يوجب حقن دم المتعاطي له و حرمة ماله وعرضه، ولا يوجب شئ للکفر و استحابة الدم ألّا انکار التوحيد او المعاد او رسالة النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) او انکار الضرورات الاسلامية کوجوب الصلوة و الصيام و غيرها مما يستدعي انکار الرّسالة.

«موقف الاسلام من ظاهرة التكفير»

ان التکفيريين يرون الاعتقاد بارائهم الشّاذه هو المعيار في الخروج عن الذين و استباحة الدماء و الاعراض و الاموال للمسلمين.
وقد حذّر القرآن عن هذا الشذوذ في قوله سبحانه:
«يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَينُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا» (18)
ان الآية تنهى عن التكفير صريحاً، فقد روي في تفسيرها عدّة روايات منها رواية ابن ماجة في سننه و هي: ان رسول (صلي الله عليه و آله و سلم) بعث جيشاً من المسلمين فقاتلوهم قتالاً شديداً فمنحوهم أكتافهم، فحمل رجل من المسلمين على رجل من المشركين فلما غشيه قال: أشهد أن لا اله الّا الله أني مسلم، فطعنه، فقتله، فأتى رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) فقال: يا رسول الله، هلكتُ قال: ما الذي صنعت؟ مرة أو مرتين، فأخبره بالذي صنع. قال رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم): فهلّا شققت عن بطنه فعلمت ما في قلبه؟! فقال اللغة: يا رسول الله لو شققت عن بطنه اكنت أعلم ما في قلبه؟ قال: لا، فلا أنت قبلت ما تكلّم به ولا آنت تعلم ما في قلبه. و قيل ان القاتل أسامة بن زيد، و المقتول مرداس بن نهيک الغطفاني، و لعلّ هذه الاحوال جرت في زمان متقارب، فنزلت الآية في الجميع». (19)
فالرّواية تدلّ على ان المسلمين يجب عليهم أن يكتفوا بظاهر إقرار الشّخص في الاسلام ولا يجوز لهم اذا احتملوا كذب المقر و نفاقه أن يرتّبوا أثراً على ذلك الاحتمال. والصرح من هذا ما جاء في لزوم حقن دماء من اعلن الشهادتين في حديث غزوة خيبر.
فقد روي البخاري و مسلم في صحيحهما، أنّه: عند ما أعطي رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) الراية لعلي (عليه السلام) لفتح قلعة خيبر. وأخبر الناس بانّ حامل هذه الرّاية سيفتح خيبراً، قال على (عليه السلام) لرسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم)، يا رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم)! على مَ أقاتلهم؟ فقال (صلي الله عليه و آله و سلم): قائلهم حتى يشهدوا أن لا اله الّا الله و أنّ محمداً رسول الله، فاذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دمائهم و أموالهم الّا بحقّها، وحسابهم على الله). (20)
وقد اشتهر مضمون هذا الحديث بانّه (صلي الله عليه و آله و سلم) قال: «لا تكفّروا أحداً من اهل القبلة بذنب و ان عملوا الكبائر». (21)
وقول (صلي الله عليه و آله و سلم): «ألا لا ترجعنّ بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض».
قال ابن الاثير في تفسيره: و قيل: معناه: «لا تعتقدوا تکفير الناس کما يفعله الخوارج». (22)

أهم التيارات التكفيريّة في التّاريخ الاسلامى

على الرغم من تحذير القرآن والرسول الكريم (صلي الله عليه و آله و سلم) الأمة عن مغبّة التكفير و خطورة التطرف، شذّ عن ذلك المنهاج القويم افراد و تيارات كثيرة منذ القرن الاول الهجري الى يومنا هذا، فقاموا باثارة الفتن و تسعير نيران الحروب فيما بين المسلمين و سفک الدماء و انتهاک الاعراض و استلاب الاموال و نهبها من اهل القبلة بذريعة التکفير، و ان کانت الدّواعي لتلك الاعمال مختلفة، فمنها سوء الفهم وقسوة القلوب، ومنها الاهواء النفسية والأطماع التوسعية الى غير ذلك من دواع و دوافع، و اهمّ تلک التيارات کما يلي من الطوائف:

الاولي: (الخوارج)

انّ الخوارج هم الذين انشقّوا عن جيش اميرالمؤمنين (عليه السلام) اثر قضية التحكيم في وقعة صفين عام 38 هـ، فكفّروا عامّة اهل القبلة بما فيهم امير المؤمنين (عليه السلام) و اهل العراق، ومعاوية واهل الشام، و خرجوا على امير المؤمنين (عليه السلام) وعاثوا في الأرض الفساد و قتلوا الابرياء و بقروا بطون الحوامل و قتلوا الجنين، كما فعلوا ذلك في عبد الله بن الخبّاب بن الأرت و هو ابن أحد الصحابة وبقروا بطن زوجته و قتلوا جنينها کما قتلوا ثلاث نسوة من طي، و قتلوا امّ سنان الصيداوية. فقام امير المؤمنين (عليه السلام) بتوعيتهم ووعظهم لردعهم عن الاساليب العنيفة، فاتّعظ اكثرهم وبقي حوالي اربعة آلاف منهم متمردين، فاضطرّ (عليه السلام) الي محاربتهم و فقاً بذلک عين الفتنة.
و لما قتل الخوارج قيل له: يا امير المؤمنين هلک القوم با جمعهم. فقال (عليه السلام): «کلّا! و الله، انّهم نُطفٌ في اصلاب الرجال، و قرارات النساء، کلمّا نجم منهم قرنٌ قطع حتي يکون آخرهم لصوصاً سلّابين». (23)
و في هذا الكلام اشارة الى استمرار ذلك التيّار الفكري على مسرح الحياة الاسلاميّة على طول التاريخ و تصريح بعاقبتهم السوداء في اللصوصيّة والسلب لاموال المسلمين.
و ارتکب هؤلاء جرائم لا تحصي افظعها اغتيال اميرالمؤمنين (عليه السلام) في محراب صلاته في مسجد الکوفة.
و استمرّ الخوارج بشنّهم الحملات العسكريّة على الدولتين الامويّة والعبّاسيّة الى أن انقرضوا من عالم الوجود و لم يبق منهم الا المعتدلون كالاباضيّين. ويرجع السبب الرئيسى لانقراضهم الى تطرفّهم وشذوذهم عن عامّة المذاهب الاسلاميّه سنّة وشيعة، و اعتقادهم بكفر اهل القبلة و استحلال دمائهم و نظرتهم العنيفة الى الدين و المسلمين.

الثانية: «القرامطة»

القرامطة من الفرق الباطنية التي ظهرت في النصف الثاني من القرن الثالث، وشغلت السّلطات العبّاسيّة قرناً من الزمن وأشاعت الاضطراب والقلق والإرهاب في ما بين المسلمين.
واستحلّ القرامطة دماء المسلمين وقالوا بمقالة الخوارج في قتل اهل القبلة وسلب اموالهم و اعتلّوا في ذلك بقوله تعالى: «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيثُ وَجَدْتُمُوهُمْ» (24)
وزعموا أنه يجب عليهم ان يبدأوا بقتال من قال بالامامة ممّن ليس على قولهم، وخاصَّة من قال بامامة موسى بن جعفر (عليه السلام) و ولده، من بعده، وهم الشيعة الاماميّة، وتأوّلوا، في ذلك قوله الله تعالى: «يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ». (25)
وكان من أفظع ما ارتكبه القرامطة قطعهم لطرق حجّاج بيت الله الحرام و قتلهم و سلبهم اموالهم في عدّة سنوات، والأنكى تجرؤهم على الكعبة وقلعهم للحجر الأسود ونهبهم لحليها و كسوتها، وقتل الألاف من الحجيج في المسجد الحرام و شوارع مكّة. وقد ذكر المؤرخون تفاصيل للک الحادثة في حوادث سنة 317 هـ. (26)

الثالثة: «السلفية»

السلفية هى الحركة الدينيّة السياسيّة الّتى اتخذّت الرّؤيّة السلفيّة مذهباً لها، و هذه الرّؤية تتلخّص في تقليد بعض السلف من الصحابة و التابعين والفقهاء في العقيدة و الشّريعة و نهج الحياة، و اباح بعض اتباعها لنفسه استعمال العنف بذريعة تكفير من سواهم من اهل القبلة.
وقد طرحت السلفيّة كحركة فكرية لها مواصفاتها الخاصّة في ثلاث مراحل: الاولى: حركة البربهاري في القرن الرابع الهجري، والثانية: حركة ابن تيميّة في القرن الثامن، والثالثة: حركة الوهابيّة في القرن الثاني عشر.

حركة البربهارى

بدأت السلفيّة كحركة دينيّة و سياسيّة عسكريّة في التاريخ الاسلامي في القرن الرابع الهجري علي يد البربهاري، و البربهاري هو آبو محمّد الحسن بن علي بن خلف المتوفي (329 هـ)، حيث قام بعدة اعمال شغب دينيّة في بغداد و كان هدفه كسب السلطة للحنابلة، و من اعماله اصدار فتوى اعدام النّائحة على سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) ، بناءً على أنّ اقامة العزاء عليه بدعة. ومن الفتن الدمويّة التي ثارت بتحريكه النقاش حول آية «وَمِنَ اللَّيلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا» (27)، بين الحنابله الذين يفسرون الآية بانّ الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) يكون جليساً لله سبحان! و مخالفيهم الّذين يفسّرونها بالشفاعة. كما قام بتحريض المقتدر العباسى لتدمير مسجد بُراثا الذى كان الشيعة يعظّمونه. و آثار أعمال الفوضي حينما سمع لعن معاوية علي المنابر، و کانت عنده عصابة تقوم بمزاحمة النّاس في بيوتهم. وقد اشتعلت نيران الفتن إثر ذلك في بغداد حتّى اضطرت الحكومة الى حبسه و تفريق جماعته. و كان يكفّر اتباع مذهب اهل البيت (عليه السلام) و ينكر على المسلمين زيارتهم لقبور الاولياء. و کان مع ذلک يظهر التورّع بحيث انه ترک ميراث ابيه و کان سبعين الفاً. (28)

ابن تيميّه

کان ابن تيمية (661-728 هـ) المنظّر الاکبر للرؤية السلفيّة في القرن الثامن، کان حنبلياً حشويّاً قائلاً بالتجسيم و التشبيه و نشر افکاراً کحرمة شدّ الرحال الي زيارة النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) و حرمة التوسّل به وطلب الاستشفاع و ما شاكل ذلك ممّا أثار غضب عامّة علماء المذاهب الاسلاميّة كالشوافع و الاحناف و المالكيّة و حتى بعض الحنابلة، ففسقه قوم وكتب في رد افکاره آخرون کالسُّبکي في شفاء السقام، و حکموا عليه بالحبسي فاوداع فيه، الي ان مات و ماتت افکاره حتي ظهرت الوهابية في القرن الثاني عشر. و کانت لابن تيميّة نزعه امويّة شديدة. و کان يبّري يزيد عن جرائمه التي ارتكبها مثل قتل سبط رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) و وضع السيف في المدينة في مجرزرة الحرّة. و کذلک انتهاک حرمة الکعبة و رميها بالمنجنيقي.

الوهابية

کادت السّلفيّة تموت بموت ابن تيميّة الي ان ظهر محمّد بن عبد الوهاب (1115-1206هـ) في نجد، و قام باحياء افكار ابن تيميّة الشاذّة، و اطلق عليه عنوان شيخ الاسلام بمساندة من قبل آل سعود و قالوا بتکفير عامّة المسلمين و قتلهم، و منذ ظهور الوهابيّة عام (1160 هـ) الي عام (1216 هـ) اي، ما يقرب الستين سنة لم تحصد سيوف اتباعه الا اتباع اهل السّنّة والجماعة في نجد و غيرها فقتل الالوف منهم، و بعد ان استتّب الحکم لخلفه و سيطر علي الحجاز، قام بشنّ الحملات علي الشيعة في العراق. و قتل خلال تسع سنوات (1216-1225) عشرات الالوف من شيعة العراق و ايران و کان اکثر هم من زوار ابي عبدالله الحسين (عليه السلام) (29) و وصل بهم الامر الي الاعتداء على الضريح الحسيني (عليه السلام) و نهب ما فيه من الاموال.
و استمرّت الفتن الوهابيّة في اشعال نيران الحروب فيما بين المسلمين فوصلت الي قمتها في العقد الأخير وخاصّة في السنوات الأخيرة، الامر الذى سبب تطاحن المسلمين فيما بينهم و ترك الاعداء الالدّاء للاسلام و المسلمين من اميركا و اسرائيل في ارتياح بال لشنّ الحملات الشعواء علي اهالي فلسطين و تدنيس المسجد الأقصي و ما شاکل ذلک. کما سببّ قيام ذيول الوهابيّة
المعاصرة باعمال عنف شنيعة للغاية لتشويه صورة الاسلام الناصعة المملوئة بالحكمة و الرحمة الالهيّة لدى الشرق والغرب.
واليكم الاشارة الى الذيول المنسوبة الى الوهابيّة في العقود الأخيرة.

1. جماعة التكفير و الهجرة في مصر:

تكوّنت هذه الجماعة في زمن جمال عبد الناصر متأثرة بافكار سيد قطب المعدوم عام (1966 م) في کتابه (معالم على الطريق) فكفّروا عامّة الناس حكومة و شعباً وهجروا الحياة المدنية و سكنوا الکهوف و انتهت الجماعه بمحاکمة مرشد هم مصطفي شکري و اعدامه عام (1976 م).

2. جيش الصّحابة الباکستاني:

أُسّست هذه الحركة في باكستان على ايدي اتباع السلفية هناك عام (1985 م)، وكانت ولا تزال مدعومة فكرياً و ماليّاً من السعوديّة، فقاموا باغتيالات عنيفة و تفجيرات مهولة في المساجد الحسينيات و أراقوا دماء الألاف من الأبرياء في باكستان، ورموز كثيرة من الشيعة وعلى رأسه العلامة السيد عارف الحسيني.

3. فرقة جنکجوي الباکستانية

بعد ان التحق جيش الصحابة الباكستاني نتيجة لضغوط الأحزاب المعتدلة الاسلامية عام (1995 م) بمجلس الائتلاف الوطني، انشقت فرقة جنکجوي کجناح عسکري لاستمرار التفجيرات و المجازر البشعة.

4. تنظيم القاعدة

أعلن عن تنظيم القاعدة عام (1996 م)، و يرجع ذلك الى تجمع مجموعة من العرب من السعوديّة و اليمن و مصر و السودان و الاردن و غيرها في جهاد الافغان ضدّ المحتلّين الروّس. و هؤلاء العرب بقيادة اسامه بن لادن الذين اجتمعوا هناك، كانت لهم ارتباطات سرّية وشبه علنيّة مع (CIA) الاميرکي، و ان حاولت القاعدة آن تظهر في احداث 11 سبتمبر کرمز لجهاد الامة الاسلاميّة ضد الامبرياليّة الغربيّة، لكن الحقائق التي كشفتها الأحداث، سرعان ما برهنت خلاف ذلک. فالمعروف في احداث اقتحام بُرجي نيويورک أنّ الموظفين اليهود و هم اربعة آلاف نفر قد غابوا في يوم الحدث ولم يصب أحدهم بجراح!
كما أنّ عدم قيام القاعدة بأيّ مواجهة مع اسرائيل داخل الاراضي المحتّله او لمصالحها کالسفارات السرائيليّة في العالم، مع قدرتهم علي ذلک، اذ انهم قاموا بتفجيرات کثيرة في اميرکا و اوروبا و افريقيا و البلدان الاسلامية والعربيّة وراح ضحيتها آلاف الابرياء، من القرائن على ذلك.
و هذاكلّه مما يكشف عن علاقات وديّة خاصّة بين القاعدة والصّهاينة.
و امّا اميركا فهي بدورها قد استعملت القاعدة كفزّاعة تخوّف بها الآخرين و تجعلها ذريعة لضرب أيّ بلد تريد ضربه للوصول الى أهدافها الاستعماريّة. ومن جرّاء ذلك احتلّت افغانستان، و بمثل تلك الذريعة احتلّت العراق، و هدّدت كثيراً بنفس تلك الفزّاعة البلدان الاسلاميّة الاخرى و على رأسها الجمهوريّة الإسلاميّة في ايران.
و إنّ الاستفادة العظمي التي استفادها الغرب من القاعدة و سائر التکفيريين هاي تشويه صورة الاسلام النقيّة، و عرضها بصورة عنيفة و قاسية بعيدة عن ايّ رحمة وعقلانيّة، حتى لا يعتنق الاوروبيون و الامريکيون الشريعة الاسلاميّة السمحاء الغرّاء. و ذلک لانّهم رأوا تزايد اقبال النّاس على الاسلام. الامر الذي يهدّد كيان الصهاينة و الحضارة الغربيّة بالخطر الأكيد.
و القاعدة و ان اصيبت بضعف شديد، خاصة بعد آن هلک مرشد‌ها علي ايدي الاميرکيين بعد أن فقد ما يمكن ان يعطيه لهم، فقضى عليه الرّئيس الأميركي علّه ان يستغل بقتله نجاح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرياسيّة، و لکن مع ذلک تمکنت من زرع ذيول لها في بعض البلدان العربيّة و الاسلاميّة کافغانستان و العراق و الشام و لبنان و الاردن و اليمن و مصر و ليبيا و نيجريا و تونس وغيرها. وقد تمكنت بعض تلك الذيول من تدشين عمليّات عسكرية واحتلال بعض المحافظات في بعض البلدان.
واليکم التعريف ببعض تلک الذيول: (30)

أ. طالبان

برزات حرکة طالبان السلفية في عام 1994 م في افغانستان و استلمت السلطة عام 1996 م و سقطت عام 2001 م بعد حوالي خمس سنوات.
نشا بعض قادتها في احضان الوهابيّة مباشرة كالّذين تخرّجوا من الجامعة الاسلاميّة في المدينة المنوّرة، أو غير مباشرة كالذين درسوا في المدارس الدينيّة السلفية في باكستان أو أفغانستان.
و قد استغلت حركة طالبان بقيادة الملا عمر الظروف المريرة التي عاشها الشعب الافغاني من نهب وسلب و تفسّخ خُلقي، حيث فشلت دولة المجاهدين بقياده برهان الدين رباني في تحقيق الامن والاستقرار والقضاء على الفساد والعصبيّة القبليّة بسبب المعارك الدّامية والتناحر الشديد القائم بين تيارات المجاهدين أنفسهم على السلطة.
و كانت المخابرات الباكستانيّة و المخابرات الامريكيّة و السعوديّة من الجهات المتهمة في صناعة طالبان ودعمها، فانّ حركة طالبان و دولتهم لم يعترف بها من الدول الّا السعوديّة و باكستان و الأمارات.
و القاعدة بقيادة بن لادن استغلت الاوضاع في أفغانستان، خاصة و ان طالبان كانت بأشدّ الحاجة الى الدعم المالي والتّقني الذي كانت القاعدة متوفّرة عليه، و هما يسيران في فلک واحد من الافكار السلفيّة، وإن لم تكن طالبان وليدة للقاعدة.
و قد ظهرت الرجعيّة على دولة طالبان بعدم اعترافها بالديمقراطية و المدنيّة الحديثة و تطبيق فتاوى فقهاء المدرسه السلفيّة كقوانين صارمة و جافة في معاملة الناس، مثل منع حلق اللحى، و ركوب النساء السيارات، والاستفادة من الرسوم و الصور و الافلام و ما شاكل ذلك.
و کان التکفير و ابادة الاخرين من سنة و شيعة من اظهر مواصفات اعضاء حرکة طالبان، فقد اغتالوا احمد شاه مسعود و غيره من عناصر المجاهدين السنّة. و کذلک برهان الدين رباني. و کما اعدمت طالبان الكثير من المعارضين في محاكمات صوريّة سريعة و أبادوا الكثير من المدنيين في حروبهم مع المعارضة الشمالية فقتلوا في مزار شريف وحدها ما يقرب من خمسة آلاف نفراً حين استولوا عليها، وقتلوا اعضاء القنصليّة الايرانيّة فيها. (31)
اثر احداث 11 سبتمبر 2001 م قامت اميرکا باحتلال افغانستان و اسقاط دولة طالبان بذريعة محاربة الارهاب و معاقبة بن لادن و اتباعه المتهمين بالاحداث، فتراجعت طالبان الى الكهوف و المغارات ليستمروا بعملهم العسکري ضدّ مناوئيهم بشکل عصابات، و استمر الوضع الي هذا الزّمان وقامت طالبان بقتل آلاف الابرياء الافغان بغية استلام السّلطة من جديد.

2. جماعة التوحيد و الجهاد

ان جماعة التوحيد والجهاد هي فرع القاعدة في ديار الرافدين، قام بتأسيسها ابومصعب الزرقاوي الأردني عام 2004 م. و المعروف أن القاعدة دخلت العراق بالتنسيق مع صدام حسين في سنواته الأخيرة خاصة بعد أحداث 11 سبتامبر 2001 م. وبدأت تتحرّك بنشاط ثقافي و اعلامي تحت عنوان السلفيّة، و کان من نشاطاتهام البارزة بناء مساجد کبيرة و تسميتها برموز السلفيّة کشيخ الاسلام ابن تيميّة و من و الاه.
و قد اسفرت تلك التعاملات عن اتحاد غير معلن بعد سقوط صدام مع فلول البعث في القيام بعمليّات عسكرية ارهابية كزرع العبوات الناسفة و تفجير السيارات المفخخّة في الشوارع و المساجد و الحسينيّات، وقتل الابرياء من الشيعة و السنة بحيث قدرت الضحايا خلال عشرة سنوات بعد سقوط الطاغية بمليون نسمة اكثرهم من الشيعة ورموزها وعلى رأسهم شهيد المحراب السيد محمد باقر الحکيم.
وكانت تلك العمليات الارهابية بتنسيق من الزرقاوي كممثل للقاعدة مع اسامه بن لادن و الظواهري كما يظهر من رسالته التي ارسلها اليهما. وقد وصف فيها التركيبة العراقيّة من الأكراد و الرافضة و اهل السنة باوصاف، منها بان الاکراد اعطوا صفقه ايديهم للامريکان و فتحوا ارضهم لليهود، ثم كال انواع الشتائم للشيعة وقذفهم بانواع التهم وأثار الاحقاد التاريخية بين اهل السنة و الجماعة و الشيعة، و حکم علي الشيعة بالشرک و الکفر و الارتداد عن لسان رموز السلفيّة کابن تيمية و احمد بن حنبل و ابن حزم و غيرهم.
و وصف اهل السنّة بالسذّاجة و الفرقة، وان مشايخهم صوفيّة على الاغلب، وانهم أفيون مخدّر و ان الاخوان منهم يمتهنون التجارة بدم الشهداء، و انّ عصاره الخير من اهل السنّة هم المجاهدون السلفيون.
ثم رکزّ علي ان العد و الاوّل هم الشيعة لا الامريکان! و ان الطريق هو اثاره الحرب بينهم و بين السنّه فقال؛ ان استهدافهم و ضر بهم في العمق السياسي و الديني و العسکري سيستفزّهم ليظهروا کلابهم علي اهل السّنّة و يکشّروا عن انياب الحقد الباطني، و اذانجحنا في جرهم الي ساحة العرب الطائفية امكننا ايقاظ السّنّة الغافلين حتى يشعروا بالخطر الدّاهم و الموت الماحق على أيدي هؤلاء الرافضة!
و لا شك ان مخططهم كان اشعال الحرب في جميع انحاء العراق باثارة النّعرات الطائفية، لكنّ مخططهم الاجرامي لم ينجح بالكامل نتيجة لوعي المرجعية الرشيدة حيث حرّمت الاقتتال الطائفي بين الشيعة و السّنة، وهذا ممّا أحبط مؤامرتهم. ولاشك في انّ هذه المؤامرة مؤامرة صهيونّية اميركيّة. حتى يحصل ارتياح لهم وامن واستقرار بسبب انشغال المسلمين بقتال بعضهم البعض، ولكن مع الأسف الشديد أصدر 38 من المفتين من رموز السلفيه من السعوديّة و باكستان آنذاک فتوي الجهاد لا ضدّ اميرکا و اسرائيل، بل ضد الشيعة و تکفيرهم و استباحة دمانهم بعد ما جرى في العراق من أحداث الزرقاوي وزمرته، و بعد الموقف التاريخى الذي قام به حزب الله لبنان في حرب الثلاثة والثلاثين يوماً ضد الصّهاينة. فيا ترى من المستفيد من تلك الفتاوى غير الاصهاينة والامريکان؟!
و ان الزرقاوي هو المنظّر لما يسمّي بالدّولة الاسلاميّة في العراق عام 2006 م، و بعد هلاکه و هلاک خليفته ابو عمر البغدادي عام 2010 م، تصدي ابوبکر البغدادي لهذه المهمة.

3. جبهة النصرة

انّ جبهة النّصرة بقيادة ابي محمد الجولاني هي امتداد للقاعدة في الشّام ظهرت في أحداث المعارضة في سوريا عام 2011 م.
و احداث سوريا حدثت اثر الصّحوة الاسلاميّة التي نشأت في عدّة بلدان عربيّة والتي اطاحت بعضض الانظمة الحاکمة هناک، مثل مصر و تونس و ليبيا و اليمن. و حيث انّ الحاکمين فيها کانوا علي الاغلب علماء الامريکان و مرتبطين بالنظام المحتل للقدس، و کادت رياح تلک الصحوة تهب على بلدان اخرى محسوبة على الغرب، تصدّى الغرب لاحتوائها، فحال دون ذلك من خلال المخطّط الامريكي الصهيوني الغربي العربي، وقام بتحريك العناصر المعارضة للنظام السّوري من اجل احتواء الصحوّة الاسلامية و تغيير مسارها. و ان انتخاب سورياکان من اجل موقعها الاستراتيجي و موقفها التاريخي في اسناد المقاومة الاسلامية في لبنان و فلسطين ضدّ الصهاينة و لارتباطها العميق بايران الاسلام.
وقد نجح ذلك المخطّط باشعال نيران الفتنة في سوريا. وكان التكفيريّون من جبهة النصرة و غيرهم في طليعة تلك الفتنة. وقام هؤلاء بجرائم بشعة من ذبح الابرياء وأكل أكبادهم الى تهديد المساجد و الحسينيّات، ومن هتك حرمة مراقد بعض صحابة الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) كحجر بن عدي الشهيد الى تفجير المساجد و منها المسجد الذي راح ضحيته العالم السنّى الشهير الشيخ رمضان سعيد البوطي مع تلامذته، و هذا کله ناشي عن عقيدة التکفير التي تتبناها جبهة النصرة و من والاها.
و کان و لايزال الدعم اللوجستي من السعوديّة و قطر و ترکيا مضافاً الي الدوّل الغربيّة و علي رأسها اميركا و اسرائيل هو الدّعامة الاصيلة لهذه الجماعة، و ان المستشفى الصّحراوي الذي كان يداوي جرحي هؤلاء التکفيريين و عيادة نتانياهو رئيس وزراء النظام المحتل للقدس لجرحاهم من الاشياء المشهورة لدى الجميع.

4. داعش

ان داعش هو اختصار لعبارة «الدولة الاسلامية في العراق و الشام»، قام بتأسيسها ابوبكر البغدادي الذي تربّي في مدرسة الزرقاوي، و اسمه ابراهيم عواد ابراهيم عبد المؤمن البدري المعروف بـ «ابي دعاء» المولود 1971 في سامراء، و کان اماماً لمسجد احمد بن حنبل في زمن صدام، ثم صار خطيباً لجامع الكبيسي في بغداد. ثم خطيباً في احد مساجد الفلوجة في العراق. و قد اعتقل من سنة 2004- الي 2006 في سجن الامريکان مع بعضي فلول البعث و التکفيرييّن، ثم اطلق سراحه بصورة مشبوهة و بلا دليل واضح. وبعد خروجه من السجن اسّس جيش اهل السنّة في الفلّوجة.
و انّه يدّعي الانتساب الي الحسن بن علي (عليه السلام) حتّي يبرّر تسنّمه لکرسي الخلافة، لان جمهور اهل السّنّة يشترطون القرشيّة في الخلافة، و الحال انه من عشيرة البوبدري الذين لم يدّع احدهم ذلک.
و قد ضمّ التنظيم الذي قام به البغدادي مضافاً الى المنتمين الى القاعدة من شتى البلدان العربيّة و الاسلاميّة و الغربيّة تنظيمات من البعثيين، و النقشبنديّة، و الجيش الاسلامى للعراق و انصار السنّة (الاكراد)، وكتائب ثورة العشرين «جماعة حارث الضّاري». وبعد وقوع احداث سوريّا حاول هذا التنظيم اكتساح السّاحه السوريّة، ولذلك وقعت معارك عنيفة بينهم وبين جبهة النصرة و جيش الشام من جانب آخر، و کان الفوز علي الاغلب لداعش، فتمکنوا من احتلال مناطق في الشام مثل الرّقّة والحسكة ودير الروز في شرق سوريّا. وبعد ان التحقت بهم مجموعات البتکفيريين من بلدان عربيّة و افريقيّة و اوروبيّة و قويت جبهتهم عسكرياً و ماليّاً، هجموا على العراق و احتلوا عدّة محافظات مثل الانبار و صلاح الدين و نينوي و تمکنّوا من السّيطرة علي الموصل، و بعد ذلك أعلنوا الخلافة الاسلامية للمدعو ابي بكر البغدادي، و حرّموا استعمال كلمة داعش لانهم حذفوا عنوان العراق والشّام وسمّوا انفسهم بالدولة الاسلاميّة. وقد قاموا بفجائع مؤلمة من قتل النفوس البريئة حتى الشيوخ والنّساء و الاطفال من الشيعة والسنّة والأكراد، كما قتلوا اثني عشر من علماء اهل السنة الذين امتنعوا من مبايعة خليفتهم، وكادوا يحتلّون بغداد و العتبات المقدسة لولا فتوى المرجعيّة الشيعيّة في العراق المتمثلة بسماحة آية الله العظمى السيد السيستاني، حيث هبّ الملايين من العراقيين سنّة وشيعة متطوّعين لخوض غمار الحرب. وقد تشكّلت تنظيمات تعبويّة باسم الحشد الشعبى بمساعدة قوات فيلق القدس، و هذا السدّ الاسلامي الثوري هو الذي وقف في وجه التکفيريين، فتحررت من براثنه مدن کثيرة و اصبحوا محاصرين من قبل قوّات الجيش العراقي والحشد الشعبي و يرجى القضاء عليهم في القريب العاجل ان شاء الله.

5. جماعة بوكوحرام

ان جماعة بوكوحرام من ذيول القاعدة في نيجيريا، قامت في الآونة الاخيرة باعمال عنيفه، و احتلت عدّة مناطق، و کشّرت عن انيابها حينما قامت بتفجير عبوات ناسفة في مسيره يوم القدس العالمي عام 2012 الّتي راح ضحيّتها العشرات من النفوس البريئة، و کان من بين الضحايا ولدان للشيخ ابراهيم زکزکي العالم الديني لاتباع اهل البيت (عليهم السلام) هناک، کما قاموا بتفجير حسينية في ليله عاشورا في هذا العام، وهذه الاعمال تدلّ على وحشيتهم من جانب، و انتمائهم الى الصهاينة من جانب آخر، و عدائهم لاهل البيت و نهضة الامام الحسين (عليه السلام) من جانب ثالث. و على ايّ حال فهذه الجرائم تنّم عن رؤيتهم التكفيريّة.

دور الغلو في تدشين التكفير

بعد أن عرفنا حقيقة التكفير و التيارات البارزة في تكفير اهل القبلة قديماً وحديثاً، آن لنا ان نتعرّف علي حقيقة الغلو و اقسامه و دوره في تدشين عمليّة التکفير و تمهيد الارضيّة او اعطاء الذّريعة لها.

حقيقة الغلو:

الغلوّ لغه مصدر على وزن فعُول مثل قَعَدَ قعوداً، ومعناه تجاوز الحدّ.
قال الرّاغب: الغلوّ تجاوز الحدّ، يقال ذلك إذا كان في السّعر غلاءً، و اذا كان في القدر و المنزلة غُلُوٌّ، وفي السّهم: غَلوٌ. وأفعالها جميعاً غلا». (32)
و الغلو كمصطلح ديني، هو الخروج عن حدّ الاعتدال و الوسطية في الاعتقادات و تقييم الشخصيات. و اكبر مصداق للغلوّ هو الاعتقاد بمنزلة شخص ارفع من منزلته الواقعيّة، سواء كان ذلك الشخص نبيا أو وصيّاً معصوماً أو صحابيّاً أو عالماً دينياً.

الغلوّ عند اهل الكتاب:

قد استعمل القرآن الكلمة في موضعين تنديداً باهل الكتاب الذين تجاوزوا الحدّ في منزلة انبيائهم واحبار هم.
قال سبحانه: «يا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيمَ رَسُولُ اللَّهِ». (33)
وقال تعالى: «قُلْ يا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ». (34)
و ما كان الغلو منحصراً في اعتقاد النصارى بان المسيح ابن الله، بل كان اليهود ايضاً يقولون بأن عزيزاً ابن الله.
قال سبحانه: «وَقَالَتِ الْيهُودُ عُزَيرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يؤْفَكُونَ». (35)
كما ان اليهود و النصارى اتخذوا احبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله وانزلوهم منزلة الرّب المشرّع اذ أعطوهم منزلة التّشريع و اتبّعوا ما کانوا يحلّونه او يحرّمونه بغير اذن من الله.
قال سبحانه: «اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يشْرِكُونَ». (36)
وقال تعالى: «قُلْ يا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَينَنَا وَبَينَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيئًا وَلَا يتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ». (37)

الغلوّ بين المسلمين

إنّ الغلوّ في تقييم الشخصيّات سرى من اهل الكتاب كسائر ما عندهم من هنات الى المسلمين. و يمكن تقسيم الغلو في الاوساط الاسلاميّة الى حقلين: ا- الحقل السنّي ب- الحقل الشيعي.

الغلوّ بين اهل السنّة

لعلّ السامع بمصطلح الغلو يعتقد بأن الغلو خاصّ بالشيعة، والحال ان الغلوّ في اهل السنّة له موقعه الخاص، و هذا الغلو هو الدّافع الأصلى لتكفير الاخرين. وذلك لأن الصحابة عند مذاهب اهل السنّة لهم الدّور الأوّل بعد رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) في ايصال الدين الى الأجيال الّلاحقة، ومن اجل ذلك اضفوا هالة من القداسه الخاصة على أجمعهم فوصفوهم بالعدالة بلا استثناء، مهما صدر من بعضهم من الموبقات ما يندى له جبين التّاريخ. وهذا في حدّ ذاته غلوّ في تقييمهم، فان الادلّة الّتى ذكروها لاثبات عدالة جميعهم لا تسلم عند التدقيق في ميزان النّقد والدّراسة. ولم يكتف البعض بهذا المقدار بالنسبة الى الذين تسنّموا كرسيّ الخلافة، بل اضافوا اليهم مقامات تجعلهم في مستوي الانبياء و الاولياء بسبب ما نشرت من اخبار موضوعه تحتوي علي فضائل منحوتة، ماکان حتى اصحابها المنسوبة اليهم يعلمون بها، و الّا لاستندوا اليها في السقيفة و ما بعدها، ولكن دبجّتها الايادي الاثيمة التي استأجرت في ملك بني اميّة لوضع الحديث في النصف الثاني من القرن الاوّل. و تلك المقامات المزعومة تفيد منزلة عظيمة للمنسوبين اليها، الامر الذي يفرض المتعرّض لهم بسوء خارجاً عن حوزة الاسلام و يحكم عليه باستباحة الدّم والمال كايّ مرتدّ آخر، و الحال ان الجمهور من اهل السنّة لم يحكم على سابّ الصحابة الّا بالتّعزير. قال ابوالقاسم محمد بن احمد بن جزي الکلبي الغَرناطي (693-741 هـ) في کتاب الحدود من کتابه {القوانين الفقهيّة}: «وأمّا من سبّ الله تعالى او النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) أو أحداً من الملائكة أو الانبياء فان كان مسلماً قتل اتفاقاً،... و ان کان کافراً فان کان سبّ بغير ما به کفر، فعليه القتل و الّا فلا قتل عليه... و امّا من سبّ أحداً من أصحاب النبى (صلي الله عليه و آله و سلم) أو أزواجه أو أهل بيته فلا يقتل عليه، ولكن يؤدب بالضرب الموجع ويکرّر ضربه ويطال سجنه». (38)
و هذا التّعزير هو الذي افتي به فقهاء الجمهور بالنسبة الي سابّ اي رجل کان.
قال الشيخ ابواسحاق ابراهيم بن محمد الشيرازي (476 م) في الحدود من کتابه المهذّب: «من أتى معصية لا حدّ فيها ولا كفّارة كمباشرة الاجنبيّة فيما دون الولوج و سرقته ما دون النصاب أو سرقة من غير حرز او القذف بغير الزنا او الجناية الّتي لا قصاص فيها و ما أشبه ذلك من المعاصي، يعزر علي حسب ما يراه السلطان، کما روي عبد الملک بن عمير قال: سئل عليّ- کرّم الله و جهه- عن قول الرّجل للرّجل: يا فاسق يا خبيث، قال: هنّ فواحش فيهنّ التعزير وليس فيهن حدّ». (39)
و ذکر مثل هذا ابن قُدامة (541-620) في الکافي في فقه ابن حنبل (40)، کما ذکره الفقيه السّنّي المعاصر الدکتور وهبة الزحيلي في الفقه الاسلامي و ادلّته (ج 7/5591).
وعليه فالسّاب لأحد من الصحابة بناءً على نظرية اهل السّنّة في تعديل جميعهم، لا يستحق الّا التّعزير و السّجن، وهو فيما ثبت بادلّة شرعيّة في المحكمة العادلة. ولكن اهل الغلوّ في الخلفاء خاصّة يوجبون استباحة دماء المتعاطي لذلك، او حتى الّذي يشكك في وجود المقامات المزعومه لهم فضلاً عن السّاب لهم.

نماذج من الغلق في بعض الصحابة عند اهل السنّة

من المناسب هنا أن نذكر حدثين تاريخيين يبيّنان موقف الغلو عند بعض المنسوبين الى اهل السّنّة.

النموذج الاوّل:

غلوّ بعض اهل اصفهان في معاوية و الخلفاء

قال شمس الدّين محمد بن أحمد بن آبي بکر المقدسي المتوفي 380 هـ في کتابه {احسن التقاسيم} في بحثه عن اقليم الجبال بما فيه الرّي و قم و اصفهان:
وفي أهل اصفهان بله وغلوّ في معاوية. و وصف لي رجل بالزّهد والتعبد فقصدته وتركت القافله خلفى و بتُّ عنده تلك الليلة، وجعلت أسأله الى أن قلت: ما قولک في الصّاحب (اي الصاحب بن عباد الشاعر و الوزير البويهي) فجعل يلعنه، ثم قال: انه أتانا بمذهب لا نعرفه. فقتل: وما هوَ؟ قال: يقول: معاوية لم يكن مرسلاً، قلت: و ما تقول أنت؟ قال: أقول كما قال الله عزوجل: «لاَ نُفَرِّق بَينَ أَحَدٍ مِّن رُسُلِهِ» (41) ابوبكر كان مرسلاً وعمر كان مرسلاً، حتّى ذكر الأربعة، ثم قال: و معاوية كان مرسلاً. قلت: لا تفعلا أمّا الأربعة، فكانوا خلفاء، و معاوية كان ملكاً، وقال النبي (صلي الله عليه و آله و سلم): «الخلافة، بعدي الى الثلاثين سنة، ثم تكون ملكاً» (42) فجعل يشنّع علي وأصبح يقول للناس: هذا رجل رافضّي. فلو لم تدرک القافلة لبطشوا بي و لهم في هذا الباب حکايات کثيرة. (43)
و لايخفى أن ما ذكره من غلوّ و انحراف لأهل اصفهان كان في القرن الرابع الهجري. لا القرون الأخيرة التي أصبحت فيها اصفهان معهداً من أكبر معاهد اهل البيت (عليهم السلام) والتشيع. والشاهد في القصّة، ان صاحب الغلو في الخلفاء يحسب من يشككّ في مقاماتهم المزعومة رفضا، والرفّض في المصطلح التّاريخي الذي وصفت الحکام به الشيعة، يعني الکفر و الخروج عن الدين، و هو يوجب سفک الدّماء و نهب الاموال و هتک الاعراض، و کان الشّيعي يحبّ أن يقال له زنديق بدلاً من ان يقال له رافضي ايام حکومة بني امية و بني العبّاس. و في هذا الزمان حينما يکفر السلفيون الشيعة بكونهم رافضة، انّما ينشأ من غلوّهم في مقامات الخلفاء لا غير.

النموذج الثاني:

أعمال الشغب و اثارة الفتن الّتى قام بها البربهاري السلفى بذريعة لعن معاوية و يزيد

قال ابن الأثير في احداث سنة احدى وعشرين وثلاثمائة في زمن القاهر بالله العباسي:
و فيها أمر عليّ بن بُليَق (الحاجب)، قبل قبضه وكاتبه الحسن بن هارون بلعن معاوية بن أبي سفيان و ابنه يزيد علي المنابر بغداد، فاضطرب العامّة، فأراد علي بن بليق آن يقباض علي البربهاري رئيس الحنابلة، و کان يثير الفتن هو و اصحابه، فعلم بذلك فَهَرب فأخذ جماعة من أعيان اصحابه وحبسوا و جُعلوا في زورق و أحدروا الي عمان. (44)
و البربهاري هو علي بن خلف المتوفي 329، زعيم الحنابله في زمانه أثار الفتن وراح ضحيتها النفوس البريئة بسبب ما شاهده من لعن لمعاوية و ابنه يزيد. فلو أنّ معاوية بسبب صحبته كانت له حرمة، فماهي حرمة يزيد الفاسق قاتل النفس الزکيّة و صاحب الدّواهي الکبري؟ و لکن الغلو في امثال تلك الشخصيات هو الدافع لامثال البربهارى لإراقه الدّماء وشنّ الحروب والفتن.

الغلو في الائمة (عليهم السلام) في أوساط الشيعة

انّ الغلوّ في اوساط الشيعة كظاهرة شاذّه جدّاً ليس حديثاً، بل هو قديم ترجع جذوره الى زمان امير المؤمنين (عليه السلام) وذلك أن الشيعة يعتقدون في ائمتهم حسب ما ثبت لهم من الكتاب والسنة أنهم عباد مکرمون مطهرون من الاخطاء و الذنوب و هم محدَّثون واوصياء معصومون منصوبون لامامة النّاس و ولاتهم من قبل الله سبحانه على لسان رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) وقد تظهر منهم كرامات و خوارق عادات بمقتضي ولايتهم التکوينية باذن الله.
و هذا الحدّ من الاعتقاد، بما أنه مستند الى حجج شرعية، لا ضير فيه ولا إشكال، وليس فيه اي شئ من الغلوّ، الّا أن بعض الجهله من المنسوبين الي الشيعة ما کانوا يدرکون مغزي تلک المقامات الولائية و المعنوية و اختلطت عندهم الموازين، فتجاوزوا تلك الحدود و قالوا في الائمة بمقالات أرفع من تلك المقامات و هو غلوّ في حقّهم، لان بعض أولئك الجهلة حسبوا ان الائمة- العياذ بالله- ارباب و آلهة من دون الله، و انّهم يتصرفون في عالم الكون استقلالاً و من دون اذن الله، ولا شكّ أن هذا كفر و شرك بالله العظيم و يخرج المعتقد به عن حوزة الاسلام بلا ترديد.
كما أن بعضهم اعتقدوا في الائمه بالتّفويض، اي انهم ليسوا بآلهة، لكن الله خلقهم وفوض امور الخلق و الإحياء والاماتة والرزق و ادارة جميع ما في الكون و الدنيا و الآخرة اليهم.
و هذا ايضاً غلوّ وباطل، وقد تبرّء منهم عامّة الشيعة، وعلى رأسهم علماؤهم تبعاً لنفس الائمة الأطهار (عليهم السلام) الذين واجهوا الغُلاة باشدّ ما يكون من المواجهة من الطّرد و اللّعن و التكفير و البراءة منهم و ما شاکل ذلک. و قد استفاضت بل تواترت الاحاديث عن الائمة (عليهم لسلام) في هذا المعني، و قد العلامة المجلسي 94 حديثاً في الباب 9 من كتاب إلامامة تحت عنوان «نفي الغلو في النبي و الائمة (عليهم السلام)» و اليکم نماذج من تلک الاحاديث:
1. نوادر الراوندي باسناده عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليه السلام) ، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) لا ترفعوني فوق حقّي فانّ الله تعالى اتخذني عبداً قبل أن يتخذني نبياً». (45)
2. ما رواه الطوسي في الامالي بسنده عن ابن نباتة قال: قال امير المؤمنين (عليه السلام): اللّهم انّي برئ من الغلاة کبراءة عيسي بن مريم من النصاري، اللهم اذلهم أبداً ولا تنصر منهم أحداً. (46)
3. ما رواه الصدوق في الخصال بسنده عن ابي عبدالله (عليه السلام) في قوله عزّ و جل: هل أنبّئكم على من تنزّل الشياطين تنزّل على كل أفاك أثيم.
قال: هم سبعة: المغيرة و بيان و صائد و حمزة بن عمارة البربري و الحارث الشامي و عبد الله بن الحارث وابو الخّطاب.(47)
ان مقصود الامام (عليه السلام) من ذكر هؤلاء السبعة المعروفين بالغلو، أهم من ابرز مصاديق الآية في ذلك الزمان، لا أن الآية نزلت فيهم کما هو معلوم.
4. و ما رواه الشيخ الصدوق في عيون اخبار الرضا (عليه السلام) بسنده عن أبي هاشم الجعفري قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الغلاة والمفوضة، فقال: الغلاة كفّار، والمفوضة مشركون، من جالسهم أو خالطهم أو واكلهم أو شاربهم أو واصلهم أو زوجّهم او تزوّج اليهم أو أمنهم أو ائتمنهم على أمانة او صدّق حديثهم أو أعانهم بشطر كلمة بشطر كلمة خرج من ولاية الله عزّوجلّ و ولاية الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) و ولايتنا اهل البيت (عليه السلام) ». (48)

مواقف أعلام الشّيعة من الغلوّ و الغلاة

بعد أن ذكرنا نماذج الاحاديث المروية عن الائمة (عليهم السلام) حول الغلوّ و الغلاة، من المناسب ان نكمل البحث بنقل مواقف من اعلام الشيعة حول المسألة.
1. «قال الشيخ محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المتوفي 381 هـ»
قال: «اعتقادنا في الغلاة و المفوضة أنّهم کفّار بالله جلّ اسمه و انّهم أشرّ من اليهود و النصارى والمجوس و القدريّة و الحروريّة، و من جميع اهل البدع و الأهواء المضلّة، وأنّه ما صغر الله تصغيرهم بشئ... و کان الرضا (عليه السلام) يقول في دعائه:
اللهم انّي أبرأ اليک من الحول و القوّة، فلا حول و لا قوة الّا بک. اللهم اني آبراً اليک من الّذين ادّعوا لنا ما ليس لنا بحقّ. اللهم إنّي ابرأ اليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله أنفسنا. اللهم لك الخلق و منک الرزق، و «اياک نعبد و إياک نستعين». اللهم أنت خالقنا و خالق أبائنا الأوّلين و آبائنا الآخرين. اللهم لا تليق الربوبيّة الا بك، ولا تصلح الالهيّة الّا لك، فالعن النّصارى الذين صغروا عظمتک، و العن المضاهئين لقولهم من بريتّک.
اللهم انّا عبيدک و ابناء عبيدک، لا نملک لانفسنا نفعاً ولا ضرراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً. اللهم من زعم أننا أرباب فنحن اليك منه براء، و من زعم أن الينا الخلق وعلينا الرزّق فنحن منه براء کبراءة عيسي (عليه السلام) من النصاري. اللهم انّا لم ندعهم الي ما يز عمون، فلا تؤاخذنا بما يقولون و اغفر لنا ما يدّعون. ولا تذر على الارض منهم دياراً «انّك ان تذرهم يضلّوا عبادك و لا يلدوا الّا فاجراً کفّاراً (49)» (50)
2. «الشيخ محمد بن محمد بن النعمان المفيد المتوفي 413»
قال: «الغلوّ في اللغة هو تجاوز الحدود و الخروج عن القصد، قال الله تعالي:
«يا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ» (51) الآية، فنهى عن تجاوز الحدّ في المسيح وحذّر من الخروج عن القصد في القول و جعل ما ادّعته النصارى غلوّاً لتعديّه الحدّ على ما بينّاه، و الغلاة من المتظاهرين بالاسلام هم الذين نسبوا امير المؤمنين (عليه السلام) و الائمة من ذريّته (عليه السلام) الى الالهيّة والنبوة و وصفوهم من الفضل في الدين و الدّنيا الى ما تجاوزوا فيه الحدّ و خرجوا عن القصد، و هم ضلّال كفّار، حكم فيهم امير المؤمنين صلوات الله عليه بالقتل والتحريق بالنّار، و قضت الائمة (عليهم السلام) عليهم بالإكفار و الخروج عن الاسلام. والمفوضّة صنف من الغلاة وقولهم الّذى فارلوا به من سواهم من الغلاة: اعترافهم بحدوث الائمة و خلقهم و نفي الالوهية عنهم و اضافة الخلق و الرزق مع ذلك اليهم ودعواهم ان الله تعالى تفرّد بخلقهم خاصّة وأنّه فوّض اليهم خلق العالم بما فيه و جميع الأفعال...». (52)

3. «شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي (385-460 هـ)

بعد أن ذكر الشيخ الطوسى في كتاب الغيبة، المذمومين الذين ادّعوا البابية -لعنهم الله- بعد غيبة الامام المهدى المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، و هم أبومحمد الشريعي وكان من اصحاب الهادي (عليه السلام) و العسکري (عليه السلام) ، و محمد بن نصير النّميري و کان من اصحاب الهادي (عليه السلام) و العسكري (عليه السلام) ، وابو طاهر محمد بن عليّ بن بلال، و الحسين بن منصور الحلاج، وابو جعفر بن ابي العزاقر المعروف بمحمد بن علي الشلمغاني، وهؤلاء قد صدر اللّعن فيهم من قبل الامام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف في ضمن توقيعات اعلنها نوّابه الاربعة، وان الشيعة تبرأت منهم و طردتهم عن مجتمعهم و كان عاقبتهم الخذلان و الذّل والقتل.
و هم قد ادعوا النيابة عن الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف كذباً وزوراً وارتطموا في القول بالغلوّ و الحلول و ما شاکلي ذلک من انحرافات، و قتل بعضهم علي ايدي الحکومة العباسيّة، بعد آن ذکر المذمومين و قصصهم تعرّض الي ذکر امر ابي بکر البغدادي بن أخي الشيخ ابي جعفر محمد بن عثمان العمريّ وأبي دُلَف المجنون، فقال:
أخبرني الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمّد بن النعمان، عن أبي الحسن عليّ بن بلال المُهَلَّبى قال: سمعت أبا القاسم جعفر بن محمد بن قُولُويه يقول: أمّا أبو دُلف الكاتب -لاحاطه الله- فكنّا نعرفه ملحداً ثم أظهر الغلق ثم جنّ و سلسل، ثم صار مفوّضا، و ما عرفناه قط إذا حضر في مشهد إلّا استخفَّ به، ثم صار الشيعة إلا مدّة يسيرة، والجماعة تتبرّء منه و ممّن يؤمى اليه وينمّس به.
و قد کنّا وجّهنا الي ابي بکر البغدادي لمّا ادّعي له هذا ما ادّعا فأنکر ذلک و حلف عليه فقبلنا منه، فلمّا دخل بغداد مال اليه وعدل عن الطائفة و أوصى اليه، لم نشك أنّه على مذهبه، فلعنّاه و برئنا منه، لأنّ عندنا أنّ كلّ من ادّعى الامر بعد السَّمُريّ فهو كافر منمّس ضال مضلّ، وبالله التوفيق. ثم قال: وقال ابونصر هبة الله بن أحمد الكاتب ابن بنت امّ كلثوم بنت أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (رضي الله): إنّ أبا دُلف محمد بن مظفّر الكاتب كان في ابتداء امره مخمّساً مشهوراً، بذلك لانه کان تربية الکرخّيين و تلميذهم و صنيعتهم، و کان الکرخيّون مخمسّة (53)، ولايشک في ذلک أحد من الشيعة، وقد كان ابودُلف يقول ذلك ويعترف به ويقول: نقلني سيدّنا الشيخ الصّالح -قدّس الله روحه و نوّر ضريحه -عن مذهب أبي جعفر الكرّخي الى المذهب الصحيح- يعني أبا بکر البغدادي...» (54)
الى هنا علمنا أنّ الغلوّ امر باطل و كفر و شرك بالله العظيم، وان جميع الشيعة الامامية بعلمائهم و عوامهم تبعاً لاتمتهم المعصومين بريئون بكل معنى البراءة عن الغلوّ و الغُلاة، لا يعتقدون بالائمة (عليهم السلام) الّا بانّهم عباد لله مكرمون و ما كان لهم من الامامة و العلم و العصمة و الولاية التكوينيّة فهي منح الهيّة ثبتت بادلّة قاطعة، و ليس فيها ايّ شي من الشذوذ والغلو. و عليه فهم مجانيون للتقصير في حقّ الائمة (عليهم السلام) ويحسبونه انحرافاً عن الكتاب والسنّة.

اتهام الشيعة بالغلوّ من قبل اعداء اهل البيت (عليهم السلام) بذريعة كلمات الغلاة المنسوبين اليهم

على الرغم من براءة الشيعة الامامية عن الغلوّ والغلاة، نرى من المؤسف أن بعض المخالفين لأهل البيت (عليهم السلام) يكيلون الاتّهامات لهم بالغلوّ و المغالاة، امّا سبب صدور هذا الاتهام من قبل الحکّام الاموّيين و العباسيّين و نظرائهم، فهو واضح لمن أمعن في التاريخ، فانّ الحکام لاجل الملاء علي مناوئيهم السيّاسيّين کانوا يحاولون الصاق التهّم بهم حتّي يبرّروا مواقفهم الاجراميّة من سفك دماء الشيعة و تهجيرهم ونهب اموالهم و تدمير بيوتهم.
و اما سبب اقتراف التهم من غير الحكّام كالقضاة و المفتين فهو بتأثير من السياسة السّائدة على المجتمع، ولعلّ ما يجدونه من غلوّ لبعض المنسوبين الى الشيعة، و هم الذين قد تبرّاً جمهور الشيعة منهم، هو المستمسك الوحيد لاصدار فتاوى التكفير بحقّ الشّيعة و سفك دمائهم والذّريعة التي يتذرّعون بها لاصدار تلک الاحکام القاسيّة من التکفير بحق کلّ الشيعة. و هؤلاء التکفيريون و أن لم يكونوا معذورين عند الله بسبب تلك الأحكام الجائرة، ولكن لا ننسى ان لكلمات الغُلاة و أحاديثهم المزيفّة في حق اهل البيت (عليهم السلام) كانت تشكّل الذّريعة القصوى للمفتين بتكفير الشيعة، فايدي الغلاة ملطخة بدماء الشيعة الابرياء عن ايّ غلوّ و كفر، لانّهم هم الممهّدون لاولئك الظّلمة.

دور الغلاة و المخالفين للوحدة الاسلامية

بعد أن عرفنا دور الغلّو من قبل بعض المنسوبين الى الشيعة قديماً في سفك دماء الشيعة، يلزم التركيز على ذلك الدّور الذي يلعبه بعض المنسوبين الى الشيعة في زماننا هذا.
انّ في بعض اوساط الشيعة يوجد بعض الجهلة ممّن يسمّى نفسه بالرّادود او المدّاح (55) لاهل البيت من يصف ائمة اهل البيت (عليهم السلام) او بعض ذريتهم بكلمات تفوح منها رائحة الغلو مثل نسبة الالوهيّة والربوبيّة الي الزهراء (عليها السلام) و الحسين (عليه السلام) و زينب بنت اميرالمؤمنين (عليه السلام) ، و الحال ان مراجع الشيعة بالصّراحة اعلنوا استنکارهم لهکذا مدّاحين و حتّي قال بعضهم بنجاسة من يتعاطي هذا الاسلوب من المدح.
كما أن بعض المنسوبين الى الشيعة لا يعتقدون بالوحده الاسلامية و يقومون بسباب رموز اهل السنة من خلال بعض الفضائيات و المنابر الاعلامية تحت عنوان اسبوع البراءة في مقابل اسبوع الوحدة، و هذا ممّا يوجب انزعاج الجمهور السنّى و إثارة عواطفه ضدّ الشيعة، و الحال ان مراجع الشيعة العظام من السيّد البروجردي الى السيد الامام الخميني (قدس سره) الى الامام الخامنئي وغيرهم من مراجع الشيعة الماضين و الاحياء ابدوا تأييد هم لفکره التقريب و الوحدة الاسلاميّة بل هم المؤسسون لهذه الفكره، و انّ الامام الخامنئي وغيره من المراجع افتوا بحرمة النّيل من مقدّسات اهل السنة وصرّحوا بأن من يتعاطى ذلك انّما يخدم مصالح الاستعمار من الصهاينة والأمريكان.
و لا شك في ان فتاوى التكفير ضدّ الشيعة الّتي اطلقها بعض رموز السلفيّة في عصرنا الحاضر و قام بتنفيذها المنظمات التكفيريّة كالقاعدة و ذيولها من داعش و النصرة وغيرهما فراح ضحيّة تلك الاعمال التكفيريّة مئات الالوف، ويخشى ان يذهب لذلك الملايين من النّفوس البريئة. كل هذا كان من ذرائعه الواضحة مدائح بعض الرّواديد و خطاب بعض الجهلة و تصريحات بعض الفضائيات العملية المعروفة بالتشيع اللّندني. وان ايدي هؤلاء ملّطخة بدماء الابرياء من الشيعة الّتي سفكت دمائهم ظلماً وجوراً، ولا نريد أن نبرّر الايدى الاثيمة من التكفيرييّن الذين يقومون بتلک الجرائم، لان هؤلاء غير معذورين و هم بدور هم يقومون بخدمة الاستکبار و الصّهاينة باشعال نيران الحروب فيما بين المسلمين و اخلاء الاجواء سالمة في صالح الصّهاينة المحتلّين للقدس الشّريف، ولكن نريد ان نركزّ على الدّور التمهيدي الذي يقوم به بعض الجهلة المنسوبين الى الشيعة باعطاء الذّريعة للتكفيريّين. كما لا شك بان جمهور الشيعة برئ من هذه التّصرفات العنجهيّة التي تقوم بها هذه الثلة المنحرفه المسماة باسم التشيّع الانجليزي.

فذلك الكلام في ان التكفير و الغلو وجهان لعملة واحدة

ان ما تمخّض من ابحاث حول التكفير والغلو في هذه الرساله، هو أن التّيارين منحرفان عن الجادّة الوسطى التي شرّعتها السّماء، أحدهما يسلك جانب الافراط وثانيهما التّفريط، فهما متعاکسان في بدو الامر الّا انّهما يعملان باتّجاه واحد و يساعد احد هما الآخر في نهايته، ويمکن آن يمثل لهما بَطَرَفي المِقصّ تحرّکهما يد واحدة و يقصّان شيئاً واحداً و ان کانا متعاکسين.
و الغلوّ عند بعض اهل السّنّة في مقامات الصّحابه و خاصّة الخلفاء منهم يصوّر المنتقدين لهم روافض و مبتدعة يستحقّون التكفير، كما أنه عند بعض المنسوبين الى الشيعة يعطي الذّريعة للتکفيريين في سفک دماء قاطبة الشيعة و نهب اموالهم و هتک اعراضهم، و انّه يضفي لباس الکفر و النفاق على جميع اهل السنّة و يصوّرهم ناصبّيين يستحقون الوقيعة بهم بكل ما اوتي الموقعون من قوّة و حيلة.
و هذا التّخبّط الفكري لدى الفريقين هو الذّي صنع المناخ قديماً وحديثاً للانتهازيّين والحكّام الظالمين لفرض السيطرة على عامة المسلمين، كما هو اليوم اصبح آلة طيّعة بيد المستعمرين الشراقّيين و الغربيّين لاحتلال ديار المسلمين واشغالهم بقتال بعضهم البعض حتّى تخلو سوح الجهاد من المجاهدين ضد الاعداء الالدّاء للاسلام و الامة الاسلاميّة!
و هناك طرق لاجتياز هذه الازمة التكفيريّة في عصرنا الحاضر، من أهمها ان يتقارب علماء الامّة و يتعارفوا على الخطر المحدق بهم، ويوحدّوا كلمتهم في تنبيه الامة و ايقاظها من سباتها العميل و دعوتها الى الوحدة و الوئام ونبذ الفرقة و الخصام والعمل بقوله سبحانه و تعالى «و اعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا».

المصادر :

1- المنجد.
2- البقرة: 143.
3- الانعام: 153.
4- محمد رشيد رضا، تفسيرالمنار، ج 8، ص 195؛ رازي، التفسير الکبير، ج 7، ص 85.
5- تفسير العياشي، ج 2، ص 127؛ نور الثقلين، ج 1، ص 778.
6- محمد باقر مجلسي، بحارالانوار، ج 77، ص 166.
7- ابن اثير، النهاية، ج 5، ص 183.
8- نهج البلاغة، الخطبة 16.
9- نهج البلاغة، الحکمة 70.
10- المصدر الخطبة 127.
11- نراقي، يراجع جامع السعادات، ج 1، ص 94-97.
12- نهج البلاغة، الحکمة 117.
13- فيروزآبادي، القاموس المحيط، ج 2، ص 181.
14- معج الصحاح، ص 917.
15- محمد باقر مجلسي، بحارالانوار، ج 2، ص 111.
16- جعفر السبحاني، العقيدة الاسلامية علي ضوي مدرسة اهل البيت (عليه السلام) ، ص 186.
17- الشيخ شوقي الحداد، الامام الحسين (عليه السلام) في روايات الشيخ الخصيبي، ص 12-13، من مقدمة الدکتور سهيل زکار.
18- النساء: 94.
19- الجامع لاحکام القرآن، ج 5، ص 336-337.
20- صحيح البخاري، کتاب الايمان، ص 10؛ صحيح مسلم، ج 7، باب فضائل علي 121.
21- کنزالعمال، الحديث 1074.
22- النهاية في غريب الحديث، ج 4، 158.
23- نهج البلاغة، الخطبة 59.
24- التوبة: 5.
25- التوبة: 123.
26- ابن اثير، راجع الکامل في التاريخ، ج 2، ص 117-118؛ اتحاف الوري باخبار ام القري، ج 2، ص 374-379.
27- الاسراء: 79.
28- ذهبي، سير اعلام النبلاء ، ص 15، 93، 9؛ دائرة المعارف اسلامي، ج 11، ص 669-671.
29- سيد محسن الامين، کشف الارتياب، ص 14 نقلاً عن تاريخ نجد.
30- يراجع للمعرفة التفّضيليّة على القاعدة وذيولها وسائر التيارات السلفيّة والتكفيريّة كتاب «الارهاب والعنف فى ضوء القرآن و السنّة و التاريخ والفقه المقارن» {المجلد الاول} للمؤلف، طبع دار الولاء بيروت (1431-2010م).
31- يراجع کتاب: امة الحركة الاسلامية المعاصرة من الحنابلة الى طالبان بقلم صالح الورداني ص 106-116- الارهاب و العنف المؤلف ج 1/178-182.
32- المفردات في غريب القرآن، ص 364.
33- النساء: 171.
34- المائدة: 77.
35- التوبة: 30.
36- التوبة: 31.
37- آل عمران: 64.
38- علي اصغر مرواريد، المصادر الفقهية، ج 38، الحدود ص 397.
39- نفس المصدر، الحدود ص 571.
40- المصدر، ص 679.
41- البقره: 285.
42- ذکره الزبيدي في اتحاف الادة المتقين ، ج 2، ص 210.
43- مقدسي، احسن التقاسيم في معرفة الاقاليم، ص 298.
44- ابن اثير، الکامل، ج 5، ص 154.
45- محمد باقر مجلسي، بحار الانوار، ج 25، ص 265، باب نفي الغلو في النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) و الائمة (عليهم السلام) ح 5.
46- المصدر، ص 266 الحديث 7.
47- المصدر، ص 27، ح 16.
48- المصدر، ص 273، الحديث 19.
49- نوح: 26.
50- شيخ الصدوقف کتاب الاعتقادات، ص 308-322.
51- النساء: 171.
52- تصحيح الاعتقاد، ص 63-66؛ محمد باقر مجلسي، بحارالانوار، ج 25، ص 344-336.
53- المخمّسة فرقة من الغلاة يقولون بألوهيّة أصحاب الخمسة: سلمان و اباذر والمقداد وعماراً و بن أميّة الضُّمري هم الموّکلون بمصالح العالم من قبل الرّب.
54- شيخ الطوسي، الغيبة، ص 279-281.
55- لايخفلى ان الاكثرية الساحقة لمدّاحى اهل البيت (عليهم السلام) مؤمنون شيعة شرفاء برينون من اىّ شائبة من الغلو والجهالة.


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

تشبيه لطيف من صديق حقيقي‏
خلق الأئمة ( ع ) وشيعتهم من علِّيِّين :
فضل شهر رمضان المبارك
الإقطاع في الإسلام
الخوارق و تأثير النفوس
حول قرآن علي (عليه السلام)
عاشوراء في وعْيِ الجمهور ووَعْيِ النُخبة
مواقف في کربلاء
مظاهر من شخصيّة الإمام الرضا (علیه السلام)
الاجتماع في الدعاء و التأمين على دعاء الغير

 
user comment