عربي
Wednesday 24th of April 2024
0
نفر 0

عمر على فراش الموت

عمر على فراش الموت


عمر على فراش الموت يتفكر بمستقبل امة محمد صلی الله عليه وآله وسلم ، ويقلب الامر على وجوهه المختلفة قال : لو ادركت ابا عبيدة باقياً استخلفته ووليته ، ولو ادركت معاذ بن جبل استخلفته ولو ادركت خالد بن الوليد لوليته ولو ادركت سالما مولى ابي حذيفة وليته ...
وسالم من الموالي ولا يعرف له نسب في العرب ، ومعاذ من الانصار ، ويوم السقيفة لم يكن جائزاً تولية الانصار ! وخالد من بني مخزوم ومن الطبقة العاشرة من طبقات الصحابة حيث هاجر في الفترة الواقعة بين صلح الحديبية وفتح مكة .
قال عمر لابن عباس اثناء خلافته : يا ابن عباس اتدري ما منع قومكم منكم بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال ابن عباس : فكرهت ان اجيبه ، فقلت : ان لم اكن ادري فان امير المؤمنين يدري ، فقال عمر : كرهوا ان يجمعوا لكم النبوة والخلافة ، فتبجحوا على قومكم بجحاً بجحاً ، فاختارت قريش لانفسها فأصابت ووفقت ، قال : فقلت : يا امير المؤمنين ان تأذن لي في الكلام وتحط عني الغضب تكلمت ، قال : تكلم .
قال ابن عباس فقلت : اما قولك يا امير المؤمنين ( اختارت لانفسها فأصابت ووفقت ) فلو ان قريشا اختارت لانفسها من حيث اختار الله لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود ، واما قولك ( انهم ابوا ان تكون لنا النبوة والخلافة ) فان الله عز وجل وصف قوماً بالكراهية فقال ( ذلك بأنهم كرهوا ما انزل الله فأحبط أعمالهم ) فقال عمر : هيهات يا ابن العباس قد كانت تبلغني عنك اشياء اكره ان اقرك عليها فتزيل منزلتك مني ، فقلت : يا اميرالمؤمنين فان كان حقاً فما ينبغي ان تزيل منزلتي منك ، وان كان باطلاً فمثلي اماط الباطل عن نفسه .
فقال عمر : بلغني انك تقول : صرفوها عنا حسداً وبغياً وظلماً ، قال ابن عباس : فقلت : اما قولك يا امير المؤمنين ظلماً فقد تبين للجاهل والحليم ، واما قولك حسدا فان آدم حسد ونحن ولده المحسودون . فقال عمر : هيهات هيهات ، ابت والله قلوبكم يا بني هاشم الا حسداً لا يزول . قال : فقلت يا امير المؤمنين مهلاً لا تصف بهذا قلوب قوم اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً (1) .
والواقعة التي يرويها المسعودي في كتابه مروج الذهب والتي جرت بين ابن عباس وبين الفاروق رضي الله عنهما ، تؤكد حدوث الانقلاب الفكري وانفلات التيار الغلاب الذي كان ساكناً في النفوس وملجوماً اثناء حياته صلى الله عليه وآله وسلم وقبل ان تتأس دولة الخلافة الراشدة . وسأورد النص الحرفي لهذه الواقعة .
النص الحرفي للقصة
ذكر عبد الله بن عباس ان عمر ارسل اليه فقال : يا ابن عباس ان عامل حمص قد هلك وكان من اهل الخير ، واهل الخير قليل ، وقد رجوت ان تكون منهم وفي نفسي منك شيء واعياني ذلك فما رأيك في العمل ؟ قال ابن عباس : لن اعمل حتى تخبرني بالذي في نفسك . قال عمر : وما تريد الى ذلك ؟ قال ابن عباس : اريده ، فان كان شيئاً اخاف منه على نفسي خشيت منه عليها الذي خشيت ، وان كنت بريئاً من مثله علمت اني لست من اهله ، فقبلت عملك هنالك ، فاني قلما رأيتك طلبت شيئا الا عالجته .
فقال : يا ابن عباس ، اني خشيت ان يأتي علي الذي هو آت ( يعني موت عمر ) وانت في عملك فتقول هلم الينا ، ولا هلم اليكم دون غيركم ، اني رأيت رسول الله استعمل الناس وترككم . قال : والله قد رأيت من ذلك فلم تره فعل ذلك ؟ قال عمر : والله ما ادري اضن بكم عن العمل فأهل ذلك انتم ، ام خشي ان تبايعوا بمنزلتكم منه فيقع العتاب ولا بد من عتاب ، وقد فرغت لك من ذلك فما رأيك ؟ قال ابن عباس : ارى الا اعمل لك . قال : ولم ؟ قلت : ان عملت لك وفي نفسك ما فيها لم ابرح قذى في عينك ، قال : فأشر علي . قلت : اني ارى ان تستعمل صحيحاً منك صحيحاً لك (2) .
من فرط حرصه على مصلحة المسلمين يريد حتى بعد موته ان يتأكد بأن الهاشميين لن يسلطوا على رقاب الناس ، ولن يحكموا امة محمد .
وبالاجمال تحولت هذه المقولة الى تيار غلاب افصح عن ذاته ، وفرض نفسه كقناعة عامة تؤمن بها السلطة وآمنت بها الاكثريه الساحقة على اعتبار ان هذه المقولة هي الوسيلة المثلى لمنع الاجحاف الهاشمي ، وانصاف البطون القريشية لتتداول الخلافة في ما بينها كرد على النبوة الهاشمية او كتعويض لها عن الاختصاص الهاشمي بالنبوة ، واخيراً على اعتبار ان هذه المقولة مظهر من مظاهر هداية قريش وتوفيقها ، على حد تعبير الفاروق .
وباستمالة ابي سفيان الى جانب السلطة ، وترك ما بيده من الصدقات التي جمعها وتولية ابنه يزيد قائداً على جيش الشام وتعيين ابنه الثاني معاوية قائداً من قواد يزيد ، ثم خلافته لاخيه يزيد كوال على الشام بعد وفاته ، كل هذا كون حلفاً حقيقياً بين السلطة وبين الطلقاء لهم قناعة سياسية مشتركة تقوم على عدم تمكين الهاشميين من ان يجمعوا مع النبوة الخلافة ، وبهذا التحالف قطع دابر المعارضة ، وحجمت وتم تكريس مبدأ عدم جواز جمع الهاشميين للنبوة والخلافة معاً .
وهكذا فقدت العترة الطاهرة حتى نصيبها من امتيازات الشرف التي كانت مخصصة لها بموجب الصيغة السياسية التي سادت مكة قبل الاسلام ، وعزلت تماماً وحجمت . انظر الى قول الفاروق مخاطباً العباس وبني هاشم ( اي والله واخرى إنا لم نأتكم حاجة منا اليكم ، ولكن كرهنا ان يكون الطعن منكم فيما اجتمع عليه العامة فيتفاقم الخطب بكم وبهم ) وبلغت الاستهانة بهم حداً انه حتى عبد الله بن الزبير هم بأن يحرق بيوت الهاشميين على من فيها لولا ان تدخل اهل الخير .
ومعنى ذلك ان اي قبيلة من القبائل التي حاصرت الهاشميين في شعاب ابي طالب ثلاث سنين وارسلت مندوبها للاشتراك بقتل النبي هي اسعد حظاً من الهاشميين ، والفرد منها اولى واحق برئاسة الدولة من اي هاشمي . فالرئاسة والولاية حلال لكل الناس وحرام على اي هاشمي من الناحية العملية ، كل ذلك من اجل عدم تمكين الهاشميين من الجمع بين النبوة والخلافة ، وهل جزاء الاحسان الا الاحسان ؟ .
التكييف الشرعي لمقولة لا ينبغي ان يجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة
هذه مقولة جاهلية من كل الوجوه ، وتتعارض معارضة تامة مع النصوص الشرعية ومع النظم السياسية المشتقة من العقائد الالهية . فداود النبي ، ورَثه ابنه سليمان فجمع كل واحد منهم النبوة والخلافة معاً ، واوتي الانبياء وذرياتهم الحكم والنبوة والكتاب ، ولم يعترض عليهم احد ، لان الفصل بيد الله ، والخلافة منصب ديني وبالدرجة الاولى دنيوي والخليفة قائم مقام النبي ، ومن مهام البيان والحكم وعملية البيان والحكم عملية فنية تماماً واختصاصاً .
ومن هو على علم بالتقاطيع الاساسية للنظام السياسي الاسلامي يتبين له بأقل جهد ممكن ، ان هذه المقولة نسفت نسفاً تاماً النظام السياسي الاسلامي كنظام الهي وفرغته تماماً من مضمونه وحولته من الناحية العملية الى نظام وضعي لا يختلف عن الانظمة الوضعية الا بالشكل ( سياسياً ) ، بل والاهم من ذلك ان رئاسة الدولة صارت غنيمة وطعمة يأكلها الغالب والغالب وحده ، وبعد ان يغلب يجلس على كرسي النبي ( او حصيرته ) ، ويلبس جبة الاسلام فاذا هو خليفة
فان غلب الطليق الذي قاتل الاسلام بكل فنون القتال حتى احيط به فأسلم رغبة او رهبة ، فانه يتأمر على المهاجر الذي قاتل مع الاسلام كل معاركه ، ويصبح ولي الله المخصص شرعاً لرئاسة الدولة الاسلامية بمجرد مواطن عادي من رعاياه ، يتكلم الجاهل ، ويسكت العالم ، يتقدم المحاصر ـ بالكسر ـ ويتأخر المحاصر ـ بالفتح ـ كل هذا من اجل انصاف القبائل الآخرى ومنع الهاشميين من ان يجمعوا مع النبوة الخلافة ، او بتعبير ادق من اجل العودة عملياً الى الصيغة السياسية التي كانت سائدة قبل الاسلام ، ولكن بثوبها الجديد .
فالصيغة السياسية الجاهلية كانت تقوم على اقتسام مناصب الشرف بحيث تأخذ كل قبيلة نصيبها من هذه المناصب ، وبتطبيق المقولة اصبحت القبائل تتداول رئاسة الدولة وبنفس الوقت تتشارك بالشرف والمناصب اثناء عملية التداول ، اما الاحكام الالهيه المتعلقة بالنظام السياسي الاسلامي فهي موضوع آخر ، فهي لا تستجيب للصيغة السياسية التي وجدت قبل الاسلام في مكة .
النتائج التي ترتبت على تكريس مبدأ عدم جواز جمع الهاشميين النبوة والخلافة
النتيجة الاولى :
زوال الفوارق نهائيا بين الذين قاتلوا الاسلام بكل فنون القتال حتى احيط بهم فأسلموا ، وبين اولئك الذين قاتلوا مع الاسلام كل معاركه حتى اعز الله دينه ونصر نبيه واقام دولة الايمان . فالكل مسلم لا فرق من الناحية السياسية بين هذا او ذاك ، فكلهم مسلم وكله في الجنة ، فالهاشمي الذي حاصرته قريش ثلاث سنين هو تماماً مثل اي شخص كان على الشرك واشترك بالحصار ، الم يسلم ذلك الشخص ؟ اليس الاسلام يجب ما قبله ؟ فلو ان حمزة سيد الشهداء رجع الى الدنيا فهو تماماً كوحشي من الناحية العملية السياسية ، فالقاتل كالمقتول تماماً ، والمهاجر كالطليق ، والجاهل كالعالم ، ولو غلب الجاهل لكان لزاماً على العالم ان يطيعه سياسياً ، وان يتبعه وينقاد اليه ، بل على العكس ، فلو كان هنالك هاشمي عالم كعلي بن ابي طالب ، وكان هنالك انصاري بدرجته او اقل علماً منه فالانصاري العالم مقدم على الهاشمي . انظر الى قول الفاروق رضي الله عنه بوجود علي بن ابي طالب وهو يقول : لو ادركت معاذ بن جبل لوليته ، ولو ادركت خالد بن الوليد لوليته .
خالد قاتل الاسلام في احد وفي اكثر من وقعة ، وعلي قاتل مع الاسلام في كل مواقعه ، ومع هذا فالاولى هو خالد . حتى ان الفاروق لو ادرك سالما مولى ابي حذيفة وهو من الموالي ولا يعرف له نسب في العرب لولاه الخلافة وامره على علي بن ابي طالب ، مع ان علياً هو مولى عمر ومولى ابي عبيدة ومولى كل مؤمن ومؤمنة باعتراف الفاروق واقراره .
النتيجة الثانية : زرع بذرة الخلاف ونموها
طالماً انه لا فرق بين المهاجر والطليق ، ولا بين القاتل والمقتول ، ولا بين المحاصر ـ بالفتح ـ والمحاصر ـ بالكسر ـ ومن حق كل واحد ان يفهم الاسلام وان يستقطب حول هذا الفهم ، فمعنى ذلك وجود مرجعيات متعددة ووجود مفاهيم متعددة وقناعات متعددة وكل فريق يزعم انه على الحق . ففريق يذهب الى الشمال واخر الى اليمين ، وثالث الى الشرق ورابع الى الغرب وخامس الى الشمال بزاوية كذا ... الخ .
ولا يوجد مرجع يعتبر كلامه حجة يقينية شرعية يقر بها الجميع . بهذا الجور زرعت بذرة الخلاف ونمت بأرض خصبة . فلو قال علي عليه السلام كلاماً وقال واحد من الطلقاء كلاماً آخر فالذي يزن القولين هو السامع ، لانه عملياً لا فرق بين علي واي طليق ، فكلاهما في الجنة وكلاهما مسلم فهم صحابة ، اي لا يقرون عملياً بأي ترجيح شرعي لقول علي ، فكيف يرجح بين المتساوين وكيف يفرق بين المتعادلين تماماً ؟ فهذه قطعة ذهبية تتساوى حجماً وشكلاً ومقداراً وقيمة مع قطعة اخرى فخذ ما شئت واياك والتمييز . فالوفاق الحاصل وفاق ظاهري وتحت هذا الظاهر ينمو الخلاف ويشب ثم يتحول الى سرطان عاجلاً ام آجلاً ، يمزق وحدة الامة ويخرجها من اطار الشرعية الى الغامض والمجهول .
النتيجة الثالثة ـ رئاسة الدولة حق للجميع الا لهاشمي
بمعنى انه لا شيء على الاطلاق يمنع اي مسلم من ان يتولى رئاسة الدولة الاسلامية شريطة ان يتمكن من الوصول اليها والاستحواذ عليها ، وانقياد الجميع له وتسليمهم له بالغلبة والسلطان ، شريطة ان لا يكون من بني هاشم لانهم اختصوا بالنبوة ، والنبوة تكفيهم .
هذا الحق حول الطمع برئاسة الدولة الى كابوس بغيض ، والى آلية مزعجة سلبت الامة قرارها واستقرارها ، وحولتها الى حقل تجارب لكل الطامعين بالرئاسة ، وعطلت نظامها السياسي الشرعي .
أما من أي قبيلة هذا الرئيس ؟ ما هو عمله ؟ ما هو دينه ؟ ما هي سابقته ؟ من الذين سيحكمهم ؟ تلك امور ثانوية لا قيمة لها من الناحية العملية ، ولا يعول عليها ، لان الغالب غالب والحصول على رضوان المغلوب فن قائم بذاته .
ما الذي يمنع يزيد بن معاوية وهو المشهور بعهره وفجوره من ان يكون رئيساً للدولة الاسلامية لانه ابن معاوية الرئيس ، ومن الذي يمنع الحسين بن علي بن ابي طالب سيد شباب اهل الجنة في الجنة بالنص وريحانة النبي من هذه الامة بالنص والامام الشرعي لهذه الامة بالنص ، فما الذي يمنعه من ان يكون احد رعايا يزيد ، وأحد الذين يتأمر عليهم ؟ فكلاهما مسلم وكلاهما في الجنة . يزيد القاتل المجرم في الجنة ، والحسين الامام المقتول في الجنة ، فكلاهما صحابي ! ومن ينقد هذا الرأي فهو زنديق لا يؤاكل ولا يشارب ولا يصلى عليه .
النتيجة الرابعة ـ اختلاط الاوراق
اختلط الحابل بالنابل والحق بالباطل والخير بالشر والعلقم بالشهد ، واصبح المتأخر كالمتقدم واللاحق كالسابق والمجاهد كالقاعد والقاتل كالمقتول والمحاصَر كالمحاصِر ، ومن وقف مع الاسلام تماما مثل من وقف ضده ، ومن قاتل الإسلام تماماً كمن قاتل معه . لقد دخل الجميع بدين الله وشاهد النبي او شاهدوه ، فكلهم صحابة وكلهم في الجنة !!
وضاع الصادقون وتفرقوا في الامصار واصبحوا ـ على حد تعبير معاوية ـ كالشعرة البيضاء في جلد ثور اسود ، وانهار النظام السياسي الاسلامي وتأخر المتقدمون وتقدم المتأخرون ، ولله عاقبة الامور .
المصادر :
1- الكامل في التاريخ لابن الاثير ج 3 ص 24 وراجع شرح النهج لعلامة المعتزلة ابن ابي الحديد ج 3 ص 107 اخرجه الامام احمد ابو الفضل بن ابي الطاهر في تاريخ بغداد راجع مجلد 2 ص 97 من شرح النهج .
2- الامامة والسياسة ص 15 .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ثورة الحسين (عليه السلام) ... أهدافها ودوافعها
متى و كيف توفي و الد النبي الأكرم (ص) عبد الله بن ...
واقع ﺍﻏﺘﻴﺎﻝ ﻋﺎﺋﺸﺔ
أي لو أخبر حذيفة بأسماء المنافقين الأحياء منهم ...
عبد المطلب بن هاشم جد النبي (ص) وكبير قريش
الهجوم على دار الزهراء عليها السلام وما ترتب ...
ينبغي إقامة ندوة عالمية حول "الغدير وتقريب ...
الإمام الخميني من الولادة حتى الهجرة إلى مدينة ...
واقعة الحَرّة
ما المراد بکلمة یتیهون فی الآیة المبارکة؟ و هل ...

 
user comment