عربي
Friday 19th of April 2024
0
نفر 0

القرآن يفسّره الزمان

يتّفق المصلحون من علماء الاُمّة في العصر الحديث على أنّ إيقاظ الاُمّة واستنهاضها لن يتحقّق من دون العودة إلى القرآن الكريم والتمسّك به ، ويشدّد هۆلاء العلماء على ضرورة وعي القرآن وعياً جديداً يتحرّر من ترسّبات التأويلات المتنوّعة التي حجبتْ النص القرآني ، وحالتْ بينه وبين إنارة وجدان المسلم .

وقد وجد هۆلاء المصلحون أنّ دعوتهم لإعادة النظر في تفسير القرآن ، والعمل على صياغة تفسير حديث يبرّرها ـ مضافاً إلى ما تقدّم ، من اصطباغ التفسير وتلوّنه بالأفق الذهني للمفسّر ـ أنّ الأُطر التقليدية للتفسير لا تتّسع لتحوّلات العصر ومستجدّاته واستفهاماته ، والقرآن كتاب لا يختصّ بزمان دون زمان ، ولا يُعنى بمشكلات قوم دون سواهم ؛ ( لأنّ الله تبارك وتعالى لم يجعله لزمان دون زمان ، ولا لناس دون ناس ، فهو في كلّ زمان جديد ، وعند كل قوم غض إلى يوم القيامة )(1) ، كما قال الإمام الرضا (عليه السّلام) .

كما أنّ المكاسب التي جناها العلم الحديث في اكتشاف عالم الطبيعة ، والتعرّف بصورة أدق على سنن النفس والمجتمع ، وتطوّر البحث في مجال علم اللغة والدلالة ، ستساهم في التعرّف على مداليل آيات القرآن بصورة أجلى وأدق ؛ لأنّ القرآن الكريم يهدف إلى البناء الأمثل للاجتماع البشري ، ولذلك يعالج في مساحة واسعة منه سنن هذا الاجتماع ، فيلتقي القرآن مع العلم في بلوغ النموذج السليم للاجتماع البشري(2) , مضافاً إلى أنّ معطيات العلم يمكن توظيف بعضها ، خاصة العلوم الإنسانية ، في استكناه شيء من مداليل النص القرآني .

وبتعبير آخر أنّ بموازاة كتاب الوحي القرآني هناك كتاب ثانٍ هو كتاب الطبيعة الذي يتضمّن ظواهر الوجود الكوني كافّة ، ( فالقرآن العظيم والكون البديع كلاهما يدلّ على الآخر ويرشد إليه ، ويقود إلى قواعده وسننه ، فالقرآن يقود إلى الكون ، والكون أيضاً يقود إلى القرآن )(3) ، وهذا يعني وجود تناغم واتّساق بين نواميس الطبيعة وسنن الاجتماع البشري من جهة , ومعطيات القرآن الكريم ومدلولاته من جهة أخرى ، وأنّ الأبعاد الغائبة والمداليل الخفيّة في كتاب الوحي ستتجلّى بالتدريج تبعاً لِمَا يتجلّى في كتاب الكون وما يزخر به من ظواهر ، ولعلّ في الحديث المنقول عن ابن عبّاس ( إنّ القرآن يفسّره الزمان )(4) ما يشي بهذه الحقيقة .

غير أنّ ذلك لا يتحقّق وِفق عملية دمج تبسيطية ، مثلما تفتعل ذلك بعض الكتابات التي تبالغ في توظيف معطيات العلم وفرضيّاته ، وتسعى لقراءة النص القرآني قراءة عاجلة ، تسرف في الافتراض والشطط ، وإنّما يتوقّف ذلك على اكتشاف ( العلاقة المنهجية بين الناظم المنهجي لآيات القرآن من ناحية ، وبين السنن والقوانين المبثوثة في الوجود من ناحية ثانية ، مع الناظم المنهجي الذي يربط بينهما )(5) .

 

المصادر:

(1) محمد باقر المجلسي . بحار الأنوار . ج92 : ص15 .

(2) الشهيد مرتضى المطهّري : التعرّف على القرآن : ترجمة : محمّد جواد المهري ، طهران : 1982م ، ص26 .

(3) د . طه جابر العلواني : الجمع بين القراءتين : قراءة الوحي وقراءة الكون ، القاهرة : المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، 1417ه ـ 1996م ، ص15 .

(4) ذكر هذا الحديث الشيخ جعفر السبحاني في كتابه : مفاهيم القرآن : ج1 ، ص19 . عن كتاب : النواة في حقل الحياة . لمفتي الموصل الشيخ العبيدين .

(5) د . طه العلواني : مصدر سابق : ص18 .

اعداد: سيد مرتضى محمدي

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

آيات ومعجزات خاصة بالمهدي المنتظر
اُسلوب التعامل مع المنافقين
شعر الإمام الحسين
معرفة الله تعالى أساس إنساني
لهفي عليك.. يا أبا عبدالله
القرآن و القواعد
التعامل مع القرآن بين الواقع والمفروض
علاج الامراض النفسیة بذکر الله
هدم قبور البقيع ..............القصة الكاملة
الحرب العالمية في عصر الظهور

 
user comment