عربي
Wednesday 24th of April 2024
0
نفر 0

مَـاهُـوَ الـتشـيُّع

مَـاهُـوَ الـتشـيُّع

لكي نتثبت من الحقائق ، ونرفض كل ما يشيعه المغرضون حول عقيدة الشيعة ، ونشوئها في الاسلام ، يلزمنا ـ في هذا الحال ـ الرجوع الى عهود بعيدة ، مضت عليها قرون متعاقبة .
ولكن ، حينما يتحد المضمون ، تتلاشى عنده كل المواقيت ، وكل مؤشرات القرب والبعد ، فهو لا يتغير ، ولا يتبدل ، ولا يخضع لأي ضوابط ، زمانية كانت أو غيرها .
المضمون بالنسبة لنا واحد ، ألا وهو « الاسلام » فهو في كياننا اليوم ، كما كان بالأمس ، وكما كان قبل قرون ، وكما يكون غداً ، لا يتغير ولا يتبدل .
والتشيع بالنسبة لنا ، هو من صميم ذلك المضمون . ليس طارئا ، وليس جديداً على الاسلام ، بل هو أصل من أصوله ، دعا اليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، كما دعا الى بقية أركان الدين .
فليس التشيع ، سوى حب أهل البيت عليهم السلام ، ومودتهم ، والتمسك بهم . ومولاة علي عليه السلام بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأخذ معالم الدين من معدنه .
قال تعالى : « قل لا أسألكم عليه أجراً إلاَّ المَودَّة في القُربى »
هذا هو التشيع ببساطة .
قال الأزهري : الشيعة ، هم الذين يهوون عترة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ويوالونهم (1)
وقد نشأ التشيع لعلي ( عليه السلام ) في عهد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي أوصى المسلمين في مواطن كثيرة ، بالتمسك بأهل البيت ( عليه السلام ) كما دعاهم الى ولاء علي ( عليه السلام ) ونصَّ على ذلك في حجة الوداع الاخيرة . حيث جاء في خطبته ( صلى الله عليه وآله وسلم) :
معاشر المسلمين ، ألست أولى بكم من أنفسكم ؟
قالوا : اللهم بلى .
قال : « من كنت مولاه ، فهذا علي مولاه ، اللهم والِ من والاه ، وعادِ من عاداه وانصر من نصره ، واخذل من خذله .» وقد روي هذا الحديث بطرق مختلفة ، وألفاظ متغايرة ، بمضمون واحد .
فقد رواه من الصحابة اكثر من مائة وعشرة صحابياً . ومن التابعين أربعة وثمانون تابعياً ، ورواه من العلماء ، ثلاثمائة وستون عالماً (2) عدا من ألَّف فيه .
وهذا الحديث هو المسمى بحديث الغدير ، نسبة لغدير خُمّ . وقد تمسك به الشيعة الإمامية كدليل هام في إثبات الخلافة لعلي عليه السلام بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، بالاضافة الى الأدلة الاخرى الكثيرة ، التي سنذكرها فيما بعد .
وعرف من الشيعة في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) جماعة ، منهم أبو ذر رضي الله عنه . .
قال أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني : « إن لفظ الشيعة على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) كان لقب أربعة من الصحابة ، سلمان الفارسي ، وأبي ذر الغفاري ، والمقداد بن الأسود الكندي وعمار بن ياسر (3) الى آخره .
من جهة أخرى ، فقد ورد لفظ الشيعة ( شيعة علي عليه السلام على لسان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في عدة مناسبات ) . وما علينا الآن إلا أن نعرض بعض الاحاديث النبوية الشريفة المتضمنة لذلك .
1 ـ عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : « كنا عند النبي ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) فأقبل علي بن أبي طالب ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) : قد أتاكم أخي !
قال جابر : ثم التفت رسول الله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) الى الكعبة ، فضربها بيده ، ثم قال : والذي نفسي بيده ، إن هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة . . ثم
قال : إنه أولكم إيماناً معي ، وأوفاكم بعهد الله تعالى ، وأقومكم بأمر الله ، وأعدلكم في الرعية ، وأقسمكم بالسوية ، واعظمكم عند الله مزِّية .
قال : ونزلت فيه « إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البريَّة » .
قال : وكان أصحاب محمد ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) أذا أقبل عليهم علي عليه السلام ، قالوا : قد جاء خير البرية » (4)
2 ـ أخرج الحافظ جمال الدين الذرندي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما . « ان هذه الآية لما نزلت ، قال ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) لعلي ( عليه السلام ) هم أنت وشيعتك ، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين . . . الخ (5) .
3 ـ أخرج أحمد في المناقب أنه ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) قال لعلي ( عليه السلام ) : أما ترضى أنك معي في الجنة والحسن والحسين ، وذريتنا خلف ظهورنا ، وأزواجنا خلف ذريتنا ، وشيعتنا عن ايماننا وشمائلنا .
4 ـ واخرج الديلمي : يا علي : ان الله عز وجل قد غفر لك ولذريتك ، ولولدك ، ولأهلك ولشيعتك ، ولمحبي شيعتك .
5 ـ وأخرج الطبراني عن علي ( عليه السلام ) قال : يا علي : ستقدم على الله وشيعتك راضين مرضيين ، ويقدم عليه أعداؤك غضابا مُقمَحين (6)
6 ـ وأخرج ابن مردويه ، عن علي عليه السلام قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ألم تسمع قول الله : « إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية » هم انت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض ، اذا جائت الامم للحساب ، تدعون غُرَّاً محجلين .
7 ـ وفي النهاية ( لإبن الاثر ـ مادة قمح ) : وفي حديث علي ( عليه السلام ) قال له النبي ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) : ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين ، ويقدم عليه عدوك غضاباً مقمحين . ثم جمع يده الى عنقه يريهم كيف الإقماح .
8 ـ عن ربيع الأبرار ، يروى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال : يا علي ، اذا كان يوم القيامة ، أخذتُ بحُجزة * الله تعالى ، وأخذت أنت بحُجزتي وأخذ ولدك بحجزتك ، وأخذ شيعة ولدك بحجزهم . فتُرى أين يؤمر بنا ؟ (7)
وأما الأحاديث الأخرى التي تدعو المسلمين الى التمسك بعلي ( عليه السلام ) وأهل البيت الطاهر فان استقصاءها وذكرها يحتاج الى وضع مجلد ضخم . لكننا نذكر بعضاً منها هنا ، لأجل التبرك بها من جهة ، ولاطلاع القارئ الكريم على مدى ما تحمل من أهمية ، من جهة أخرى .

1 ـ روى الجويني بسنده عن ابن عباس ( رضي الله عنه ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى وآله وسلم :

من سره أن يحيی حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن غرسها ربي ، فليوال علياً من بعدي ، وليقتدِ بالأئمة من بعدي ، فانهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهماً وعلماً ، ويل للمكذبين بفضلهم من أمتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي (8)

2 ـ وعن أنس بن مالك قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : يا أنس ، أسكب لي وضوءاً ( قال : ) ثم قام فصلى ركعتين ثم قال : يا أنس ، أول من يدخل عليك من هذا الباب ، أمير المؤمنين ( وسيد المسلمين ) وقائد الغر المحجلين ، وخاتم الوصيين .
قال أنس : قلت : اللهم اجعله رجلا من الانصار ـ وكتمته ـ اذ جاء علي صلوات الله عليه ، فقال : من هذا يا أنس ؟ فقلت : علي . فقام ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) مستبشراً ، فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه ، ويمسح عرق وجه علي بوجهه .
فقال علي عليه السلام : يا رسول الله ، لقد رأيتك صنعت شيئا ، ما صنعت بي من قبل ؟
قال ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) : وما يمنعني ، وأنت تؤدي عني ، وتسمعهم صوتي ، وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي .

3 ـ وعن ابي ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :

أنا خاتم الأنبياء ، وأنت يا علي خاتم الأوصياء الى يوم الدين .
ولفظ أبي ذر : أنا خاتم النبيين ، كذلك علي خاتم الأوصياء الى يوم الدين .

4 ـ وعن جابر بن عبد الله ( الأنصاري ) قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعلي عليه السلام : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي . ( هذا الحديث رواه الجويني بعدة طرق ، وهو حديث مشهور وهو المسمى بحديث ( المنزلة ) . ورواه مسلم في صحيحه عن سعد بن ابي وقاص عن أبيه ) (9)

5 ـ وجاء في حديث طويل ، عن أبي أيوب الأنصاري :

يا عمار ، إن علياً لا يردك عن هدى ، ولا يدلك على ردى .
يا عمار ، طاعة علي طاعتي ، وطاعتي طاعة الله عز وجل !.

6 ـ وعن ابن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : علي بن أبي طالب حلقة معلقة بباب الجنة ، من تعلق بها دخل الجنة .

7 ـ وعن انس بن مالك ، قال :

إن سائلا أتى المسجد وهو يقول : من يقرض المليّ الوفي ؟ وعلي ـ عليه السلام ـ راكع يشير بيده خلفه للسائل خذه ، أي اخلع الخاتم من يدي . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : يا عمر ، وجبت . قال : بأبي انت وأمي يا رسول الله ، ما وجبت ؟ قال وجبت له الجنة . والله ما خلعه من يده ، حتى خلعه من كل ذنب وخطيئة (10)

8 ـ وعن ابن عباس رضي الله عنه ، قال :

أقبل عبد الله بن سلاّم ، ومعه نفر من قومه ، ممن قد آمنوا بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا : يا رسول الله ، إن منازلنا بعيدة ، وليس لنا مجلس ، ولا متحدث دون هذا المجلس ، وان قومنا لما رأونا آمنا بالله ورسوله ، وصدقناه ، رفضونا ، وآلوا على أنفسهم أن لا يجالسونا ، ولا يناكحونا ( أي لا يتزوجون منا ولا نتزوج منهم ) ولا يكلمونا ، فشق ذلك علينا .
فقال لهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : « إنما وليُّكم الله ورَسُولُهُ والذين آمنوا الذين يُقيمونَ الصلاة ، ويؤتُونَ الزكاةَ وهُمْ راكِعُون » ( 55 ـ المائدة) .
ثم إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج الى المسجد ، والناس بين قائم وراكع ، وبصر بسائل .
فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : هل أعطاك أحد شيئاً ؟
قال : نعم ، خاتم من ذهب * .
فقال النبي ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) : من أعطاكه ؟
قال : ذلك القائم ـ وأومأ بيده الى علي بن أبي طالب ـ .
فقال النبي ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) : على أي حال أعطاك ؟
قال : أعطاني وهو راكع ! .
فكبَّر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ثم قرأ : « وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ » ( 11)
فأنشأ حسان بن ثابت يقول :
أبا حسن تفـديـك نفسـي ومهجتـي * وكل بطيـئ فـي الهـوى ومسـارع
أيـذهب مدحي والمحبيـن ضـائعـاً * ومـا المـدح في جنب الإله بضائـع
فأنت الذي اعطيت اذ كنـت راكعـاً * فدتـك نفوس القـوم يـا خير راكـع
فانزل فـيـك اللَّـه خـيـر ولايـة * وبينهـا فـي محكمـات الـشـرائـع (12)
وقصة التصدّق بالخاتم ـ هذه ـ من أشهر المشهورات ، وقد رواها الجويني بعدة طرق ، وبأسانيد مختلفة ، كما رواها غيره من أرباب الحديث .
ونكتفي هنا بهذا العرض لبعض الروايات في هذا المضمون ، والتي هي نزر قليل من الكثير الكثير ، اذ لو أردنا استقصاء وذكر الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في فضل أمير المؤمنين علي عليه السلام ، والمشتملة على النص بالولاية منه ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) له ( عليه السلام ) من بعده ، وعلى إلزام المسلمين بالأخذ عن أهل البيت ( عليهم السلام ) معالم دينهم لألزمنا ذلك بافراد كتاب مستقل ، ولأخرجنا عن الموضوع .
ومجمل القول :
فان الشيعة يعتقدون بأن الإمامة ، لا تكون إلا بالنص من الله تعالى ، على لسان النبي ، أو على لسان الإمام الذي قبله ، وأن الإمام لا بد وأن يكون معصوماً من جميع الرذائل ، ومن السهو والخطأ والنسيان ، كما لا بد وأن يكون أفضل الناس بعد النبي ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) .
ولا يهمنا من بحث الإمامة هنا « اثبات انهم هم الخلفاء الشرعيون ، وأهل السلطة الإلهية ، فان ذلك أمر مضى في ذمة التاريخ ، وليس في اثباته ما يعيد دورة الزمن من جديد أو يعيد الحقوق المسلوبة الى أهلها ، وانما يهمنا منه ، ما ذكرنا من لزوم الرجوع اليهم في الأخذ بأحكام الله الشرعية ، وتحصيل ما جاء به الرسول الأكرم على الوجه الصحيح الذي جاء به ، وان في أخذ الأحكام من الرواة والمجتهدين الذين لا يستقون من نمير مائهم ، ولا يستضيئون بنورهم ، ابتعاداً عن محجة الصواب في الدين » (13)
أبـو ذَرّ وَالـتّـشيُّـع
من هذا المنطلق الواضح ، يمكننا القول بأن التشيع ليس مذهبا طارئا على الاسلام ، أو فكرة دخيلة عليه ، بل هو من صميم الاسلام ، وأصل من أصوله . نشأ في عهد النبي الأعظم ، وبايعاز منه صلوات الله عليه . فهو الذي بذر هذه البذرة المباركة وتعاهدها بنفسه .
والمهم لدينا الآن ، هو الوصول الى ما نريده من هذه الحقيقة ، الهامة ، وهو التحدث عن تشيع أبي ذر الصحابي العظيم ( رضی الله عنه ) . وغيره من الصحابة . . وما علينا في هذا الحال إلا أن نسرد بعض النصوص التأريخية المتضمنة لذلك .
قال أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني :
إن لفظ الشيعة على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) كان لقب أربعة من الصحابة . . سلمان الفارسي ، وأبي ذر الغفاري ، والمقداد بن الأسود الكندي ، وعمار بن ياسر (14)
وقال الشيخ المفيد رحمه الله ، في بيان إمامة أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) .
فاختلفت الأمة في إمامته يوم وفاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،
فقالت شيعته ، وهم : بنو هاشم كافة ، وسلمان ، وعمار ، وأبو ذر (15) . . الخ .
وقال اليعقوبي ، حول الموضوع ذاته :
وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار ، ومالوا مع علي بن أبي طالب . منهم : العباس بن عبد المطلب ، الى أن قال : وأبو ذر الغفاري ، وعمار بن ياسر (16) . . الخ ما ذكره .
وقال الكشي عنه : وهو الهاتف بفضائل أمير المؤمنين عليه السلام ، ووصي رسول الله واستخلافه إياه (17)
وجاء في سيرة الأئمة الإثني عشر ، حول الموضوع ذاته :
« واحتج عليهم سلمان الفارسي ، وأبو ذر ، وعمار ، والمقداد ، وغيرهم من وجوه الصحابة (18)
وجاء في كتاب أصل الشيعة وأصولها ، في ذكر طبقات الشيعة :
الطبقة الأولى : وهم أعيان الصحابة ، وأبرارهم ، كسلمان المحمدي ـ أو الفارسي ـ وأبي ذر ، والمقداد وعمار ، وخزيمة ذي الشهادتين ، وابن التيهان ، وحذيفة بن اليمان ، والزبير ، والفضل بن العباس ، وأخيه الحبر عبد الله ، وهاشم بن عتبة المرقال ، وابي ايوب الأنصاري ، وأبان وأخيه خالد ـ ابني سعيد العاص ، الأمويين ـ وأبي بن كعب سيد القراء . وانس بن الحرث بن نبيه ، الذي سمع النبي ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) يقول : أن ابني الحسين ( عليه السلام ) يقتل في أرض يقال لها : كربلاء فمن شهد ذلك منكم ، فلينصره . فخرج أنس ، وقتل مع الحسين عليه السلام ( راجع الإصابة والاستيعاب ) .
ثم قال الشيخ رحمه الله تعالى : ولو أردت أن أعد عليك الشيعة من الصحابة ، واثبات تشيعهم من كتب السنة ، لأحوجني ذلك الى إفراد كتاب ضخم (19)
الى غير ذلك من النصوص والأخبار ، التي تصرح بتشيع أبي ذر ( رضي الله عنه ) وغيره من الصحابة لعلي ( عليه السلام ) وآل البيت الطاهر تشيعاً ليس عاطفياً يقتصر على حبهم فحسب ، بل تشيعاً مبدئياً ، ينادي بأحقية علي عليه السلام في الخلافة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) بلا فصل . استناداً الى ما سمعه هو ، وبقية الصحابة منه ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) في ذلك ، كحديث الغدير المتقدم وأمثاله .
فقد كان أبو ذر رضي الله عنه ، ممن ثبت على هذا المبدأ ، فنافح عنه ، ودافع على أكثر من جبهة ، وفي عدة مواطن ، ودعا المسلمين اليه بكل جرأة وصراحة ، حتى آخر لحظة من حياته . ففي مكة ، كان لسانه يلهج بذلك ، وفي المدينة ، كما في الشام ، وحتى في منفاه الأخير في الربذة ، لم يتوان ، ولم يتلكأ في تأدية الأمانة .
وفي مكة المكرمة ، وحول البيت العتيق ، مهوى قلوب الملايين من المسلمين ومركز تجمعهم في كل عام ، كان أبو ذر يغتنم الفرصة ، فيدعو المسلمين ، ليحدثهم بما سمع عن رسول الله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) في حق أهل البيت بصورة عامة ، وعلي عليه السلام بصورة خاصة .
فمن ذلك ، ما رواه الجويني بسنده ، عن عباية بن ربعي ، قال : بينما عبد الله بن عباس ، جالس على شفير زمزم ( يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) ، اذ أقبل رجل متعمم بعمامة . ) فجعل ابن عباس لا يقول ، قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، إلا قال الرجل : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
فقال ابن عباس : سألتك بالله ، من أنت ؟
قال : فكشف العمامة عن وجهه ، وقال : يا أيها الناس من عرفني ، فقد عرفني ، ومن لم يعرفني ، فأنا جندب ابن جنادة البدري ، أبو ذر الغفاري ، سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهاتين ، وإلا فصمَّتا ، ورأيته بهاتين ، وإلا فعميتا .
يقول : علي قائد البررة ، وقاتل الكفرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله .
أما اني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوماً من الأيام صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد ، فلم يعطه أحد ، فرفع السائل يده الى السماء وقال : ( اللهم ) إشهد اني سألت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلم يعطني أحد شيئا ، وعلي عليه السلام كان راكعا ، فأومأ بخنصره اليمنى ـ وكان يتختم فيها ـ فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره ، وذلك بعين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من صلاته ، رفع رأسه الى السماء ، وقال :
اللهم إن أخي موسى سألك فقال : « رَبِّ اشرح لي صدري ويسِّر لي أمري وأحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعَل لي وزيراً من أهلي هارون أخي أشدد به ازري وأشرِكه في أمري » (20) ، فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً
« سَنَـشُدُّ عَضُـدَك بأخيك ونَجعل لكما سُلطاناً فلا يَصِلونَ اليكما » (21) اللهم ، وأنا محمد نبيك وصفيك ، اللهم اشرح لي صدري ، ويسر لي أمري ، واجعل لي وزيراً من أهلي ، علياً أخي ، أشدد به ظهري (وفي شواهد التنزيل : اشدد به أزري .)
قال أبو ذر : فوالله ، ما استتم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الكلمة ، حتى نزل عليه جبرئيل من عند الله ، فقال :
يا محمد إقرأ « إنما ولِـيُّـكُم الله ورَسولُه والذين آمنوا الذِين يُقيمون الصَلاةَ ويُؤتونَ ألأزَكاة وهم راكِعُون » (22)
وروى الجويني أيضا بسنده الى الحافظ ابي بكر ، بسنده عن كديرة الهجري .
قال : إن أبا ذر أسند ظهره الى الكعبة ، فقال :
أيها الناس ، هلموا أحدثكم عن نبيكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم . سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) يقول لعلي ثلاثاً . لئن يكون قال لي واحدة منهن ، أحب الي من الدنيا وما فيها .
سمعت رسول الله يقول لعلي ( عليه السلام ) : اللهم أعنه واستعن به ، اللهم انصره وانتصر به ، فانه عبدك وأخو رسولك (23)
وفي المستدرك ، عن حنش الكناني ، أنه قال :
سمعت أبا ذر يقول ـ وهو آخذ بباب الكعبة ـ : أيها الناس ، من عرفني ، فأنا من عرفتم ، ومن أنكرني ، فأنا أبو ذر ، سمعت رسول الله يقول :
ألا إن مثل أهل بيتي فيكم ، مثل سفينة نوح من قومه ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق (24)
وفي المدينة ، عاصمة العالم الاسلامي ، ومقر الخلافة ، كان رضي الله عنه يقوم بنفس الدور ، على الرغم من المراقبة الشديدة المفروضة من قبل الأمويين ودعاتهم في ذلك الوقت .
قال اليعقوبي في تأريخه :
«وبلغ عثمان أن أبا ذر ، يقعد في مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) ويجتمع اليه الناس ، فيحدث بما فيه الطعن عليه ، وأنه وقف بباب المسجد ، فقال :
أيها الناس ، من عرفني ، فقد عرفني ، ومن لم يعرفني ، فأنا أبو ذر الغفاري ، جندب بن جنادة الربذي : إن الله إصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم ، وآل عمران على العالمين . ذرية بعضها من بعض ، والله سميع عليم . محمد الصفوة من نوح ، فالأول من إبراهيم ، والسلالة من إسماعيل ، والعترة الهادية من محمد . إنه شرف شريفهم واستحقوا الفضل في قوم ( قومهم ) هم فينا كالسماء المرفوعة ، وكالكعبة المستورة ، أو كالقبلة المنصوبة ، أو كالشمس الضاحية ، أو كالقمر الساري ، أو كالنجوم الهادية ( أو كالشجرة الزيتونة ) أضاء زيتها ، وبورك زبدها . ومحمد وارث علم آدم ، وما فضل به النبيون ، وعلي بن أبي طالب وصي محمد ووارث علمه .
أيتها الأمة المتحيرة ، أما لو قدمتم من قدَّم الله ، وأخرتم من أخَّر الله وأقررتم الوالية والوراثة في أهل بيت نبيكم ، لأكلتم من فوق رؤوسكم ، ومن تحت أقدامكم ، ولما عال ولي الله ، ولا طاش سهم من فرائض الله ، ولا اختلف إثنان في حكم الله ، إلا وجدتم علم ذلك عندهم ، من كتاب الله وسنة نبيِّه ، فأما اذا فعلتم ما فعلتم ، فذوقوا وبال أمركم ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
وفي الشام ، كان أبو ذر يسلك نفس المسلك مع من يجتمع اليه من الناس ويحدثهم بمثل ذلك .
قال اليعقوبي : وكان يجلس في المسجد ـ يعني في الشام ـ فيقول كما كان يقول ( في المدينة ) ويجتمع اليه الناس ، حتى كثر من يجتمع اليه ، ويسمع منه (25)
وحتى في الربذة ، منفاه الموحش المقفر ، لم تصرفه آلامه وهمومه ، ولا ما هو فيه من الاغتراب عن مواطن الايمان والجهاد ، والأصحاب الأخلاء . لم يصرفه ذلك ولم يشغله عن اكمال مسيرته التي بدأت خطاها في عهد النبي ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) فظل متمسكا بمبدأه هذا ، منادياً به حين تمكنه الفرصة من ذلك ، فرصة اللقاء بمن يستمع اليه ، ويأخذ منه .
في شرح النهج ، عن أبي رافع ، قال :
أتيت أبا ذر بالربذة ، أودعه . فلما أردت الانصراف ، قال لي ، ولأناس معي : ستكون فتنة ، فاتقوا الله ، وعليكم بالشيخ : علي بن أبي طالب ، فاتبعوه .
والحق أن موقف أبي ذر من مبدأ التشيع ، كان موقفاً مثالياً يجسم لنا كل معاني الثبات والصمود ، فما كان لتلين له عريكة فيه ، ولا لتميل له قناة ، لقد كان صلباً قوياً ، متفانياً في سبيل ذلك . وكأنه في موقفه هذا ، يفسر لنا بيعته لرسول الله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) .
أن لا تأخذه في الله لومة لائم ، وأن يقول الحق ولو كان مرا .!
عن معاوية بن ثعلبة الليثي قال :
مرض أبو ذر ، فأوصى الى علي ( عليه السلام ) .
فقال بعض من يعوده : لو أوصيت الى أمير المؤمنين عثمان ، كان أجمل لوصيتك من علي .
قال : والله لقد أوصيت الى أمير المؤمنين ، حق أمير المؤمنين ! والله أنه للربيع الذي يسكن اليه ، ولو قد فارقكم . لقد انكرتم الناس وانكرتم الأرض .
قال : قلت : يا أبا ذر ، انا لنعلم أن أحبهم الى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحبهم اليك !
قال : أجل !
قلنا : فأيهم أحب اليك ؟
قال : هذا الشيخ المظلوم ، المضطهد حقه ! يعني علي بن أبي طالب . (26 )
المصادر:
1- متن اللغة 3 / مادة شيع
2- الغدير ج 1 من ص 8 الى ص 151
3- الشيعة وفنون الاسلام ص 31
4- فرائد السمطين 1 / 156
5- الصواعق المحرقة / 159
6- حق اليقين 1 / 171 و 205
7- أصل الشيعة وأصولها 110 / 111
8- فرائد السمطين / للجويني بسنده / 53
9- فضائل الصحابة / 4 ـ 1870
10- فرائد السمطين 1 / 145 و 147 و 123 و 178 و 180 و 188
11- المائدة :56
12- فرائد السمطين 1 / 189 / 190 . ومن أحب الاستزادة في فضائل الامام ، فليراجع صحيح مسلم م 4 ص 1870 وفضائل الخمسة من الصحاح السنة وغيرها
13- عقائد الشيعة الامامية / 99
14- الشيعة وفنون الاسلام / 31
15- الارشاد / 10
16- تاريخ اليعقوبي 2 / 124
17- معجم رجال الحديث 4 / 168
18- سيرة الأئمة 1 / 295
19- أصل الشيعة وأصولها / 86
20- مقتبس من آية 25 ـ 32 / طه
21- من آية 34 / القصص
22- فرائد السمطين 1 / 191 / 192
23- نفس المصدر ص 68
24- المستدرك / 3 / 150 ـ 151
25- تأريخ اليعقوبي 2 / 172
26- أعيان الشيعة 16 / 332

source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ما أوحي إلى آدم ع
السخرية.. بواعثها وآثارها
الصراع على السلطة بين الأصهب والأبقع
معنى النفاق لغةً واصطلاحاً
حادثة غريبه لعبيد الله ابن زياد
وهذا الحديث يدل أيضاً على وجوب الحج قبل سنة عشر
ماهية الصلاة البتراء والأحاديث الناهية عنها عند ...
أهداف نهضة عاشوراء
الاسرة تحت اوار الحرب المرأة العراقية والمحنة ...
حرف السين المهملة

 
user comment