عربي
Friday 29th of March 2024
0
نفر 0

التربیة الفاعلة للابناء

التربیة الفاعلة للابناء
إن السنوات السبع الثانیة، أی من عمر سبع سنین إلى سن الأربعة عشر عاماً، هی سنوات اکتساب الصفات والمواهب والتحصیل العلمی للولد، ففی هذا العمر تتوسع القدرات العقلیة للولد ویتلقى العلوم الأساسیة، والمسلکیات الاجتماعیة، کما أن ترکیز الأهل على الولد فی هذا العمر ینبغی أن یکون أکثر من سابقه ولا سیما على من یصادق...
وقد أشارت الروایات إلى العدید من الأمور التی ینبغی على الولد تحصیلها فی هذه السنوات السبع ومنها:
1- الآداب والأخلاق
فإن الولد فی هذه الفترة صفحة بیضاء یتلقى الآداب والمسلکیات والأخلاق التی یراها لتترسخ فی نفسه ویسیر على نهجها، وإن الأساس فی سلوکه ینبغی أن یبدأ فی هذه المرحلة فعلى الوالدین أن یعلما أولادهما الأخلاق والآداب الاجتماعیة، ففی الحدیث عن الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم قال: "أکرموا أولادکم وحسنوا آدابهم یغفر لکم" (1).
وفی حدیث آخر عنه صلى الله علیه وآله وسلم: "لئن یؤدب أحدکم ولداً خیر له من أن یتصدق بنصف صاع کل یوم" (2).
2- التعلم‌
وأساس العلم القراءة والکتابة، وقد ورد فی الحدیث عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: "من حق الولد على والده ثلاثة یحسن اسمه، ویعلمه الکتابة، ویزوجه إذا بلغ" (3).
وعلى الوالدین أن یراعیا تطورات الزمان فی تعلیم أولادهما، لأن العلوم فی تطور وتوسع مستمر، کما أن العلم هو أساس جل الأعمال فی مستقبلهم.
3- تعلیم الصلاة
فعن أمیر المؤمنین علیه السلام، أنه قال: "علموا صبیانکم الصلاة، وخذوهم بها إذا بلغوا الحلم" (4).
وینبغی التنبه هنا إلى تعلیم الصلاة فی هذا العمر تم تمییزه فی الروایة عن عمر البلوغ، فبعد البلوغ یؤخذ بها وهذه عبارة تدل على إلزامیتها وعدم إمکان التراخی فیها، ولکنه قبل ذلک یتعلمها، وهذا یشیر إلى أن تعلیمه فی هذه السن ینبغی أن یکون بالرفق واللین.
4- تعلیم القرآن‌
فعن الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم: "... ومن علمه القرآن دعی بالأبوین فیکسیان حلتین یضیء من نورهما وجوه أهل الجنة" (5). والقرآن هو دستور الحیاة ونور القلوب، وهو الکفیل بتأمین المساعدة لمن یعی مقاصده ویلتزم بأحکامه، وحیث إن الولد أقدر على حفظ القرآن الکریم من الکهول والآباء، فمن المهم للأهل أن یرشدوا الأولاد إلى حفظ القرآن وتعلم أحکامه ومعانیه.
5- تعلیم الأحادیث الشریفة
أی أحادیث الرسول الأکرم محمد، وأهل بیته، ولابد من أن یراعى فی اختیار الحدیث أن یحتوی على المضامین الصحیحة وغیر الملتبسة ولیحذر على الولد فی هذا العمر من أی تیارات منحرفة، فإن الولد سهل الاقتناع بما یقال له عادة، وقد ورد فی الروایة عن الإمام الصادق علیه السلام قال: "بادروا أحداثکم بالحدیث قبل أن تسبقکم إلیهم المرجئة" (6).
6- تعلیم الحلال والحرام‌
ومن الأمور التی ینبغی تعلمها فی هذا العمر الحلال والحرام، والأحکام الشرعیة الأساسیة، فعن الإمام الصادق، قال: "الغلام یلعب سبع سنین...، ویتعلم الحلال والحرام سبع سنین" (7).
7- السباحة والرمایة
والسباحة والرمایة من الریاضات المفیدة، وقد ندبت الروایات الشریفة إلى تعلیمها للأولاد، ففی الحدیث عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم قال: "علموا أولادکم السباحة والرمایة" (8).
ضرب الأولاد فی هذا العمر
ورد فی خطبة رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم فی فضل شهر رمضان: "ووقروا کبارکم وارحموا صغارکم" (9).
إن من الظلم أن یجعل الولد متنفساً للضغط النفسی للأهل، فتصبح طریقة تربیته المتبعة هی الضرب فقط! کالأب المرهق من العمل فی خارج بیته، ثم یأتی إلى المنزل لیجد ولده قد أخطأ خطأً ما فلا یتبادر إلى فکره طریقة لتربیته إلا الضرب.
فمن الخطأ والظلم الکبیرین أن یکون الولد ضحیة للعقد النفسیة التی قد یحملها الأبوان، لذلک نجد الأحادیث الشریفة أشارت إلى أن الضرب لیس هو الأسلوب الأنسب لتربیة الولد، فعن أحد أصحاب الإمام الکاظم علیه السلام قال: شکوت إلى أبى الحسن موسى علیه السلام ابناً لی فقال: "لا تضربه واهجره ولا تطل" (10).
فالإمام علیه السلام أجاب السائل بأن لا یضرب ابنه بل یتبع أسلوباً آخر للتقریع إذا کان لا بد منه وهو إشعاره بعدم الرضا من خلال هجره، هذا الهجر الذی لا یجوز أن یتحول إلى قطیعة "لا تطل"، بل یأخذ دوره کتأنیب نفسی رادع له لتصحیح مسلکیته.
حدود ضرب الولد
إذا انقطعت سبل تربیة الولد ولم یبق إلا الضرب سبیلاً وحیداً لتأدیبه فی مفردة ما، فیمکن تأدیبه من خلال ذلک، لکن ضمن حدود لا یجوز تجاوزها.
وقد حددت الروایة عن حماد بن عثمان ذلک حیث قال: "قلت لأبی عبد الله علیه السلام فی أدب الصبی والمملوک، فقال خمسة أو ستة وأرفق" (11).
فلا یکون الضرب مستمراً وکثیراً لأکثر من خمسة أو ستة، کما لا یکون شدیداً بل برفق لا یصل إلى حد تغیر لون بشرته نتیجة الضرب إلى الأحمر أو الأسود... فضلاً عن التسبب بأذیته من جرح أو کسرٍ والعیاذ بالله.
فإذا تجاوز هذا الحد وجب علیه دفع الدیة لولده، وسنشرح فیما یلی هذه الدیة.
دیة الضرب‌
لقد جعل الشرع دیّة للضرب القاسی الذی یستعمله بعض الأهل مع أبنائهم، عقاباً لهم على ما اقترفوه بحق الأولاد، ولتوضیح الدیات قسمنا الضرب إلى ثلاثة أقسام ضمن الجداول التالیة:
دیة ضرب الوجه (12):
الحالة/الدیة بالذهب

• إذا احمر الوجه: 5,4 غرام
‌• إذا اخضر الوجه: 10,8 غرام
‌• إذا اسود الوجه: 21,6 غرام

الحالة/ ‌الدیة بالبعیر

‌• إذا تقشر الجلد من دون إدماء بما یشبه الخدش: بعیر
• إذا دخل الجرح فی اللحم یسیراً: بعیران
• إذا دخل الجرح فی اللحم کثیرا ولم یبلغ الجلدة الرقیقة المغشیة للعظم: ‌ثلاثة أبعرة
‌• إذا دخل الجرح فی اللحم کثیرا وقطعت الجلدة الرقیقة المغشیة للعظم: أربعة أبعرة
• ‌الجرح إذا ظهر منه بیاض العظم: خمسة أبعرة

دیة البدن (13):
الحالة/ الدیة بالذهب

• إذا احمر البدن: 2,7 غرام
‌• إذا اخضر البدن: 5,4 غرام
‌• إذا اسود البدن: 10,8 غرام

‌وأما الجرح فی البدن فتختلف دیته بحسب موضعه من الجسد، وفیه تفاصیل کثیرة تراجع فی کتب الفقه.
عندما یصبح عمر الولد أربع عشرة سنة، وفی هذا العمر تبدأ مرحلة المراهقة، ویتمیز هذا العمر بالعدید من الأمور على المستوى النفسی والفکری فمن ممیزات هذا العمر:
یطمح الشباب بقوة إلى الحریة والاستقلال، ویرغب فی القیام بأعماله من دون تدخل الآخرین، واتخاذ القرارات بنفسه أیضاً، ولا یشعر بالحاجة إلى آراء الکبار أی الأهل، فی قراراته الخطیرة کترک الدراسة، أو تغییر حقله التخصصی، وغیرها من الأمور (14).
وفی هذا العمر تتفجر المواهب لدى الشباب، وتحتاج إلى التنمیة بالشکل الصحیح، فلو کان لدى الشاب موهبة الشعر أو الریاضة مثلاً، فلا بد من ترشید الموهبة، لکی لا تسلک الطریق الخاطئ. وتتمیز المرحلة أیضا بأخطر الأمور وهی فوران الغرائز کغریزة القدرة وغریزة حب السیطرة وغریزة التناسل.
ومن هنا ینبغی أن نلتفت إلى خطورة هذه المرحلة على الشباب إذ أن هذه المرحلة هی المفترق الفاصل بین دروب الحیاة، فإما أن یسلک الشاب بها درب الهدى، وإما أن ینحرف إلى دروب الغی والضیاع.

ومن الأمور التی أرشد إلیها الإسلام فی هذه المرحلة العمریة:
1- نقل التجارب إلى الشاب
وأفضل نموذج یمکن أن نسلط الضوء علیه فی هذا المضمار هو أمیر المؤمنین علیه السلام وولده الإمام الحسن، فمن وصیته له: "... فبادرتک بالأدب قبل أن یقسو قلبک ویشتغل لبُّک لتستقبل بجد رأیک (15) من الأمر ما قد کفاک أهل التجارب بغیته وتجربته، فتکون قد کفیت مؤونة الطلب، وعوفیت من علاج التجربة" (16).
فالتجربة التی ینبغی أن تنقل للشاب لها دور مؤثر فی تأمین سعادته لأنها تکشف له حقائق الأمور، وتمزق أستار الأوهام والتصورات الباطلة، فکل تجربة تفتح فی قلب الإنسان باباً من العلم وتقربه من الحقیقة خطوة، فعن الإمام علی علیه السلام: "وفی التجارب علم مستأنف" (17). 2- التفقه فی الدین
لأن الولد یبلغ فی هذا العمر سن البلوغ فلا بد له من معرفة التکالیف الإلهیة التی ألقیت على عاتقه، وقد ورد فی الحدیث عن الإمام الکاظم: "لو وجدت شاباً من شبان الشیعة لا یتفقه لضربته ضربة بالسیف" (18)، وما التعبیر بالضرب بالسیف إلا کنایة عن أهمیة التفقه فی مرحلة الشباب.
کما أن التعلم لأحکام الدین والفهم لأهداف الإسلام یؤمنان للشاب هدفاً صالحاً، فلا یترک فریسة لأوهام النفس ووسوسات الأفکار والتیارات المنحرفة، دون إرشاد، مما قد یتسبب بضیاعه.
3- الإرشاد إلى القدوة الصحیحة
إن القدوة الصحیحة للشاب هی التی توضح الطریق أمامه فی درب المستقبل، والقدوة السیئة هی التی تجرفه إلى ودیان الجهالة والانحراف.
وکثیراً ما نجد وسائل الدعایة والإعلام تحاول أن تطرح للشاب قدوات تضیّع الأهداف الحقیقیة، بعیداً عن القدوة الحقیقیة المتمثلة والمثال الأعلى الذی یتجلى بالرسول الأکرم، وأهل البیت و...
فعلى الأهل دائما أن یلتفتوا إلى شبابهم لیوجهوهم دائماً إلى القدوة الصحیحة، بالشکل الملائم الذی یجعل هذه القدوة هی خیار الشاب وتوجهه ظاهراً وباطناً.
4- إرشاد الشباب إلى الفتوة الحقیقیة
إن عنوان الفتوة والقوّة وحب الاقتدار عند الشباب یکون فی أعلى مستویاته فی هذه المرحلة العمریة، وتشکل الفتوة بالنسبة إلیه أمراً بالغ الأهمیّة.
ودور الأهل فی هذا المجال یتجلى فی إفهام الشاب أن الفتوة الحقیقیّة لیست فی عظمة الساعدین ولا عرض المنکبین والقوة فی العراک، بل فی العقل الواعی والقلب الملی‌ء بالإیمان، فإن هذا المعنى هو الذی یریدنا أهل البیت أن نعیه، ففی الروایة أنه مرّ رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم بقوم یتساءلون حجراً، فقال: "ما هذا، وما یدعوکم إلیه؟ قالوا: لنعرف أشدنا وأقوانا، قال: أفلا أدلّکم على أشدکم وأقواکم؟ قالوا: بلى یا رسول اللّه، قال: أشدّکم وأقواکم الذی إذا رضی لم یدخله رضاه فی إثم ولا باطل، وإذا سخط لم یخرجه سخطه من قول الحق، وإذا قدر لم یتعاط ما لیس له بحق" (19).
فبهذه الخطوات وغیرها نکون قد وجهنا الشاب إلى الهدف الواقعی والصحیح وهو السلوک المستقیم، بحیث یصبح عنصر خیر لمجتمعه، یعیش الصلاح فی الدنیا، فیکون من أحب الخلائق إلى الله تعالى، فعن الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم: "إن أحبّ‌َ الخلائق إلى الله عز وجل شاب حدث السن فی صورة حسن جعل شبابه وجماله لله وفی طاعته، ذلک الذی یباهی به الرحمن ملائکته، یقول: هذا عبدی حقا"(20).

خاتمة
الولد نعمة أنعمها الله تعالى علینا بمجرد وجوده، وأنعم علینا نعمة أخرى بأن أرشدنا إلى طریق هدایته وعرفنا السبیل لتربیته، ولم یترک لنا سوى الاستنارة بهداه والسیر على نهج الأنبیاء والأئمة الأطهار أعظم المربین للبشریة، لعلنا نوفّق فی صناعة إنسان بکل ما للکلمة من معنى، عبد مطیع عارف لربه، مدرک لهدفه، یسیر فی الأرض ویعمل فیها الصلاح، معمّراً لآخرته.
ولو استطاع الإنسان أن یربی أبناءه بالطریقة التی أرشدنا إلیها الإسلام، لکثر الخیر فی البلاد ولقل الفساد، نسأل الله تعالى أن یوفقنا لأداء حقوق الأطفال، ویجعلنا أهلاً لامتثال قوله تعالى: ﴿یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَکُمْ وَأَهْلِیکُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَیْهَا مَلائِکَ غِلا شِدَا لا یَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَیَفْعَلُونَ مَا یُؤْمَرُونَ﴾(21).
ونسأله کما سأله من قبلنا ممّن کان یؤمن به وبآیاته: ﴿... رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّیَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْیُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِینَ إِمَاماً﴾(22).
المصادر :
1- بحار الأنوار، العلامة المجلسی، ج‌101، ص 95.
2- بحار الأنوار، العلامة المجلسی، ج‌101، ص 95.
3- مستدرک الوسائل، المیرزا النوری، ج‌15، ص 166.
4- مستدرک الوسائل، المیرزا النوری، ج‌15، ص 169.
5- الکافی، الشیخ الکلینی، ج‌6، ص‌49.
6- وسائل الشیعة آل البیت، الحر العاملی، ج‌17، ص‌331.
7- مستدرک الوسائل، المیرزا النوری، ج‌15، ص 165.
8- وسائل الشیعة آل البیت، الحر العاملی، ج‌17، ص‌331.
9- مستدرک سفینة البحار، الشیخ علی النمازی، ج‌10، ص 399.
10- بحار الأنوار، العلامة المجلسی، ج‌101، ص 99.
11- الکافی، الشیخ الکلینی، ج‌7، ص‌268.
12- تحریر الوسیلة، الإمام الخمینی قدس سره، ج‌2، ص 536 535، طبعة دار المنتظر.
13- تحریر الوسیلة، الإمام الخمینی قدس سره ج‌2، ص 536، طبعة دار المنتظر.
14- الأفکار والمیول، الاستاذ محمد تقی فلسفی، ج‌2، ص 182.
15- یکون جد رأیک أی محققه وثابته. والبغیة بالکسر: الطلب.
16- نهج البلاغة، خطب الامام علی علیه السلام ، ج‌3، ص‌40.
17- الکافی،ج‌8، ص 22.
18- بحار الأنوار، العلامة المجلسی، ج‌75، ص 346.
19- من لا یحضره الفقیه، ج‌4، ص‌407.
20- میزان الحکمة، محمدی الریشهری، ج‌2، ص 1401.
21- التحریم:6.
22- الفرقان:74.

source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

صلاة ألف ركعة
العلاقة بين المصحف العلوي والقرآن المتداول اليوم
في رحاب نهج البلاغة – الأول
حد الفقر الذی یجوز معه اخذ الزکاة
ومن وصيّة له لولده الحسن (عليهما السلام): [يذكر ...
شبهات حول المهدي
الدفن في البقيع
ليلة القدر خصائصها وأسرارها
آداب الزوجین
مفاتيح الجنان(600_700)

 
user comment