عربي
Friday 19th of April 2024
0
نفر 0

حقوق الإنسان بين الإعلان العالمي والإمام الحسين عليه السلام

حقوق الإنسان بين الإعلان العالمي والإمام الحسين عليه السلام

مقدمة:

من الموضوعات التي أثارت، ولا زالت تثير جدلا عريضا في العالم موضوع حقوق الإنسان في الإسلام، حيث التهم المختلفة التي تكال بمناسبة وبدونها للدين الإسلامي ـ من هنا وهناك ـ سواء من قبل المناوئين له، أو أولئك الذين يسيرون في ركبهم، قصدا أو انخداعا بما يشيعون من تهم تتمثل في أن الدين الإسلامي يفتقر إلى المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، ويصادر حقوق الإنسان وينتهكها.
وموضوع حقوق الإنسان في الإسلام موضوع عام، وواسع بحيث لا يمكن استيعابه تفصيلا خلال الحجم المقدر لمثل هذه الدراسة الموجزة، بما يتناسب والغرض الذي من أجله أجريت أساسا.
عليه وقع الاختيار على موضوع أخص من ذلك وهو موضوع حقوق الإنسان عند الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام). على أن هذا الموضوع لم يكن من الإيجاز بحيث يمكن أن يستوعبه حجم دراستنا هذه، ولكن مع ذلك يبقى هذا الموضوع ـ على كل حال ـ أضيق من سابقه، بحيث يمكن التصرف فيه بالإيجاز على صعوبة ذلك.
فمن الصعوبات التي واجهت الكاتب في المقام صعوبة تكييف النصوص بما يتناسب والحق موضوع البحث بالنسبة للكثير من الحقوق التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وذلك لاختلاف الاصطلاحات التي وردت في كل من النصوص الدينية والإعلان العالمي بفعل الفارق الزماني، واللغة التخصصية المختلفة لكل منهما.
وهناك صعوبة ثانية تجسدت في كون الكثير من الحقوق التي وردت في الإعلان إنما هي من مقتضيات التطور الذي شهدته البشرية خلال المدة الزمنية الطويلة بين الإمام الحسين، والإعلان العالمي والتي تتمثل في قرون تزيد على الثلاثة عشر قرنا، وكذلك نتيجة تشابك العلاقات الإنسانية وتعقدها، من قبيل الحقوق النقابية للإنسان، وحقوق الجنسية وعدم الحق في انتزاعها، مما كلف جهدا في الوقوف على بعض ذلك لدى الإمام الحسين (عليه السلام)، واستحالة الوقوف على البعض الآخر منها، وذلك لا لنقص، أو إهمال من قبله (عليه السلام) للموضوعات المتقدمة وأمثالها، وإنما لعدم الحاجة إليه في الزمن الذي عاش فيه الإمام الحسين (عليه السلام)، حيث البساطة التي كانت تحكم العلاقات الإنسانية.
لقد اتخذت الدراسة منهج الدراسة المقارنة، التي يغلب عليها طابع العرض أحيانا، العرض لمواد الإعلان المجرد أحيانا، وذو التحليل البسيط أحيانا أخرى، وذلك لعدم الحاجة في التفصيل في هذه الدراسة لغير تلك الحقوق التي دعا إليها ومارسها الإمام الحسين عمليا. إلا أن ذلك لا ينفي وجود عرض تفصيلي لبعض مواد الإعلان ـ أحيانا ـ إلا أن ذلك لم يكن غرضا مباشرا للدراسة بقدر ما هو إجراء من أجل إظهار الفارق بين كل من الإعلان العالمي، والإمام الحسين في تناولهما لذلك الحق الذي تم تفصيله.
على أن الدراسة قد تمت في فترة لعله لا يمكن لمجريها أن يسلم خلالها من الوقوع في بعض الأخطاء فالله هو العاصم، فألتمس العذر لدى القارئ الكريم عن ذلك إن وقعت يده الكريمة عليه، وكلي أمل في أن يبادر من له القدرة على النقاش التنبيه إلى ما يقف عليه في ثنايا الدراسة مما يعتقد خطأه. ومن الله نسأل السداد.

 

هدف الدراسة:

تهدف هذه الدراسة إلى أجراء مقارنة بين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وحقوق الإنسان عند الإمام الحسين (عليه السلام) وذلك للوقوف على حقيقة تلك الدعاوى التي تقدم أن البعض يتوجه بها إلى الإسلام من جهة، ومن أجل الوقوف على العقلية التي أفرزت تلك المبادئ، ومعرفة حقيقتها، وكيفية تناولها لتكل المبادئ.

 

تمهيد:

لا غنى لنا ونحن نروم البحث في موضوع حقوق الإنسان لدى الإمام الحسين (عليه السلام) من تقديم عرض للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وذلك لأمرين:
الأول: لمعرفة السبق الزمني لأي منهما ـ الإعلان العالمي والإمام الحسين ـ كيما نثبت السبق لأحدهما، وهو المتقدم زمنيا في الدعوة غلى مثل هذه المبادئ الإنسانية.
الثاني: الوقوف على حقيقة الرقي الفكري الذي يتمتع به صاحب السبق بحيث أملى عليه ذلك الرقي هذه المبادئ قبل الآخر بغض النظر عن الفترة الزمنية التي تفصل بينهما، في حين لم يبلغ الآخر ذلك إلا بعد فترة زمنية معينة.

 

ولادة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:

لم يكن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ـ الذي عد من أهم الإنجازات البشرية في ميدان تكريم الإنسان ـ بحيث باتت البشرية تقيم المناسبات السنوية احتفاء بذكرى ميلاد ذلك الإعلان، لم يكن قد ولد ولادة طبيعية، بل يمكن القول بأنه قد ولد ولادة قيصرية إثر الأحداث الدامية التي مرت بها البشرية والمسيرة الشاقة التي سارت بها البشرية طويلا في الكفاح من أجل الوصول إلى صيغة تكفل للإنسان صيانة لحقوقه الأساسية.
فالأصول "التاريخية للرؤى القوية التي تستطيع أن تشكل أحداث ومواقف العالم مثل تلك الخاصة بحقوق الإنسان الدولية نادرا ما تكون بسيطة. إنها على العكس تخرج بطرق معقدة ومتداخلة من تأثير العديد من القوى، والشخصيات، والظروف والأوقات المختلفة، والأوقات المتباينة، كل منها تنساب بطريقتها الخاصة "(1)
فالإعلان العالمي ولد إذن حيث "كان المجتمع ـ في جميع أدواره ـ يعالج صراعا دائبا بين الشعب والبلاط.. فطورا كانت الملوك تنتصر على الشعوب، وآونة كانت الطبقات الكادحة تنتفض فتتغلب على جهاز الحكم "(2)
وهكذا بين قتل وقتال، وكر وفر، ومخاضات عسيرة مرت بها البشرية، ولد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وذلك في أواخر النصف الأول من القرن العشرين، عام 1948 تحديدا.
القيم الواردة في الإعلان:
هناك مجموعة من الحقوق، والقيم، والمبادئ تناولها الإعلان العالمي في مواده يمكن أن توجز بالتالي:
1ـ حق الحياة.
2ـ حق الملكية.
3ـ حق الحماية.
4ـ العدل.
5ـ المساواة.
6ـ الحريات.
إلى غير ذلك مما ورد في الإعلان. يجدر بالذكر أن كل واحد من الحقوق، والمبادئ المتقدمة يتفرع عنه مجموعة من الأقسام، فالحريات ـ على سبيل المثال ـ تنقسم إلى الحريات الشخصية، والحريات الفكرية، والحريات السياسية. والمساواة إلى المساواة في الحقوق والواجبات، والمساواة في الإنسانية وهكذا.
فما تقدم إذن هو عرض إجمالي موجز للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، من حيث زمان نشأته، والحقوق والمبادئ الأساسية التي وردت فيه، ولم نرد الخوض في ثنايا الإعلان المذكور تفصيلا لعدم الحاجة إلى ذلك إلا بمقدار المقارنة بينه وبين حقوق الإنسان في الإسلام عموما، وفي فكر الإمام الحسين (عليه السلام) خصوصا، ومن وجهة نظري أرى أن هذا العرض الموجز للإعلان يفي بالغرض في ضوء ما حددنا من هدف.

 

حقوق الإنسان في الإسلام:

لا بد لنا ونحن نروم الخوض في موضوع حقوق الإنسان لدى الإمام الحسين (عليه السلام) من أن نمر إلى ذلك عن طريق البحث في حقوق الإنسان في الإسلام لنقف من خلال ذلك على مدى الصلة الوثيقة بين الإمام الحسين (عليه السلام) والإسلام.

 

توطئة:

ينكر البعض من مناوئي الدين الإسلامي، ومن يسير في خطاهم على الإسلام كونه يدعو إلى إقامة دولة، ولذا يحصره بالتالي في إطار التعاليم الدينية التي لا تعدو تنظيم علاقة الإنسان بربه، وبما أن حقوق الإنسان تتطلب قوة ملزمة تفرض تطبيقها، ومراقبتها فيكون الدين الإسلامي ـ بناء على وجهة نظر المتقدمين ـ خال من حقوق الإنسان من منطلق كون المسالة سالبة بانتفاء الموضوع، أو أن التعاليم المتعلقة بحقوق الإنسان في الدين الإسلامي لا تعدو كونها أمورا استشارية، أو استئناسية ـ حسب الاصطلاح القانوني الوضعي ـ وبالتالي فهي تفتقد لعنصر الإلزام الذي يضفي على كل مبدأ صفة القانونية.
عليه لابد من الإجابة على السؤال التالي قبل الحديث عن مبدأ حقوق الإنسان في الإسلام وجودا وعدما، والسؤال يتلخص

بالتالي:
هل الإسلام دين فقط، أم أنه دين ودولة؟
 لم يكن الإسلام كغيره من الأديان الأخرى ـ مع احترامنا الشديد لها ليؤطر تعاليمه بحدود علاقة الإنسان بربه، إنما وسع من تلك الدائرة لتمتد إلى ميدان علاقة الإنسان بغيره. وبما أن تشابك العلاقات الإنسانية، وتعقدها بحاجة إلى تنظيم لئلا تتحكم المصلحة الشخصية بها مما يقود إلى التضارب، فقد أقام الإسلام الدولة الإسلامية، ودعا معتنقيه إليها وذلك لضمان حماية مصالح المسلمين، وتنظيمها.
فالدين الإسلامي منظومة متكاملة من التعاليم التي لم تكن لتكتفي بجانب مما ذكرنا على حساب الجانب الآخر، إنما " يؤمن بأن الحياة يجب تنظيمها ـ ليس بالإيمان فحسب ولكن أيضا ـ بالعلم والعمل، والذي تتسع رؤيته للعالم بحيث يستوعب، بل يدعو إلى قيام المسجد والمصنع جنبا إلى جنب،... يرى أن الشعوب لا يكفي إطعامها وتعليمها فقط، وإنما يجب أيضا تيسير حياتها، والمساعدة على سموها الروحي "(3).
ثم إن التاريخ يروي لنا بما لا مجال إلى إنكاره كيف أقام الرسول الكريم أعظم دولة عرفها التاريخ البشري، وهذا دليل عملي على كون الإسلام دين ودولة، وما فصل الدين عن السياسة سوى مقولة نشأت في التاريخ الإسلامي بدوافع مصلحية بحتة لا غرض لنا بالخوض فيها في دراستنا هذه.
عليه لم يقتصر الإسلام على الدعوة النظرية إلى مبادئ حقوق الإنسان حسب، إنما طبقها عمليا في ظل حكومتي الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، والإمام علي (عليه السلام)، بما أدهش العالم قديما، وحديثا.

 

حقوق الإنسان لدى الإمام الحسين (عليه السلام):

على الرغم من أن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب ـ عليهما السلام ـ لم يكن من الأئمة الذين تسلموا منصب قيادة الدولة الإسلامية لأسباب عدة لا غرض لنا هنا بتعدادها، والخوض فيها إلا أن كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) التي وردتنا عن طريق كتب الأخبار تدل على أنه (عليه السلام) مسلح بتلك المبادئ بحيث لو قدر له وتسلم تلك القيادة لطبق تلك المبادئ كما هي الحال بالنسبة لأبيه الإمام علي (عليه السلام)، وجده النبي محمد (صلى الله عليه وآله).
نلفت نظر القارئ الكريم إلى أننا سوف نتناول حقوق الإنسان عند الإمام الحسين (عليه السلام) وفق الترتيب الذي ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لكي يسهل على القارئ العزيز، وغيره إجراء مقارنة، أو الوقوف على الاثنين فيما لو رام ذلك.

 

الحرية وتأثير انتهاكها بين الإمام الحسين والإعلان:

تناول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ديباجته مسألة الكرامة الفطرية كأساس للحرية الإنسانية، وحقوق الإنسان، "إن الاعتراف بأن الكرامة الفطرية، والحقوق المتساوية وغير القابلة للانتقاص منها لكل أعضاء الأسرة الإنسانية هي أساس الحرية، والعدالة والسلام في العالم"(4)، وقد اعتبر انتهاك هذه الكرامة والحرية الإنسانية بمختلف أنواعها مما يقود إلى الحروب، والويلات، والمآسي، والثورات،" وحيث أن تجاهل وازدراء حقوق الإنسان قد أدى إلى أعمال همجية، أثارت غضب ضمير الجنس البشري... وحيث أنه من الضروري، إذا لم يجبر الإنسان على اللجوء، كملجأ أخير إلى الثورة ضد الطغيان والقمع، فإن حقوق الإنسان يجب أن تحمى بحكم القانون"(5).
عليه ـ بناء على الإعلان العالمي ـ تلزم صيانة الحرية، والكرامة الإنسانية، وحقوق الإنسان إذا أريد للمجتمع ـ الداخلي أو الدولي ـ أن يعيش حالة من الأمن والاستقرار بحيث يصلح لعيش الإنسان في بالمقدار الذي يكون فيه قادرا على البناء والإنتاج.
أما الإمام الحسين (عليه السلام) فلم يكن قد توقف في هذه المسألة بحدود إطارها النظري حسب، وإنما أنزلها، بل نزل بها إلى حيز الواقع العلمي، ومارسها شخصيا. فحين أحس الإمام الحسين (عليه السلام) بمدى انتهاك حقوق الإنسان، والحرية الذي باشرت به حكومة يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان بحق أبناء الشعب لم يكن ليقف مكتوف الأيدي إزاء ذلك، بعد أن استنفد كل الوسائل الممكنة لثني ذلك الطاغية عن ممارساته تلك عندها باشر شخصيا بممارسة التغيير الذي عبر عنه بقوله: "ألا وإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر"(6).
وبقوله: "لا ينبغي لنفس مؤمنة ترى من يعصي الله فلا تنكر عليه"(7)، وأي عصيان لله أكبر من استعباد خلقه الذين كرمهم بقوله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم )(8).

 

وقفة بين الرؤيتين:

على الرغم من اتحاد الرؤيتين بين الإمام الحسين (عليه السلام) والإعلان العالمي لحقوق الإنسان من حيث تناول الاثنين لهذه المسألة الهامة، إلا أن هناك فارق بين الرؤيتين من جهة طبيعة ذلك التناول، وسعته وضيقه.
فالرؤية التي ساقها لنا الإعلان العالمي لم تكن قد تميزت بتلك الدقة، والإحاطة التي ساقها لنا الإمام الحسين (عليه السلام).
ففي مسألة الحرية وانتهاكها، ميز الإمام الحسين (عليه السلام) بين نوعين من الانتهاك بما يدل على وجود نوعين من الانتهاك هما:
1ـ الانتهاك الخارجي لحقوق الإنسان: وهذا النوع من الانتهاك يأتي من قبل قوة خارجة عن الإنسان، وهذه القوة قد تكون دولة، أو جهة، أو إنسان آخر.
2ـ الانتهاك الداخلي: وهذا النوع من الانتهاك يأتي من قبل الإنسان نفسه على نفسه فيصادر حقوقه، أو يتنازل عنها بنفسه، وهذا النوع من الانتهاك يفوق بخطورته بكثير النوع الأول لصعوبة زوال آثاره فيما لو تمكن من الإنسان، ونظرا لتلك الخطورة لم تجد الإمام الحسين (عليه السلام) قد أغفل جانبه وإنما أشار إليه، وأكد عليه في أشد المواقف وأخطرها ليوجه الناس إلى مدى خطورته على الإنسان.
فحول الظلم الخارجي وظلم الحاكم تحديدا باعتباره أظهر مصاديق الانتهاك الخارجي، وأبرزها شيوعا ورد عن الإمام الحسين (عليه السلام) قوله: "بأبي أنت وأمي يا رسول الله ـ ويخاطب بذلك جده رسول الله حين وقف على قبره الشريف ـ لقد خرجت من جوارك كرها، وفرق بيني وبينك حيث إني لم أبايع ليزيد بن معاوية، شارب الخمور، وراكب الفجور، وها أنا خارج من جوارك على الكراهة فعليك مني السلام"(9).
وقال في ذلك: "أني لا أبايع له أبدا... ويزيد رجل فاسق، معلن الفسق ويشرب الخمر ويلعب بالكلاب والفهود .."(10).
هذا بالنسبة للانتهاكات الخارجية فقد ورد عن الإمام الحسين (عليه السلام) نقد شديد لهذه الحالة الخطيرة التي تغزو النفس الإنسانية، وقد بدأ الإمام الحسين (عليه السلام) بتناول هذه الظاهرة مبتدئا بنفسه ليكون تأثير ذلك أبلغ في نفوس الآخرين، فقد قال: "والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر إقرار العبيد" (11). ثم قال: "الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، فإن محصوا بالبلاء قل الديانون"(12).
لقد كان الإمام الحسين (عليه السلام) ينادي بعدم انتهاك الإنسان لحق نفسه بالحرية حتى أواخر لحظات حياته حين كان واقعا على الأرض في كربلاء، ولم يفصل بينه وبين الموت سوى لحظات، حيث خاطب قتلته حينها قائلا: "ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم هذه.."(13).
وقال أيضا: "رحلي لكم عن ساعة مباح، فامنعوه جهالكم وطغاتكم وكونوا في الدنيا أحرارا إن لم يكن لكم دين "(14).
لقد حذر الإمام الحسين (عليه السلام) من انتهاك الإنسان لحريته لما سوف يجر إليه ذلك الانتهاك من مآسي على الإنسان، وعلى المجتمع على حد سواء، إذ ليس الفرد سوى لبنة في بناء مجتمعه. فمن التحذيرات لتلك النتائج نورد شاهدا على ذلك من أقوال الإمام الحسين حيث يقول في ذلك: "ولكنكم مكنتم الظلمة في منزلتكم، وأسلمتم أمور الله في أيديهم يعملون بالشبهات، ويسيرون في الشهوات، سلطهم على ذلك فراركم من الموت وإعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم، فأسلمتم الضعفاء في أيديهم، فمن بين مستعبد مقهور وبين مستضعف على معيشته مغلوب، يتقلبون في الملك بآرائهم ويستشعرون الخزي بأهوائهم، إقتداءً بالأشرار، وجرأة على الجبار، في كل بلد منهم على منبره خطيب يصقع، فالأرض لهم شاغرة وأيديهم فيها مبسوطة، والناس لهم خول لا يدفعون يد لامس..."(15).
خلاصة القول يعد انتهاك الإنسان لحرية نفسه، وحقوقه أشد خطورة عليه من انتهاك الآخرين لحقوقه، إذ في الحالة الأولى سوف ينسى الإنسان نفسه بما يسلط عليه الطغاة دون أن يلتفت إلى ما يتكون من حقوقه ما دام هو الذي بدأ بذلك، والشواهد من التاريخ المعاصر كثيرة على ذلك، فقد حدث أن بادر الهنود السود في أميركا إلى العودة للعبودية من تلقاء أنفسهم بعدما حررهم الرئيس الأسود ابراهام لنكولن من ذلك لاعتيادهم العبودية، وكذلك بالنسبة للطبقات الاجتماعية المتدنية في الهند ـ حسب تقسيماتهم الطبقية قديما ـ حين حرروا.
الحرية والإخوة والمساواة:
يعد المجتمع الدولي هذه المبادئ الثلاثة التي تناولتها المادة (1) من إنجازات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تجد جذورها في الثورة الفرنسية ـ 1789 ـ التي رفعت هذه الشعارات الثلاثة، وكأن المبادئ الإنسانية في مجال حقوق الإنسان كانت قد بدأت مع الإعلان المذكور الذي أقر عام 1948.
لقد بلغ هذا الإجحاف حدا إلى درجة أن المستشرق المعروف الأستاذ روزنتال يزعم بأن "المسلمين في العصر الوسيط ما كانوا يملكون مفهوما للحرية الإنسانية وما شابهها للمفهوم الإغريقي"(16).
إن هذا القول مرفوض ليس بالرد من خلال السبق الزمني للإسلام في ميدان حقوق الإنسان مما لا سبيل إلى إنكاره فقط، وإنما يرد بالتميز الذي تناول خلاله الإسلام لمفاهيم كهذه.
فالدين الإسلامي ارتفع بهذه الحقوق من مرتبة التنظير إلى صبها في خانة الواجبات والضرورات التي عنى بها الدول والإنسان نفسه بحيث لا يحق له التنازل عن حقوقه لمكان وجوبها.
 "فهذا الذي عرفته فكرية الحضارة الغربية، حديثا في باب حقوق الإنسان، قد عرفته الحضارة الإسلامية، بل ومارسته ـ قديما ـ لا كمجرد حقوق للإنسان، وإنما كفرائض إلهية وتكاليف وواجبات شرعية، لا يجوز لصاحبها ـ الإنسان ـ أن يتنازل عنها أو يفرط فيها، أو يهمل لها حتى بمحض اختياره إن هو أراد"(17).
من هذا المنطلق تجد الإمام الحسين (عليه السلام) يؤكد على هذه المبادئ لا من خلال القول فقط، وإنما يدعو إليها، ويؤكد عليها، ويستشهد في سبيلها.
أما الحرية فقد تقدم الحديث عنها، وكيف كان الإمام الحسين (عليه السلام) يؤكد عليها، وينظر إليها. أما المساواة فتجدها في تعامل الحسين (عليه السلام) مع الناس على قدم المساواة بغض النظر عن الدين، أو المذهب، أو المهنة، أو غير ذلك. فقد أعتق غلاما له جنى جناية توجب الضرب، وأعتق جارية حيته بطاقة ريحان.
لقد كان يضع خده الشريف على خد جون مولى أبي ذر الغفاري حين استشهد بين يديه في واقعة كربلاء الدامية داعيا له "اللهم بيض وجهه، وطيب ريحه، واحشره مع الأبرار، وعرِّف بينه وبين محمد وآل محمد" (18)، ويضع خده الآخر على خد ولده علي الأكبر الذي قدمه كأول مقاتل بين يديه من أهل بيته الشريف، واستشهد بين يديه كذلك.
وأما الأخوة فتجدها في عدم ترفعه على الآخرين، وذم التكبر على الناس والغرور. لقد تناول الإمام الحسين (عليه السلام) مبدأ الأخوة بالتفصيل في قوله التالي: "الأخوان أربعة: فأخ لك وله، وأخ لك، وأخ عليك، وأخ لا لك ولا له.
فسأل عن معنى ذلك فقال: الأخ الذي هو لك وله فهو الأخ الذي يطلب بإخائه بقاء الإخاء ولا يطلب بإخاءه موت الإخاء، فهذا لك وله، لأنه إذا تم الإخاء طابت حياتهما جميعا، وإذا دخل الإخاء في حال التناقض بطل جميعا. والأخ الذي هو لك: فهو الأخ الذي قد خرج بنفسه عن حال الطمع إلى حال الرغبة، فلم يطمع في الدنيا إذا رغب في الإخاء، فهذا موفر عليك بكليته. والأخ الذي هو عليك: فهو الأخ الذي يتربص بك الدوائر، ويغشى السرائر، ويكذب عليك بين العشائر، وينظر في وجهك نظر الحاسد، فعليه لعنة الواحد. والأخ الذي لا لك ولا له فهو الذي قد ملأه الله حمقا فأبعده سحقا، فتراه يؤثر نفسه عليك، ويطلب شحا ما لديك"(19).

 

ملاحظة هامة:

على الرغم من أهمية التفصيل الذي ورد في الحديث المتقدم عن الإمام الحسين (عليه السلام)، والذي يدل على الأهمية التي يحتلها مبدأ الأخوة في الدين الإسلامي، إلا أن هناك نقطة هامة قد لا يلتفت الإنسان إليها بالقراءة الأولية للحديث.
هذه الملاحظة تتمثل بنعت الإمام الحسين (عليه السلام) لجميع من ذكر من الأصناف التي تناولها بنعت الأخوة علما أنه دعا على البعض منهم باللعن، وهذا يدل على مدى سمو هذا المبدأ في الإسلام بحيث لم يشر الإمام الحسين (عليه السلام) إلى واحد ممن ذكر بالعداوة.

 

تداخل:

يجدر بالذكر أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يتصف بصفة التداخل في كثير من مواده، بحيث تجد واحدا من المبادئ كالحرية على سبيل المثال يذكر في أكثر من مادة، عليه قد نعرض عن تكرار الحديث عن ذلك فيما لو تم تناوله في فقرة سابقة.
التمييز العنصري:
نصت المادة (2) من الإعلان على التالي: "لكل شخص الحق في كل الحقوق والحريات الموضحة في هذا الإعلان، بدون تفرقة من أي نوع، مثل العنصر، اللون، الجنس، اللغة، الدين الرأي السياسي أو أي رأي آخر، الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الممتلكات، أو الميلاد، أو أي وضع آخر.
وبالإضافة إلى ذلك لا يجب أن يكون هناك تمييز على أساس الوضع القضائي أو الدولي للدولة أو المنطقة التي ينتمي إليها الشخص سواء كانت مستقلة أو تحت الوصاية أو لا تحكم نفسها بنفسها أو تحت أي قيد آخر يحد من سيادتها على أراضيها".
إذا لم يكن بالإمكان المقارنة بين مبادئ هذه المادة، والإمام الحسين (عليه السلام) من جميع الوجوه باعتبارها دستورا تخاطب به الدول، والحكومات في تعاطيها مع مبادئ حقوق الإنسان، على اعتبار أن الإمام الحسين (عليه السلام) لم يكن قد تسلم مقاليد الدولة الإسلامية، إلا أن المقارنة من بعض الوجوه ممكنة في حدود تعاطي الإمام الحسين (عليه السلام) مع بعض تلك المبادئ من خلال حركته الثورية الإصلاحية التي قام بها ضد الوضع الفاسد الذي كان متفشيا في الدولة الإسلامية حينها بما يهدد الإسلام برمته.
فعلى صعيد المساهمة في حركة التغيير لم يكن الإمام الحسين (عليه السلام) قد قصر تلك الحركة على فئة دون فئة من الناس، وإنما أشرك فيها الناس على اختلاف فئاتهم، بغض النظر عن دينهم، أو مذهبهم، أو الرأي السياسي، أو الجنس، أو اللغة...إلخ.
لقد ساهم في حركته الرجل والمرأة فكانت هناك الشهيدات بين يديه، والأبيض والأسود وما جون مولى أبي ذر رضوان الله عليهما ذو اللون الأسود إلا دليل على ذلك، وكان المسلم والنصراني فقد كان وهب شاب نصراني حديث عهد بالزواج استشهد مع الإمام الحسين (عليه السلام)، كان هناك التركي إلى جانب العربي، "ثم خرج غلام تركي مبارز، وكان قارئا للقرآن عارف بالعربية، فقتل جماعة، فتحاشوه فصرعوه، فجاء الحسين (عليه السلام) فبكى ووضع خده على خده، ففتح عينيه ورآه فتبسم، ثم صار إلى ربه"(20)، وكان اسمه أسلم بن عمرو، كما شارك معه من كان على هوى أبيه علي ابن أبي طالب (عليه السلام)، ومن كان على هوى غيره ـ الاختلاف في الرأي السياسي ـ كزهير بن القين (رض)، الذي كان على هوى عثمان بن عفان.
فالإمام الحسين (عليه السلام) لم يكن قد استبعد شخصا من تلك الفئات المختلفة يناء على مذهبه السياسي، أو الديني، أو لونه، أو قوميته، كما لم يقرب آخرا منه بناء على ما تقدم من الأسباب فيما لو كان متحدا معه فيها.
ولكن الواقع العالمي هل يكشف لنا صحة تلك المبادئ التي وردت في المادة المذكورة؟
 فالواقع المعاصر يكشف بما لا خلاف فيه عن أن تلك المبادئ وأمثالها لم تكن تعدو كونها حبرا على ورق في ظل السياسات الداخلية، والدولية متعددة المعايير، والأسس، تلك الازدواجية التي تكشفت، ووصلت ذروتها بعد الأحداث الدامية التي طالت الولايات المتحدة الأمريكية في الحادي عشر من أيلول ـ سبتمبر ـ 2001.
حق الحياة والأمن الشخصي:
تناولت المادة الثالثة من الإعلان حق الحياة، والأمن الشخصي قائلة "لكل شخص الحق في الحياة، والحرية، وأمنه الشخصي".
ليس هناك شيء وهبه الله تعالى للإنسان أقدس ولا أثمن من الحياة، ولذا كان حق الحياة أمرا مقدسا في الشريعة الإسلامية. ولكن لا قيمة للحياة ما لم تتكلل بالأمن اللازم لأن يعيش الإنسان أسبابها بالقدر الذي يهبه الاستقرار المطلوب للإنسان كيما يقوم بأداء وظيفته في الأرض، وظيفة الاستخلاف.
 "فالحفاظ على الحياة، وعلى العقل... وعلى الحرية، وعلى المشاركة في الشؤون العامة ـ بالشورى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ الخ.. الخ ليست مجرد حقوق للإنسان يباح له أن يتنازل عن أي منها إذا هو أراد، وإنما هي ـ جميعها ـ فرائض إلهية، وتكاليف شرعية، وضرورات واجبة، وحتى ما تفرع عنها، وما استلزمت إقامته من الضرورات المدنية، فإنها تكتسب وجوبها الشرعي من لزومها لإقامة العمران الدنيوي الذي بدونه لا قيام لنظام الدين"(21).
من هذا المنطلق تجد الإمام الحسين (عليه السلام) كان قد دافع عن حقه في الحياة في قبال الموت الذي أراده له النظام الحاكم آنذاك، فلو أن الإمام الحسين (عليه السلام) كان قد وضع يده بيد الظالم حينها لكان في ذلك موته، فيزيد كان يريد له العبودية، والرق، كما يريد ذلك للناس، ولكنه يعلم أن العبودية إنما هي موت لذا تجده يصف تلك الحالة بالقول: "ألا وإن الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلة والذلة، وهيهات له ذلك مني، هيهات منا الذلة، أبى الله ذلك لنا، ورسوله، والمؤمنون، وحجور طهرت، وجدود طابت، أن يؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام"(22).
وقال أيضا: ولا أقر إقرار العبيد.
لقد رفض الإمام وضع يده بيد يزيد، والتنازل عن حريته لأن الدين الإسلامي قد اعتبر "الرق بمثابة الموت، واعتبر الحرية إحياء، وحياة، فعتق الرقبة، أي تحرير الرقيق هو إخراج له من الموت الحكمي إلى حكم الحياة، وهذا هو الذي جعل عتق الرقبة ـ إحياءها ـ كفارة للقتل الخطأ، الذي أخرج به القاتل نفسا من إطار الأحياء إلى عدادا الأموات، فكان عليه، كفارة عن ذلك، أن يعيد الحياة إلى رقيق بالعتق، والتحرير"(23).
فإذا كان رضوخ الإنسان للرق بمثابة موت وتنازل عن حق الحياة، فكيف يمكن أن يقبل للإنسان في الإسلام التنازل عن حياته الحقيقية؟
 عليه نجد أن الإمام الحسين (عليه السلام) جسد تقديسه للحياة عمليا في كربلاء حيث لم يرض من نفسه أن يموت ميتة ذليلة. فكان دفاعه ذلك عن حق الحياة، وعن الحق في الأمن الشخصي، والاجتماعي، فقد جنيت ثمار حركته الإصلاحية ببث روح الوعي بين المسلمين بحيث لم يعودوا قادرين على السكوت على تلك الانتهاكات الفظيعة، فتوالت الثورات التي اقتدت بثورته (عليه السلام).
يجدر بالذكر إن المادة الرابعة قد تناولت مسألة الرق بنوع من التفصيل، وتجارة الرقيق التي حاربها الدين الإسلامي بصورة تدريجية، وقد تمت مناقشة هذه المسألة قبل قليل وكيف اعتبر الإسلام الرق، والإقرار به بمثابة الموت.
أحكام القضاء، وحقوق السجين:
تضمن المواد من: 5 - 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حقوق الإنسان فيما يتعلق بموقفه أمام القانون، والعدالة القضائية، وحقوق المتهم وغير ذلك من الحقوق التي تجب مراعاتها.
فالمادة الخامسة تناولت عدم جواز تعرض الإنسان إلى التعذيب، والقسوة، والعقاب. والمادة السادسة تناولت موضوع الشخصية القانونية التي يجب أن يعترف القانون بها للإنسان. وكان موضوع المادة السابعة المساواة أمام القانون بين الناس بغض النظر عن انتمائهم. وأوردت المادة الثامنة حق الإنسان اللجوء إلى المحاكم المختصة لإنصافه فيما له من الحقوق قبال الدولة، أو الأفراد الآخرين. ومنعت المادة التاسعة الإقدام على اعتقال أي إنسان، واحتجازه احتجازا تعسفيا بدون مبرر لذلك الاحتجاز، والاعتقال. وأعطت المادة العاشرة الحق لكل إنسان في محاكمة عادلة وفق القانون. أما المادة الحادية العشرة فقد تناولت تفاصيل حقوق المتهم، وكونه بريء حتى تثبت إدانته، وحقه في الدفاع عن نفسه، وكذلك تناسب العقوبة مع حجم الجرم المرتكب.
أما عدم جواز تعرض الإنسان إلى القسوة، والتعذيب فقد تجسدت بالرفق الذي كان الإمام الحسين (عليه السلام) يدعو إليه نظريا، وعمليا فمن الأولى قوله (عليه السلام): "من أحجم عن الرأي وعييت به الحيل كان الرفق مفتاحه"(24). وتجسد الثاني ـ الرفق العملي ـ بسقايته لجيش الحر بن يزيد الرياحي، وخيلهم على الرغم من أنهم إنما جاءوا ليجعجعوا به وينزلوه في كربلاء، كما وتجسد ذلك ببكائه في كربلاء وهو ينظر إلى جيش عمر بن سعد ابن أبي وقاص، وجوابه لأخته زينب حين سألت عن سبب بكاءه بأنه إنما يبكي لهؤلاء القوم لأنهم سيدخلون النار بسببي، فأي رفق هذا؟
 أما الاعتراف بالشخصية للآخرين فكيف لا يقر بذلك من يقدم روحه، وأهل بيته ضحايا لإنقاذ الناس من ظلم الطغاة؟ أما المساواة التي وردت في المادة فقد تقدم الحديث عن مبدأ المساواة عند الإمام الحسين (عليه السلام). وأما المحاكمات العادلة فإن الهدف الذي حدده الإمام الحسين (عليه السلام) لحركته كاف في إشارته لذلك حين كان يقول: "اللهم إنك تعلم إنه لم يكن ما كان منا تنافسا في سلطان، ولا التماسا من فضول الحطام، ولكن لنرى المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويعمل بفرائضك وسنتك وأحكامك.."(25).

 

المنعة بين الإعلان والإمام:

المنعة اصطلاح قانوني يطلق عادة للإشارة إلى الحصانة التي يمنحها القانون للمنزل، وللمكالمات، والمراسلات، وغير ذلك من الأمور التي يجريها الإنسان. فالأصل في ذلك أن الإنسان حر في ممارسة هذا النوع من الحريات، "حرية السكن وحرمته، وحرية المراسلات. كما تدخل فيها الحريات العائلية"(26)، بعيدا عن رقابة الآخرين ـ الدولة، أو الجهات، أو الأفراد ـ ما لم تكن هناك ضرورة أمنية، أو قانونية لممارسة رقابة استثنائية على تلك الممارسات، كإن تمس بالأمن العام، أو أمن الأفراد.
 "إن السكن كعنصر أساسي في حماية الحياة العائلية، والفردية يمكن اختياره، واستعماله بحرية من جهة، واعتباره حصينا inviolalble من جهة أخرى، وفيه يرى الفقهاء مظهرين للحرية الفردية، ولها قيمة دستورية، طالما أن الحق في حصانة المسكن مقرر في معظم دساتير الدول. وأن كثيرا من الدول باستثناء الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة تقرر جزاءات جنائية على انتهاك حرمة السكن... وحرمة السكن لم تحمها القوانين، والدساتير فحسب، بل إن الاتفاقات الدولية، وإعلانات حقوق الإنسان قد أشارت لهذه الحماية"(27)، كما هي الحال بالنسبة للمادة الثانية عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي نصت على التالي: "يجب ألا يتعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة، أو أسرته، أو منزله، أو رسائله، ولا لأية هجمات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون ضد مثل هذا التدخل، أو الهجمات".
هذه الحقوق الشخصية دعا إليها الدين الإسلامي، وأكد على حمايتها من الانتهاك من خلال وضع عقوبات جزائية على من ينتهك مثل هذه الحقوق، والحريات الشخصية كما ودعا إليها الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء، مؤكدا على حرمتها لا بالاستناد إلى الشرع فحسب، وإنما بالاستدلال عليها بالأعراف، والتقاليد لمختلف الناس، ومذاهبهم بما يدل على أن هذا النوع من الحقوق إنما هو مما يتناسب مع الفطرة الإنسانية، بغض النظر عن إقرار الشرائع، والقوانين لها، وعدم إقرارها.
لقد رفع الإمام الحسين (عليه السلام) صوته في كربلاء معلنا حرمة هذا النوع من الحقوق الشخصية حين خاطب جيش عمر ابن سعد داعيا إياهم بالعودة إلى نداء الفطرة وإلى الأعراف، والعادات، والتقاليد العربية إن كانوا حقا ينتسبون إلى القومية العربية التي تحرم أعرافها انتهاك هذا النوع من الحريات، والحقوق، بل وتعتبر ذلك من أشنع الأمور التي تلصق بمن يمارس الانتهاك عارا يعقبه حتى في ذريته.
فقد صاح الإمام الحسين (عليه السلام) بهم: "ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم هذه، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون فناداه شمر ما تقول يا ابن فاطمة؟
 قال أقول: أنا الذي أقاتلكم، وتقاتلوني، والنساء ليس عليهن جناح، فامنعوا عتاتكم، وطغاتكم عن التعرض لحرمي"(28).
ثم أن غيرة الإمام الحسين (عليه السلام) لم تكن لتسمح له بمشاهدة هذا المنظر الذي يندى له جبين الإنسانية لذا قال لهم: "رحلي لكم عن ساعة مباح، فامنعوه جهالكم، وطغاتكم، وكونوا في الدنيا أحرارا إن لم يكن لكم دين"(29).
حرية الحركة والإقامة في أي مكان:
تناولت المادة (13) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مسألة المحل الذي يتخذه الإنسان للإقامة فيه، وحرية التنقل له أين، ومتى شاء من خلال النص التالي:
 "1ـ لكل شخص الحق في حرية الحركة والإقامة في حدود كل دولة.
2ـ لكل شخص الحق في مغادرة أية دولة بما فيها دولته، وأن يعود إلى دولته".
المشكلة التي يعاني منها الآن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو أنه فاقد لعنصر الإلزام اللازم لكل قاعدة قانونية لكي يضفي عليها الصفة القانونية، كي يمكن التعامل معها على أنها قانون يترتب عليه جزاء، أو تعويض عند الاختراق والمخالفة. وفقدان عنصر الإلزام هو الذي أفقد الإعلان العالمي تلك الهيبة التي تلزم من يخضع لقواعده ضرورة الانصياع لأحكامه وتطبيقها. خلاصة القول هي أن الإعلان العالمي لم تكن قواعده لتعدو حدود الورق في أغلب الأحيان، وقلما يخلو بلد من بلدان العالم لانتهاكات قواعده، إن لم يكن ذلك تجاه مواطنيه، فإزاء الأجانب، أو الأقليات على أقل التقديرات.
في قبال ذلك تجد في الإسلام اقتران التشريع بالعمل، والإلزام فيما يتعلق بحقوق الناس، والنظام العام وهو ما أضفى على مبادئ حقوق الإنسان الهيبة اللازمة. على أنه إذا كانت هناك انتهاكات قد سجلت في بعض مراحل التاريخ فإن ذلك لا يمكن حسابه على الإسلام في شيء، وذلك للانحراف الكبير الذي حصل بعد دولة الرسول (صلى الله عليه وآله)، ودولة الإمام علي (عليه السلام).
ثم إن ما أكسب مبادئ حقوق الإنسان في الإسلام تلك الدروس العملية التي قام بها البعض، والتي ضحوا بأنفسهم من أجل إقامتها، كتلك الدروس العملية التي قدمها لنا الإمام الحسين (عليه السلام)، فكان لها ـ على مر العصور ـ أبلغ الأثر في النفوس، لا في نفوس المسلمين حسب، بل في نفوس غير المسلمين الذين لم يعودوا قادرين على إخفاء إعجابهم بتلك الدروس العملية، كما أثر عن محرر الهند المهاتما غاندي قوله: "تعلمت من الحسين بن علي كيف أكون مظلوما فأنتصر".
ففي مجال حق الإنسان في اختيار المحل الذي يناسبه من أرض الله الواسعة، وحرية التنقل فيها، كان للإمام الحسين (عليه السلام) دوره في الدعوة العملية إليها.
فعلى الرغم مما أشار به البعض من أصحاب الإمام عليه بأن يتوجه إلى جبال اليمن فإنه أبى ذلك ليس حبا في القتال، ولا إلقاء لنفسه في التهلكة كما يحلو للبعض تسميته، بل من منطلق وعيه السياسي الذي أدرك من خلاله بأن يزيدا ليس بتاركه ما لم ينزل على حكمه، ويمد يده له بالبيعة.
وفعلا تحقق ذلك حيث أمر يزيد بن معاوية أزلامه بأن يقتلوا الإمام الحسين (عليه السلام) وإن كان متعلقا بأستار الكعبة، فهل سترد جبال اليمن بأس أولئك الطغاة عنه يا ترى؟
 شبهة:
قد يعترض البعض على ذلك بالقول إذا كان الأمر كذلك فلماذا دعا الإمام (عليه السلام)إلى مثل هذا الحق ـ حقه بالرجوع أو اختيار المحل المناسب ـ ما دام يعلم بأنهم ليسوا بتاركيه؟
 لقد دعا الإمام الحسين (عليه السلام) ـ مع علمه بعدم الإجابة ـ إلى ذلك لثلاثة أسباب:
1ـ لفت أنظار العالم عامة، والمسلمين خاصة بأن اختيار الإنسان لمحل سكناه، وحريته في التحرك، إنما هي من حقوق الإنسان الأساسية التي لا يحق للآخرين انتزاعها منه.
2ـ لإتمام الحجة على قاتليه: فالتاريخ محكمة تحاكم الناس على أفعالهم مهما طال الزمن، ولحتمال لجوء هؤلاء القتلة بالتحجج بأن الإمام الحسين (عليه السلام) لم يكن قد طالب بحقه هذا وإلا لكانوا أجابوه حينها. لذا تجد الإمام (عليه السلام) قد سد عليهم هذا الباب الذي قد تلتمس الأجيال من خلاله العذر لقتلة الإمام بالمطالبة بهذا الحق الأساسي.
فقد ورد في التاريخ أنه (عليه السلام) لما "أرهقه السلاح، أو أخذ له السلاح قال: ألا تقبلون مني ما كان رسول الله يقبل من المشركين؟
 قالوا: ما كان رسول الله يقبل من المشركين؟
 قال: إذا جنح أحدهم قبل منه.
قالوا: لا.
قال: فدعوني أرجع؟
 قالوا لا.
قال: فدعوني آتي أمير المؤمنين، فأخذ له رجل السلاح، فقال له: أبشر بالنار..."(30).
 3ـ لكشف زيف الحكومة اليزيدية الطاغية التي لا تعترف بأبسط حقوق الإنسان الأساسية، حيث الأرض لله، وما البشر فيها سوى خلفاء، وضيوف، والحال أن الخليفة يجب أن يسر وفق تعليمات من استخلفه.
أحكام الهوية والانتماء:
يعد الإنسان كائنا مدنيا بالطبع، أي أن الله أودع في فطرته الميل نحو العيش في مجموعة، وينفر من العزلة، وليس هناك من بني البشر من يميل إلى العزلة غير أولئك الذين يعانون من اضطرابات نفسية تملي عليهم الانعزال عن بني جلدتهم من بني البشر الآخرين.
فالإنسان لا يحس بالأمن والاطمئنان ما لم يعيش في كنف جماعة معينة، لذا كان الانتماء إلى جماعة معينة من حقوق الإنسان التي كفلتها الشرائع، والسنن، والقوانين تلبية لنداء الفطرة الإنسانية الذي يلح في طلب الانتماء، والهوية. ثم إن تعقد أمور الحياة البشرية، وزرع الحدود الجغرافية بين البلدان دعا إلى أن تسن القوانين، والنظم الخاصة بهذا الحق فكانت قوانين الجنسية، التي أشارت إليها المادة الخامسة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان موضوع البحث. فلقد نصت المادة المذكورة على التالي:
 "1ـ لكل شخص الحق في جنسية.
2ـ يجب ألا يحرم أي شخص من جنسيته بشكل تعسفي، أو ينكر حقه في تغيير جنسيته".
لقد كلف هذا الحق الإمام الحسين (عليه السلام) غاليا في دعوته إليه في حركته الإصلاحية التي قدم فيها نفسه، فضلا عن أهل بيته، وأصحابه. لقد تمثل الثمن الذي قدمه الإمام الحسين (عليه السلام) من أجل إثبات هذا الحق مسير أخته، وأهله سبايا من بلد إلى آخر، ودخولهم مجالس الطغاة في كل من الكوفة والشام، إلا أن الإمام (عليه السلام) آثر التضحية ما دام الهدف كبيرا.
لقد أدرك الإمام الحسين (عليه السلام) بأنه، وبعد أن يستشهد في حركته سوف يعمل الطغاة على سلب انتمائه، وأصحابه، كيما يشوهوا الهدف الذي من أجله خرج.
وفعلا حدث ذلك حين بدأت السلطات الطاغية آنذاك تبث بين الناس أن هؤلاء ـ الحسين، وأهل بيته، وأصحابه ـ إنما هم أناس خوارج، خرجوا عن الإسلام، وخرجوا على الأمير فمكن الله الأمير منهم، وهذا يعد في الاصطلاح القانوني، والسياسي الحديثين بمثابة سحب الجنسية التي هي حق من حقوق الإنسان الأساسية التي لا يجب سحبها عن الإنسان بحال، أو تجريدها منه.
لذلك آثر الإمام الحسين (عليه السلام) اصطحاب أهله معه على الرغم من المعارضات التي واجهها من قبل الآخرين، والتي طالبته بعدم اصطحابهم معه، ولكنه أصر على ذلك فأصاب بذلك هدفين اثنين هما:
1ـ إعلان أهمية هذا الحق ـ حق الانتماء، والهوية ـ أمام المسلمين والذي لا يفترض بالإنسان التخلي عنه، إذ أن حقوق الإنسان كان الإسلام قد ارتقى بها إلى درجة الفرائض، والتكاليف الإلهية التي لا يحق للإنسان التخلي، والتنازل عنها، مهما كانت الظروف، ولو كان ذلك التخلي بمحض إرادة الإنسان، واختياره.
2ـ كشف الإمام (عليه السلام) عن طريق أخته السيدة زينب (عليها السلام)، وأهل بيته الآخرين زيف السلطة الأموية التي كانت تتستر بالإسلام في حين كانت ـ من خلال ممارساتها، وانتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان ـ بعيدة كل البعد عما تتستر به، بحيث كانت تتعامل مع الشعب على أنه رق لها، وأنه لا رأي إلا الرأي الحاكم، ولا هامش للحرية في سياستها، فمن لم يكن من أبناء الشعب مع السلطة، ومؤيد لها فهو عدو لها بالضرورة، لذا يستباح دمه، ويصفى جسديا، أو فكريا. وهذا ما تنبه له الإمام الحسين، ففوت الفرصة على النظام الحاكم في بلوغ ذلك الهدف، من خلال اصطحاب عائلته معه إلى كربلاء، حيث أوكل لأخته السيدة زينب (عليها السلام) مهمة إكمال ما بدأه من حركة إصلاحية، وإجهاض المؤامرة الحكومية لتجريد الثورة، وأصحابها من مبادئها الأساسية، الإنسانية التي من أجلها نهض الإمام الحسين (عليه السلام)، وقتل.
الأسرة:
من حقوق الإنسان الأساسية التي تناولها الإعلان العالمي حقوق الأسرة، باعتبار أن تأسيسها الهدف المشروع الذي من حق كل إنسان السعي نحوه، وبلوغه، وممارسته، كيما يحصل على الأمن، والأمان، والسكن الذي توفره له هذه المؤسسة الاجتماعية الهامة، ونظرا لأهمية هذه المؤسسة تجد الإعلان العالمي قد أورد أحكامها باعتبارها من حقوق الإنسان التي يتوجب على الدول، والحكومات، والمجتمعات الدولية، والهيئات غير الحكومية السعي بجد من أجل تنظيم أحكام هذه المؤسسة.
لقد تناول الإعلان موضوع الأسرة في المادة السادسة عشرة منه بالنص على أنه:
 "1ـ للرجال، والنساء في سن الرشد بدون أي تحديد بسبب العنصر، أو الجنسية، أو الدين الحق في الزواج، وفي تأسيس أسرة. ولهم الحق في حقوق متساوية فيما يتعلق بالزواج، وخلال الزواج، وعند إنهائه.
2ـ يجب ألا يتم الزواج إلا بالموافقة الحرة، والتامة للزوجين المعنيين.
3ـ الأسرة هي وحدة المجموعة الطبيعية، والأساسية للمجتمع، لها الحق في الحماية من المجتمع والدولة".
من القضايا التي طالما كانت هدفا لسهام مناوئي الإسلام قضية الأسرة، والمرأة، والعلاقة الأسرية، حيث يتهم هؤلاء الدين الإسلامي بأنه الدين الذي يصادر حرية المرأة. فالمرأة من وجهة نظر هؤلاء تعيش على هامش الحياة، وعليه فالدين الإسلامي هو ـ كما يرون ـ دين رجولي.
إن هذه النظرة التحكمية، والصورة النمطية التي رسمها هؤلاء للدين الإسلامي تحمل إن حسن الظن بها على أنها قد كونت من خلال الرؤية للواقع المزري الذي يعيشه المسلمون ـ غالبا ـ من حيث التعامل مع المرأة، حيث الاضطهاد، والنظرة الفوقية التي ينظر الرجل من خلالها نحو المرأة. ولكن هذا خطأ منهجي كبير، فمن غير المعقول، وغير العلمي الحكم على نظرية ما من خلال تطبيقاتها على أرض الواقع، والانطلاق منه إلى النظرية، إنما المنهج العلمي في هذا النوع من البحث، والدراسة يفترض أن يتخذ الطريق المعاكس، أي يجب أن يكون الانطلاق من النظرية باتجاه الواقع، فيكون الحكم على الواقع، والتطبيقات عن طريق دراسة النظرية نفسها، أي أن النظرية هي التي تحكم على الواقع بالصحة، والبطلان لا العكس.
والحال كيف يمكن الحكم على الإسلام بمصادرة حقوق المرأة، وتهميش دورها، والحال أن التاريخ يكشف لنا عن الأدوار الهامة التي عبأت بها المرأة المسلمة خلال الأدوار التاريخية التي مر بها الإسلام؟
 فلو أن الآخرين ـ مسلمين وغيرهم ـ ممن لم يفهموا الإسلام كانوا قد قرأوا التاريخ ولو قراءة بسيطة ساذجة لما أمكنهم الحكم على الدين الإسلامي بمثل هذه الأحكام الجزافية، التي تخالف الحقيقة كل الخلاف.
فالإمام الحسين (عليه السلام) كان من الذين عملوا على تركيز حق المرأة في المشاركة في الأمور الهامة التي تتعلق بالدولة الإسلامية، فضلا عن دورها الريادي في الأسرة. لقد أوكل الإمام (عليه السلام) لأخته دورا من أعظم الأدوار، والذي يتوقف عليه مسار الحركة الإصلاحية التي قام بها الإمام الحسين (عليه السلام) لحفظ الإسلام من الضياع، وبالتالي كان الدور الذي أوكل للسيدة زينب (عليها السلام) يتوقف عليه حفظ الدين الإسلامي برمته.
فلو كان الإسلام، والإمام الحسين (عليه السلام) ينظر إلى المرأة تلك النظرة الدونية، لما أمكن الثقة بالمرأة، وإعطائها مثل هذا الدور الخطير. ذلك الدور الذي تركز على حفظ مبادئ الثورة الحسينية أولا، ثم التركيز على حفظ، وحماية الشخص الذي سيتولى القيادة الدينية بعد الإمام الحسين (عليه السلام)، وتولي منصب الإمامة، أعني به الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)، الذي شاء الله أن يبتلى بالمرض في كربلاء، فسلم حينها من أن يناله الجيش الباغي بالقتل.
لقد قامت السيدة زينب (عليها السلام) بأعباء تلك المهمة على أكمل وجه يمكن أن يقوم به إنسان، بل يعجز إنسان، أي إنسان عن أداء مثل هذا الدور القيادي الهام.
فالإسلام، والقائمون عليه لا زالوا يفخرون بذلك الإنجاز العظيم الذي حققته المرأة ـ السيدة زينب (عليها السلام) ـ في هذا الميدان، ولو أن الإسلام يوهن المرأة، ويضعف دورها، ويصادر حقوقها، لما كان يفخر، ولا زال بحفظ الرجل الإمام من يد الأعداء بعد معركة الطف، وسوق أهل البيت (عليهم السلام) كما تساق سبايا الأمم المحاربة للدين الإسلامي.
خلاصة القول كان الإمام الحسين (عليه السلام)، والإمام زين العابدين كذلك، قد سلما القيادة في تلك الفترة إلى السيدة زينب، فحين خطبت السيدة زينب (عليها السلام) خطبتها في أهل الكوفة حين أدخلوا أهل البيت سبايا للكوفة التفت إليها الإمام زين العابدين (عليه السلام) قائلا: "يا عمة... أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، فهمة غير مفهمة"(31).

 

حق الملكية:

تناولت المادة (17) من الإعلان العالمي حق الملكية، الفردية، وغيرها واعتبرته من حقوق الإنسان التي تجب صيانتها، وعدم التعرض لها بالانتهاك وذلك من خلال النص التالي:
 "1ـ لكل شخص الحق في أن تكون له ملكية خاصة به وحده، وكذلك بالإتحاد مع آخرين.
2ـ يجب ألا يحرم أحد من ملكيته بطرقة تعسفية".
على الرغم من إقرار الإعلان العالمي لهذا الحق الذي يعد من افرازات العالم الغربي إلا أن النظريات الاقتصادية ـ التي تنازعت العالم الغربي فيما يتعلق بالنظام الاقتصادي، وما يتضمنه من حق الملكية ـ لم تكن قد أمنت النظام بخصوص هذا الحق. فالنظام الاشتراكي ـ على سبيل المثال صادر حق الفرد في الملكية، وأوجد بدله ملكية الدولة لوسائل الإنتاج، وغيرها بما قتل الحافز في نفس الفرد نحو العمل ما دام الفرد يعمل، والدولة تصادر ذلك.
أما النظام الرأسمالي فقد أطلق حرية الفرد بلا حدود في هذا المجال، ونصب من الدولة حارسا على تلك الحرية التي باتت تعمل من منطلق الأثرة، وحب الذات بما ساهم في نشوء طبقة رأسمالية قليلة تسحق من يقف في طريقها تحت ستار الحرية الفردية.
في مقابل ذلك لم يكن الدين الإسلامي قد أسس لهذا النوع من الملكية، أو ذاك وإنما حفز الإنسان على العمل والتملك ولكن مع مراعاة التعاليم، والأخلاق الإسلامية التي تمنع الاحتكار، وتعتبر المادة وسيلة لا غاية يسعى إليها الفرد، لذلك وضعت الشروط اللازمة فيما يتعلق بالعمل، والملكية.
ففيما يخص طلب الرزق يقول الإمام الحسين (عليه السلام): "يا هذا لا تجاهد في الرزق جهاد المغالب، ولا تتكل على القدر اتكال مستسلم، فإن ابتغاء الرزق من السنة، والإجمال بالطلب من العفة، وليست العفة بمانعة رزقا، ولا الحرص بجالب فضلا، وإن الرزق مقسوم، والأجل محتوم، واستعمال الحرص طالب المأثم"(32).
فالملكية يفترض أن تكون وسيلة للإنسان، لا غاية لذا يقول الإمام الحسين (عليه السلام): "مالك إن يكن لك كنت له منفقا، فلا تبقه بعدك فيكن ذخيرة لغيرك، وتكون أنت المطالب به المأخوذ بحسابه، واعلم أنك لا تبقى له، ولا يبقى عليك، فكله قبل أن يأكلك"(33).
حرية الرأي والاعتقاد:
اختصت المادتان (18)، (19) من الإعلان مجموعة من الحريات فيما يتعلق بالفكر، والاعتقاد، وممارسة الإنسان لشعائره وطقوسه الدينية، وغير ذلك من الحقوق كالتالي:
المادة (18): "لكل شخص الحق في حرية الفكر، والضمير، والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير دينه، أو عقيدته. والحرية إما بمفرده، أو باشتراك مع آخرين، وعلنا أو بمعزل، وأن يظهر دينه أو عقيدته بالتدريس، والممارسة، والعبادة، وأداء الشعائر.
المادة(19): "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق الحرية في اعتناق الآراء بدون تدخل، وأن يطلب ويتلقى معلومات، وأفكار عن طريق أية وسائط بغض النظر عن الحدود".
يرى البعض بأن الإسلام هو دين بعيد عن الديمقراطية، والفرد فيه محيد تماما، فليس عليه غير التلقي، لذا ينعتون الإسلام بالديكتاتورية. ثم إنهم يزعمون بأنه على فرض التسليم بدعوة الدين الإسلامي لنظام الشورى، إلا أن تلك الشورى إنما هي في حقيقتها شورى صورية، شكليه فقط لا حقيقية، مستدلين على ذلك بذيل آية الشورى نفسها الذي يقول: (فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين)(34).
ولكن الذي يستظهره أغلب العلماء من الآية الكريمة هو أنه "إذا عزمت بعد المشاورة في الأمر على إمضاء ما ترجحه الشورى، وأعددت له عدته، فتوكل على الله في إمضاءه، وكن واثقا بمعونته، وتأييده لك فيه، وهو الرأي الأظهر يدعمه في ذلك سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) في بدر وأحد"(35).
فالإسلام يرتفع بالرأي الآخر إلى حد الواجب فيما لو توفرت شروطه التي لا تقود الإنسان إلى التهلكة دون أن يثمر عمله شيئا يذكر. كما إنه يعتبر الرأي الآخر حق من حقوق الإنسان، لذا تجد الإمام الحسين (عليه السلام) يقول في ذلك: "من رأى سلطانا..."(36).
كما يقول: "كان لا يحل لعين مؤمنة ترى الله يعصى، فتطرق حتى تغيره"(37).
ويقول (عليه السلام) في النتائج التي يؤدي إليها التهاون في أداء هذا الواجب، وممارسة حرية الرأي: ".. وما سلبتم ذلك إلا بتفرقكم عن الحق، واختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة، ولو صبرتم على الأذى وتحملتم المؤونة في ذات الله كانت أمور الله عليكم ترد، وعنكم تصدر، وإليكم ترجع، ولكنكم مكنتم الظلمة من منزلتكم، وأسلمتم أمور الله في أيديهم يعملون بالشبهات.. سلطهم على ذلك فراركم من الموت، وإعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم، فأسلمتم الضعفاء في أيديهم، فمن بين مستعبد مقهور، وبين مستضعف على معيشته مغلوب، يتقلبون في الملك يآرائهم، ويستشعرون الخزي بأهوائهم.."(38).
الإكراه على الانتماء الجهوي:
تنص المادة (20) من الإعلان العالمي على:
 "1ـ لكل إنسان الحق في حرية الاجتماع السلمي وتكوين الجمعيات.
2ـ يجب ألا يجبر أحد على الانتماء إلى أي اتحاد".
الاستقلالية هي حق من حقوق الإنسان التي لا يفترض انتزاعها منه فيما لو رام التزام الحياد إزاء موقف أو سياسة معينة، لقد كشف الإمام الحسين (عليه السلام) عن ضرورة أن يتمتع الإنسان بالحرية، وأن يمارسها في شؤون حياته المختلفة، وأن لا يتنازل عنها، وأن لا ينصاع للضغوط التي تمارس ضد الإنسان بغية جره إلى جهة معينة، بغرض تحقيق مكاسب مختلفة، سياسية وغيرها.
لقد أعلنها الإمام الحسين (عليه السلام) مرارا، وبصراحة لا تشوبها مواربة، أو شك: كونوا أحرارا في دنياكم. وقال أيضا حين أريد إجباره على البيعة ليزيد، والنزول عند حكمه في مقابل السلامة: "ويزيد رجل فاسق، شارب خمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع لمثله"(39).

 

المشاركة السياسية:

تناول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته الحادية والعشرين حق الفرد في المشاركة في الأمور السياسية للبلد التي ينتمي إليها، سواء أكان ناخبا، أم منتخبا، إذ تنص المادة المذكورة على التالي:
 "1ـ لكل شخص الحق في أن يشترك في حكومة بلده مباشرة، أو عن طريق ممثلين مختارين بحرية.
2ـ لكل شخص الحق في الدخول بشكل متساو إلى الخدمة العامة في بلده.
3ـ سوف تكون إرادة الشعب هي أساس سلطة الحكومة، وهذه الإرادة سوف يتم التعبير عنها في انتخابات دورية وحقيقية، وتكون بواسطة اقتراع عام ومتساو، وسوف تجري بواسطة تصويت سري، أو إجراءات تصويت حرة متساو".
أكد الإمام الحسين (عليه السلام) على ضرورة مشاركة الفرد في الحياة السياسية لبلاده، وعدم التخلي عن ممارسة تلك الوظيفة لئلا يترك المجال لأولئك النفعيين للتسلط على رقاب الناس، والتحكم بهم وبمصائرهم، واللعب بمقدرات الناس.
إن المظالم حسب رأي الإمام الحسين (عليه السلام) لم تأت إلا من قبل تخلي الناس عن ممارسة دورهم في مراقبة الحكام، والاشتراك في الحياة السياسية. يقول الإمام الحسين (عليه السلام): "فالأرض لهم شاغرة، وأيديهم فيها مبسوطة، والناس لهم خول، لا يدفعون يد لامس، فمن بين جبار عنيد، وذي سطوة على الضعفة شديد. مطاع لا يعرف المُبدأ والمعيد.."(40).
فلولا ضعف الرأي العام لما أقدمت الحكومات المتعاقبة على التجرؤ على آل رسول الله والتنكيل بهم، وتقتيلهم، هذا الانحراف الخطير الذي حرف مجرى الدولة الإسلامية بما أنذرها بالفناء لولا دم الإمام الحسين (عليه السلام) الذي أيقض الرأي العام من سباته ليمارس دوره في مراقبة الحكام، ومحاسبتهم، والثورة عليهم عند اليأس من الصلاح.

 

الضمان الاجتماعي:

نص الإعلان في مادته الثانية والعشرين على: "لكل شخص، باعتباره عضوا في المجتمع، الحق في التأمين الاجتماعي، وله الحق في تحقيق، عن طريق جهد وطني وتعاون دولي، ووفقا لتنظيم وموارد كل دولة، الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية التي لا غنى عنها لكرامته، والنمو الحر لشخصيته".
سبقت الإشارة إلى أن الإنسان كائن اجتماعي بالطبع، وإنه لا يستطيع العيش خارج إطار الجماعة. بالإضافة لذلك لا يمكن للإنسان أن يعيش بمعزل عن تجارب الآخرين، وما المسيرة البشرية التكاملية سوى نتاج لتلاقح الأفكار بين بني البشر، هذا العيش الجماعي يفرض على البشر ضرورة التكافل فيما بينهم لحاجة كل منهم للآخر، كما إنه يقع على عاتق الدولة باعتبارها القائمة على تسيير شؤون جماعة معينة وضع الموارد التي تتمتع بها الدولة في خدمة أبناء الشعب، وتأمين الحاجات الضرورية لهم تمهيدا لتفتق مواهبهم، ومساهمتهم في بناء الدولة، ودفع عجلة تنميتها إلى الأمام.
إن هذا التكافل، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية إنما هي حقوق للإنسان تفرض على الدولة والأفراد مراعاتها، وصيانتها، لذا تجد الإمام الحسين (عليه السلام) يشارك أهله في ممارسة هذا الدور، وإيثار المسكين، واليتيم، والأسير على نفسه في القصة المعروفة التي نذرت فيها السيدة فاطمة الزهراء بنت محمد ـ عليهما السلام ـ صوما لشفاء الحسنين، فكان الإمام الحسين (عليه السلام) مصداقا لقوله تعالى في هذا التضامن، والتكافل الاجتماعي: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نظرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا)(41).
أما الحق الثقافي فإن الدين الذي ارتقى بالعلم إلى مرتبة الواجب أحرى أن يحث على الحق الثقافي كحق من الحقوق المتاحة للإنسان دون أن يكون هناك حاجز ما يحول بينه وبينها، اللهم إلا أن يكون ذلك الحاجز من صنع الإنسان نفسه.
حق العمل:
لكل إنسان حسب الإعلان الحق في العمل بغية تحقيق أغراض تضمنتها المواد من 23- 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
فقد نصت المادة (23) منه على:
 "1ـ لكل شخص الحق في العمل والاختيار الحر لعمله، وظروف عادلة ومواتية للعمل، والحماية ضد البطالة.
2ـ لكل شخص الحق في أجر مساو عن العمل المتساوي بدون أي تفرقة.
3ـ لكل شخص يعمل الحق في مكافأة عادلة ومرضية تكفل لنفسه ولأسرته وجودا جديرا بالكرامة الإنسانية، ويكمل إذا دعت الضرورة بوسائل أخرى من الحماية الاجتماعية.
4ـ لكل شخص الحق في تشكيل والانضمام إلى نقابات عمالية من أجل حماية مصالحه".
ونصت المادة (24) على أنه: "لكل شخص الحق في الراحة ووقت فراغ، ويشمل ذلك تحديدا معقولا لساعات العمل وعطلات دورية مدفوعة الأجر".
أما المادة (25) فقد نصت على:
 "1ـ لكل شخص الحق في مستوى معيشة مناسب لصحته ورفاهيته هو وأسرته، ويشمل ذلك الغذاء والكساء، والرعاية الطبية، والخدمات الاجتماعية الضرورية، والحق في الأمن في حالة البطالة والمرض، والعجز، والترمل، والشيخوخة، أو أي نقص آخر في القوت في ظروف تخرج عن سيطرته.
2ـ للأمومة والطفولة الحق في رعاية خاصة ومساعدة. ولكل الأطفال سواء ولدوا من زواج أو خارج الزواج حق التمتع بنفس الحماية الاجتماعية".
قيمة كل إنسان بعمله، وعطاءه وإن شرف الإنسان فيما يقدم من عمل يخدم به غيره من جهة، ويفيد به نفسه وأسرته من جهة أخرى. فالإنسان العامل له قيمة خاصة في الدين الإسلامي، وقد عهد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه أمسك يد عامل وقبلها، وحين رأى علامات التعجب من أصحابه قال لهم: تلك يد يحبها الله ورسوله. أما الإنسان العاطل الذي يعيش على فتات الآخرين، وصدقاتهم فإن الإسلام لا يقيم وزنا يذكر لمثل هذا الإنسان، فقد ورد في الأثر: (ملعون من ألقى كله على الناس)، ما دام الإنسان قادرا على العمل، ولا يعاني فاقة سببت له العطل عن القيام بأي عمل من شأنه أن يدر عليه ما يسد به حاجاته، وعائلته.
لقد ورد عن الإمام الحسين (عليه السلام) في العمل، وقيمته قوله: ".. ولا تتكل على القدر اتكال مستسلم، فإن ابتغاء الرزق من السنة"(42). على أن يبتغي الإنسان الاعتدال في العمل لا أن يعده الغاية القصوى التي يسعى إليها فيهلك نفسه دونها على حساب الجوانب الإنسانية الأخرى، وآثر عن الإمام الحسين (عليه السلام) في ذلك قوله: "لا تتكلف ما لا تطيق، ولا تتعرض لما لا تدرك، ولا تعتد بما لا تقدر عليه.."(43).
وقد ورد في الدين الإسلامي في مورد الحفاظ على حق العامل: "إعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه". ذلك الذي ورد ذكره في القرآن الكريم في قوله تعالى: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم)(44).
ثم أن الإمام (عليه السلام) كان قد أكد على حق الناس على الدولة في عطاء يضمن لهم الكرامة الإنسانية، لهم ولأسرهم، وإن على الإنسان ألا يتنازل عن حقه هذا، وأن يطالب به دوما كي لا يعطي الذريعة لمصادرته، واستلابه منه، حيث يقول في ذلك: "وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام مع رد المظالم ومخالفة الظالم، وقسمة الفيء والغنائم، وأخذ الصدقات من مواضعها، ووضعها في حقها"(45). على أنه (عليه السلام) لم يكن ـ كعادته ـ قد اكتفى بحدود الدعوة إلى ذلك الحق من أجل تحصيله عند عدم مراعاته، وإنما مارس ذلك عمليا. فقد روي أنه (عليه السلام) كتب إلى معاوية ابن أبي سفيان ـ الذي أسرف في مصادرة حقوق الناس المشروعة ـ قائلا: "من الحسين بن علي إلى معاوية ابن أبي سفيان، أما بعد: فإن عيرا مرت بنا من اليمن تحمل مالا وحللا، وعنبرا، وطيبا إليك، لتودعها خزائن دمشق، وتعل بها بعد النهل ببني أبيك، وإني احتجت إليها فأخذتها والسلام"(46). أما بالنسبة للّجان، والنقابات العمالية فلم تكن الحياة آنذاك بذلك المقدار من التعقيد، والتشابك بحيث يلزم إنشاء النقابات العمالية التي يحق للإنسان العامل، أو غيره الانضمام إليها للدفاع عنه، وحماية حقوقه لذا لم يكن الإمام الحسين (عليه السلام) قد أشار إلى هذا النوع من الحقوق، وكذلك الحال بالنسبة لمسائل، وقضايا أخرى لم يكن الإمام قد تعرض لها لعدم الحاجة إليها آنذاك.
وأما الراحة ووقت الفراغ، والعطلات الدورية التي أشارت إليها المادة (24) من الإعلان فأقول إذا كان الإمام الحسين (عليه السلام) يحفظ حق الحيوان في الراحة، والمطعم، والمشرب، ويقدمه على نفسه كما حدث في كربلاء، فإن دعوته إلى حق الإنسان في ذلك يكون أولى، كيف لا وهو الكائن الذي كرمه الله تعالى على بقية خلقه حيث يقول: (ولقد كرمنا بني آدم)(47).
أما بالنسبة لحق الإنسان في كفالة عيشه، والضمان الاجتماعي فعلى الرغم من تقدم الحديث عن ذلك لا بأس بالإشارة إلى أن الإسلام كان قد كفل لكل من يعيش في كنف الدولة الإسلامية ذلك الحق، والقصة المعروفة عن أمير المؤمنين الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام) مع النصراني معروفة.
فقد روي أنه (عليه السلام) قد مر بالسوق فإذا به يرى رجلا نصرانيا يستجدي الناس فانزعج أمير المؤمنين من ذلك، والتفت إلى أصحابه قائلا: استعملتموه حتى إذا أتعبتموه تركتموه يستكفف الناس؟ ثم أمر أمين بيت المال بعطاء مرتب له.
حقوق الأسرة:
تختلف الفقرة الثانية من المادة (25) من الإعلان عما سبقها من الفقرات في المواد الثلاث مورد البحث ـ والتي تناولت ما وضيع العمل والضمان الاجتماعي ـ تختلف في كونها تناولت موضوع حقوق الأسرة، والأولاد باعتبار كل منهم إنسانا بغض النظر عن شرعية ولادته من عدمها.
على خلاف ما يشاع عنه، أكاد أقول بأنه ليس هناك ما أعطى الأسرة ـ من الأنظمة الأخرى ـ قدرها كالدين الإسلامي. فهذا القدر يمكن استخلاصه من الحماية اللازمة التي أحاط بها الإسلام هذه المؤسسة الاجتماعية، حيث فرض أقصى العقوبات على من يحاول تدنيسها أو النيل منها لمكان أهمية دورها في إمداد الأمم باللبنات الصالحة التي تسهم في بناء المجتمعات التي تنتمي إليها.
قد يقول قائل بأن هناك من الأنظمة ما وضع عقوبات على من يحول النيل من الأسرة كذلك فما هو الفارق بينه وبين الإسلام كي يتم الحديث عن التميز بالنسبة للإسلام في هذا الميدان؟
 إن التميز يكمن في كون الدين الإسلامي لم يكن قد اقتصر على حماية الأسرة من حيث هي كيان قائم حسب، وإنما وضع التدابير الاحترازية ـ حسب الاصطلاح القانوني ـ التي من شأنها حماية الأسرة حيث هي مشروع، ومجرد فكرة في ذهن صاحبها. فقد وضع الإسلام الضوابط اللازمة التي يفترض في الإنسان إتباعها فيما لو رام تكوين أسرة صالحة قادرة على أن تمثل مهدا هادئا، وفراشا وثيرا يتقلب عليه ثمراتها ـ الأولاد ـ كيما ينشؤون مستقرين نفسيا بما يعود بالنفع على الأسرة، والمجتمع.
فالمرأة باعتبارها العنصر الأهم في الأسرة لمكان التصاقها بالأولاد، وتأثيرها المباشر بهم أعطاها الإسلام المكانة العالية، والمنزلة الرفيعة التي من شانها أن تبعث الثقة في نفسها فتكون أقدر على العطاء.
فالإمام الحسين (عليه السلام) بالإضافة إلى خلقه العالي في تعامله مع أهله، كان يثق بمكانة المرأة، وكفاءتها عليه كان تعامله مع المرأة بالمستوى الذي أوكل إليها القيادة في مرحلة ما بعد ثورته على النظام المنحرف.
لقد كان يتعامل مع ولده بما يبعث الثقة في نفوسهم، وينمي شخصياتهم، كان يتحاور مع ابنه كما يتحاور مع أي إنسان آخر وفي أهم الموضوعات كالحوار الذي دار بينه وبين ولده علي الأكبر حين كانوا يسيرون إلى كربلاء وسمع علي الأكبر أباه يقول "القوم يسيرون والمنايا تسير معهم". وكذلك كان حواره مع ابن أخيه القاسم حينما برز إلى القتال، وكذلك مع ابنته سكينة.
إن هذه التنشئة الصالحة أثمرت أن يبرز الشاب في كربلاء ويقدم نفسه رخيصة دون دينه، لا دون شيء آخر.
حق التعلم:
اعتبر الإعلان العالمي التعلم حق للإنسان في المادة السادسة والعشرين منه والتي تنص على:
 "1ـ لكل شخص الحق في التعليم، وسيكون التعليم مجانا، على الأقل في المراحل الأولية والأساسية. وسيكون التعليم الأولي إلزاميا. وسيصبح التعليم الفني والمهني متاحا بوجه عام، ويكون التعليم العالي ممكن دخوله بصورة متساوية للجميع على أساس الجدارة.
2ـ سوف يوجه التعليم إلى التنمية الكاملة للشخصية الإنسانية، وإلى دعم احترام حقوق الإنسان، والحريات الأساسية. وسوف يعزز التفاهم، والتسامح، والصداقة بين كل الأمم، والمجموعات العنصرية أو الدينية، وسيدعم أنشطة الأمم المتحدة من أجل صيانة السلام.
3ـ للأبوين حق أولوي في اختيار نوع التعليم الذي سوف يعطى لأطفالهم".

 

نقطة هامة:

هناك أمر تجدر ملاحظته فيما يرتبط بالرؤية الإسلامية، والرؤية الدولية الوضعية متمثلة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان. هذا الأمر يتمثل في نظرة كل منهما للتعليم.
فالإعلان العالمي يعتبر حق التعلم حقا من حقوق الإنسان التي يفترض مراعاتها على الأقل في المراحل الابتدائية، في حين يعد الإسلام العلم فريضة وواجبا على كل مسلم ومسلمة، والمعروف أن الواجب لا يحق التنازل عنه، وقد أثر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة"(48).
يقول الإمام الحسين (عليه السلام) في العلم "العلم لقح المعرفة، وطول التجارب زيادة في العقل والشرف والتقوى، ..."(49).
كما كان (عليه السلام) يحث على العلم، والمعرفة، ويشجع عليهما، بحيث لم يكن يقصر ذلك على عمر معين. فقد روي "أن أعرابيا من البادية قصد الإمام الحسين (عليه السلام) فسلم عليه فرد (عليه السلام) وقال:
يا أعرابي فيم قصدتنا؟
 قال: قصدتك في دية مسلمة إلى أهلها.
قال (عليه السلام): أقصدت أحدا قبلي؟
 قال: عتبة ابن أبي سفيان فأعطاني خمسين دينارا، فرددتها عليه وقلت: لأقصدن من هو خير منك وأكرم، وقال عتبة: ومن هو خير مني وأكرم لا أم لك؟
 فقلت إما الحسين بن علي، وإما عبد الله بن جعفر، وقد أتيتك بدءا لتقيم بها عمود ظهري، وتردني إلى أهلي.
فقال الحسين: والذي فلق الحبة، وبرء النسمة، وتجلى بالعظمة ما في ملك ابن بنت نبيك إلا مائتا دينار فأعطه إياها يا غلام، وإني أسألك عن ثلاث خصال إن أنت أجبتني عنها أتممتها خمسمائة دينار.
فقال الأعرابي: أكل ذلك احتياجا إلى علمي، أنتم أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة؟
 فقال الحسين: لا ولكن سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: أعطوا المعروف بقدر المعرفة.
فقال الأعرابي: فسل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فقال الحسين: ما أنجى من الهلكة؟
 فقال: التوكل على الله.
فقال: ما أروح للمهم؟
 قال: الثقة بالله.
فقال: أي شيء خير للعبد في حياته؟
 قال: عقل يزينه حلم، فقال: فإن خانه ذلك؟ قال: مال يزينه سخاء وسعة، فقال: فإن أخطأه ذلك؟ قال: الموت، والفناء خير له من الحياة، والبقاء.
قال فناوله الإمام الحسين (عليه السلام) خاتمه وقال: بعه بمائة دينار، وناوله سيفه وقال: بعه بمائتي دينار، واذهب فقد أتممت لك خمسمائة دينار..."(50).
أما السلام، والعفو، والتسامح التي يولدها العلم فقد ورد عن الأمام الحسين (عليه السلام) فيها قوله: "من أحجم عن الرأي، وعييت به الحيل، كان الرفق مفتاحه"(51).
وقوله (عليه السلام): "لو شتمني رجل في هذه الأذن وأومى إلى اليمنى، واعتذر لي في الأخرى، لقبلت ذلك منه، وذلك أن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام) حدثني أنه سمع جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا يرد الحوض من لم يقبل العذر من محق أو مبطل"(52).
هذا ويتفرع موضوع المادة (27) من الإعلان عن المادة (26) منه حيث تنص المادة السابعة والعشرون على أنه:
 "1ـ لكل شخص الحق في أن يشترك بحرية في الحياة الثقافية للجماعة، والتمتع بالفنون، وأن يشارك في التقدم العلمي وفوائده.
2ـ لكل شخص الحق في حماية المصالح الأدبية والمادية الناتجة عن أي إنتاج علمي، أو أدبي، أو فني يكون هو منشؤه".
لقد سبقت الإشارة إلى مثل هذه الحقوق في ثنايا العناوين المتقدمة كالحريات بأنواعها، وطلب العلم، مع فارق بين الفقرة الأولى من المادة (27) يتمثل في كون هذه المادة اعتبرت التعلم، والمساهمة الفردية في التقدم العلمي حقا للإنسان قد يمارسه، وقد يتنازل عنه بخلاف الدين الإسلامي الذي أوجب طلب العلم على المسلمين بما لا سبيل معه إلى التنازل، وبما يعرض المسلمين للعقاب الإلهي فيما لو لم ينبر أحد من المسلمين إلى القيام بأعباء واجب طلب العلم، وهذا ما يسمى بالواجب الكفائي حسب الاصطلاح الفقهي.
وأما الحقوق المادية، والأدبية فإن الدين الذي يقطع اليد في ربع دينار سرقته مع توفر شروط ذلك، فإنها أولى أن تحمي مصالح الآخرين المختلفة.
أما المتبقي من مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهي المواد من (28- 30) فقد تضمنت أمورا قد تم البحث فيها من قبيل الحريات، والرفاهية وغير ذلك اللهم إلا مجموعة القيود والضوابط التي تحد من حرية الفرد، وهذه الحريات تنتهي حين تصطدم بحريات الآخرين، والنظام العام، حيث نصت الفقرتان (2)، (3) من المادة التاسعة والعشرين من الإعلان على:
 "2ـ في ممارسة حقوقه، وحرياته، لن يتعرض كل شخص إلا للقيود التي يحددها القانون فقط بقصد التأكد من الاعتراف والاعتراف الواجبين لحقوق وحريات الآخرين، وتلبية المتطلبات العادلة لقواعد الأخلاق والنظام العام، والرفاهية العامة في مجتمع ديمقراطي.
3ـ هذه الحقوق والحريات يجب ألا تمارس في أية حالة بصورة تناقض أغراض ومبادئ الأمم المتحدة".
وهذه الضوابط، والقواعد تناولها الدين الإسلامي الذي أكد على الأخلاق ووجوب عدم التعدي والتجاوز على الآخرين عند ممارسة الإنسان لحرياته، وحقوقه.

 

نتائج الدراسة:

من خلال الدراسة المقارنة التي قدمناها للقارئ الكريم، وبصورة موجزة قدر الإمكان، بما يتناسب مع الحجم المطلوب يمكن الخلوص إلى النتائج التالية:
1ـ إن الدين الإسلامي كان قد سبق المجتمع الدولي في تقرير مبادئ حقوق الإنسان، والتي لم يصل المجتمع الدولي إلى إقرارها إلا قبل نصف قرن من الزمان تقريبا.
2ـ هناك فارق بين حقوق الإنسان في الإسلام وبينها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من حيث التفصيل الذي تناول الإسلام خلاله تلك الحقوق بما يتناسب مع الحاجات الأساسية لبني البشر.
3ـ تختلف حقوق الإنسان في الإسلام عنها في الإعلان العالمي في كون الأولى مقترنة بالعقاب إضافة إلى ضمير الفرد على تقدير مخالفة مبادئها، وهذا ما يضمن لها الاحترام اللازم، وضمان التطبيق لتلك المبادئ، كما إنه يدخلها في حيز القوانين وذلك بتوفر عنصر الإلزام، بخلاف الأمر في الإعلان العالمي، الذي يترك تطبيق تلك المبادئ لضمير الفرد، وبالتالي يفقد عنصر الإلزام بما يخرجه من حيز القوانين بافتقاد أحد ركني القاعدة القانونية وهو عنصر الإلزام الذي يضفي مع العمومية صفة القانون على كل قاعدة.
4ـ يعد الإمام الحسين (عليه السلام) من أشد الداعين إلى مبادئ حقوق الإنسان وصيانتها من الانتهاك، وذلك أنه لم يكتفي بحدود الدعوة النظرية المجردة إلى تلك المبادئ، وإنما مارس تلك المبادئ عمليا، وضحى بنفسه وأهل بيته من أجل تلك المبادئ الإنسانية.

 

خاتمة:

ختاما لهذه الدراسة لابد من القول بأن الإمام الحسين بن علي ابن أبي طالب (عليهما السلام) قصب السبق في الدعوة إلى مبادئ حقوق الإنسان نظريا وعمليا حيث قدم أضخم ما يمكن أن يقدمه إنسان في سبيل مبدأ ما فلم لم يأخذ هذا الرجل العظيم حقه من قبل العالم الذي يعد مدينا له في التأسيس لهذه المبادئ بدمه، ودماء أهل بيته، وأصحابه فليس هو أقل شأنا من أولئك الذين يحتفل المجتمع الدولي بعطائهم للبشرية، خاصة وإن البعض من هؤلاء كان قد صرح بتأثره، وتعلمه من الإمام الحسين (عليه السلام) النهج الذي يمكنه من نشر مبادئه، وإقرارها، كما هي الحال بالنسبة للمهاتما غاندي الذي نال إعجاب العالم حيث يقول: تعلمت من الحسين بن علي كيف أكون مظلوما فأنتصر.
لذا لا بد للمجتمع الدولي من أن يلتفت لهذه المبادئ العظيمة التي بلورها الإمام الحسين (عليه السلام).

 

الهوامش:

1- بول جوردون لورين، نشأة وتطور حقوق الإنسان الدولية الرؤى، الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية، القاهرة، ترجمة: د. أحمد أمين الجمل، ط1، 2000، ص19.
 2- محمد الحسيني الشيرازي، موسوعة الفقه، كتاب الإدارة، دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 1989، ج104، ص32.
 3- علي عزت بيكوفيتش، الإعلان الإسلامي، دار الشروق، القاهرة، ترجمة محمد يوسف عدس، ط1، 1999، ص66.
 4، 5،6- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الديباجة.
7- علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي، كنز العمال، مؤسسة الرسالة، بيروت، ج3، الحديث 5614.
 9- فخر الدين الطريحي النجفي، المنتخب، منشورات الشريف الرضي، قم، 1413هـ، ص410.
 10- أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكي أخطب خوارزم، مقتل الحسين، مكتبة المفيد، قم، ج1، ص182.
 11- أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، تاريخ الطبري، دار الكتب الإسلامية، بيروت، 1406هـ، ج3، ص318.
 12، 13- أبو الفداء اسماعيل بن كثير الدمشقي، البدابة والنهاية، دار إحياء التراث، بيروت، 1408هـ، ج8، ص203.
 14- أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، دار المعرفة، بيروت، ص118.
 15- أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني، تحف العقول، منشورات الشريف الرضي، قم، 1380هـ، ص168.
 16- نخبة من الكتاب، رؤى إسلامية معاصرة، مجلة العربي، الكويت، ط1، 2001، من مقالة للدكتور رضوان السيد بعنوان: حقوق الإنسان والفكر الإسلامي المعاصر، ص154.
 17- د. محمد عمارة، الإسلام والأمن الاجتماعي، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1418هـ، ص 83- 84.
 18- عبد الله بن نور الله البحراني، العوالم، منشورات مدرسة الإمام المهدي، قم، 1407هـ، ج17، ص265.
 19- محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، المكتبة الإسلامية، طهران، ج78، ص 119.
 20- محسن الأمين، أعيان الشيعة، دار التعارف، بيروت، ج1، ص 607.
 21- الإسلام والأمن الاجتماعي، مرجع سابق، ص 84.
 22- أبو جعفر رشيد الدين محمد بن علي بن شهرآشوب السروي، انتشارات العلامة، قم، ج4، ص110.
 23-الإسلام والأمن الاجتماعي، مرجع سابق، ص 87.
 24- أبو محمد الحسن بن محمد الديلمي، أعلام الدين، مؤسسة آل البيت، بيروت، 1409هـ، ص 298.
 25- تحف العقول، مرجع سابق، ص 168.
 26- د.كمال غالي، مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية مديرية الكتب والمطبوعات، جامعة حلب، 1984، ص 317.
 27- المحامي عبد الهادي عباس، حقوق الإنسان، دار الفاضل، دمشق، 1995، ج3، ص 61.
 28- إبن طاووس، اللهوف، مكتبة الحيدرية، النجف، 1385هـ، ص 119.
 29- نجم الدين جعفر بن محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما الحلي، مثير الأحزان، مؤسسة الإمام المهدي، قم، 1406هـ، ص 72.
 30- أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي، تاريخ ابن عساكر، مؤسسة المحمودي، بيروت، 1389هـ، ترجمة الإمام الحسين (عليه السلام)، ص 219.
 31- بحار الأنوار، مرجع سابق، ج45، ص 162، ح7.
 32- حسن النوري الطبرسي، مستدرك الوسائل، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، 1407هـ، ج13، ص35.
 33- بحار الأنوار، مرجع سابق، ج71، ص 357.
 34- آل عمران/ 159
 35- محمد الحسيني الشيرازي، الشورى في الإسلام، مؤسسة الوعي الإسلامي للتحقيق والترجمة والطباعة والنشر، بيروت، ط 10، 1999، ص 19.
 37- أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، الأمالي، مكتبة الداوري، قم، ج1، ص 54.
 38- تحف العقول، مرجع سابق، ص 168.
 39- أبو محمد أحمد بن أعثم الكوفي، الفتوح، دار الكتب الإسلامية، بيروت، 1406هـ، ج5، ص 14.
 40- بحار الأنوار، مرجع سابق، ج100، ص 79.
 41- الإنسان/ 3- 5.
 42- مستدرك الوسائل، مرجع سابق، ج13، ص 35.
 43، 44- أعيان الشيعة، مرجع سابق، ج1، ص621.
 45- تحف العقول، مرجع سابق، ص 168.
 46، 47، 48- باقر شريف القرشي، حياة الإمام الحسين (عليه السلام)، مكتبة الداوري، قم، ج2، ص 232.
 49- بحار الأنوار، مرجع سابق، ج78، ص 128.
 50- نور الله الحسيني، إحقاق الحق، مكتبة النجفي، قم، ج11، ص 440.
 51- بحار الأنوار، مرجع سابق، ج78، ص 128.
 52- إحقاق الحق، مرجع سابق، ج11، ص 431.


source : شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

آيات ومعجزات خاصة بالمهدي المنتظر
اُسلوب التعامل مع المنافقين
شعر الإمام الحسين
معرفة الله تعالى أساس إنساني
لهفي عليك.. يا أبا عبدالله
القرآن و القواعد
التعامل مع القرآن بين الواقع والمفروض
علاج الامراض النفسیة بذکر الله
هدم قبور البقيع ..............القصة الكاملة
الحرب العالمية في عصر الظهور

 
user comment