المقام الأسنى في تفسيرالأسماءالحسنى ص : 24
و لما كانت كل واحدة من هذه العبارات الثلاث تزيد على صاحبتيها بأسماء و تنقص عنهما بأسماء أحببت أن أضع عبارة رابعة مشتملة على أسماء العبارات الثلاث مع الإشارة إلى شرح كل اسم منها من غير إيجاز مخل و لا إسهاب ممل.
و سميت ذلك بالمقام الأسنى في تفسير الأسماء الحسنى فنقول و بالله التوفيق.
الله
اسم علم مفرد موضوع على ذات واجب الوجود و قال الغزالي الله اسم للموجود الحق الجامع لصفات الإلهية المنعوت بنعوت الربوبية المتفرد بالوجود الحقيقي فإن كل موجود سواه غير مستحق للوجود بذاته و إنما استفاد الوجود منه.
و قيل الله اسم لمن هو الخالق لهذا العالم و المدبر له و قال الشهيد في قواعده الله اسم للذات لجريان النعوت عليه و قيل هو اسم للذات مع جملة الصفات الإلهية فإذا قلنا الله فمعناه الذات الموصوفة بالصفات الخاصة و هي صفات الكمال و نعوت الجلال قال رحمه الله و هذا المفهوم هو الذي يعبد و يوحد و ينزه عن الشريك و النظير و المثل و الند و الضد و قد اختلف في اشتقاق هذا الاسم المقدس على وجوه عشرة ذكرناها
المقام الأسنى في تفسيرالأسماءالحسنى ص : 25
على حاشية الصحيفة في دعاء زين العابدين ع إذا أحزنه أمر.
و اعلم أن هذا الاسم الشريف قد امتاز عن غيره من أسمائه تعالى الحسنى بوجوه عشرة أ أنه أشهر أسماء الله تعالى.
ب أنه أعلاها محلا في القرآن.
ج أنه أعلاها محلا في الدعاء.
د أنه جعل أمام سائر الأسماء.
ه أنه خصت به كلمة الإخلاص.
و أنه وقعت به الشهادة.
ز أنه علم على الذات المقدسة و هو مختص بالمعبود الحق تعالى فلا
المقام الأسنى في تفسيرالأسماءالحسنى ص : 26
يطلق على غيره حقيقة و لا مجازا قال تعالىهَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّاأي هل تعلم أحدا يسمى الله و قيل سميا أي مثلا و شبيها.
ح أن هذا الاسم الشريف دال على الذات المقدسة الموصوفة بجميع الكمالات حتى لا يشذ به شيء و باقي أسمائه تعالى لا تدل آحادها إلا على آحاد المعاني كالقادر على القدرة و العالم على العلم أو فعل منسوب إلى الذات مثل قولنا الرحمن فإنه اسم للذات مع اعتبار الرحمة و كذا الرحيم و العليم و الخالق اسم للذات مع اعتبار وصف وجودي خارجي و القدوس اسم للذات مع وصف سلبي أعني التقديس الذي هو التطهير عن النقائص و الباقي اسم للذات مع نسبة و إضافة أعني البقاء و هو نسبة بين الوجود و الأزمنة إذ هو استمرار الوجود في الأزمنة و الأبدي هو المستمر في جميع الأزمنة فالباقي أعم منه و الأزلي هو الذي قارن وجوده جميع الأزمنة الماضية المحققة و المقدرة فهذه الاعتبارات تكاد تأتي على الأسماء الحسنى بحسب الضبط.
ط أنه اسم غير صفة بخلاف سائر أسمائه تعالى فإنها تقع صفات أما أنه اسم غير صفة فلأنك تصفه و لا تصف به فتقول إله واحد و لا تقول شيء إله و أما وقوع ما عداه من أسمائه الحسنى صفات فلأنه يقال شيء قادر و عالم و حي إلى غير ذلك.
ي أن جميع أسمائه الحسنى يتسمى بهذا الاسم و لا يتسمى هو بشيء منها فلا يقال الله اسم من أسماء الصبور أو الرحيم أو الشكور و لكن يقال الصبور اسم من أسماء الله تعالى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد قيل إن هذا الاسم المقدس هو الاسم الأعظم قال ابن فهد في عدته و هذا القول قريب جدا لأن الوارد في هذا المعنى
المقام الأسنى في تفسيرالأسماءالحسنى ص : 27
كثير.
و رأيت في كتاب الدر المنتظم في السر الأعظم للشيخ محمد بن طلحة بن محمد بن الحسين أن هذا الاسم المقدس يدل على الأسماء الحسنى كلها التي هي تسعة و تسعون اسما لأنك إذا قسمت الاسم المقدس في علم الحروف على قسمين كان كل قسم ثلاثة و ثلاثين فتضرب الثلاثة و الثلاثين في حروف الاسم المقدس بعد إسقاط المكرر و هي ثلاثة تكون عدد الأسماء الحسنى و ذكر أمثلة أخر في هذا المعنى تركناها اختصارا.
و رأيت في كتاب مشارق الأنوار و حقائق الأسرار للشيخ رجب بن محمد بن رجب الحافظ أن هذا الاسم المقدس أربعة أحرف الله فإذا وقفت على الأشياء عرفت أنها منه و به و إليه و عنه فإذ أخذ منه الألف بقي لله و لله كل شيء فإن أخذ اللام و ترك الألف بقي إله و هو إله كل شيء و إن أخذ
المقام الأسنى في تفسيرالأسماءالحسنى ص : 28
الألف من إله بقي له و له كل شيء فإن أخذ من له اللام بقي هو و هو هو وحده لا شريك له و هو لفظ يوصل إلى ينبوع العزة و لفظ هو مركب من حرفين و الهاء أصل الواو فهو حرف واحد يدل على الواحد الحق و الهاء أول المخارج و الواو آخرها فهو الأول و الآخر و الظاهر و الباطن.
و لما كان الاسم المقدس الأقدس أرفع أسماء الله تعالى شأنا و أعلاها مكانا و كان لكمالها جمالا و لجمالها كمالا خرجنا فيه بالإسهاب عن مناسبة الكتاب و الله الموفق للصواب.
الرحمن الرحيم
قال الشهيد رحمه الله هما اسمان للمبالغة من رحم كغضبان من غضب و عليم من علم و الرحمة لغة رقة القلب و انعطاف يقتضي التفضل و الإحسان و منه الرحم لانعطافها على ما فيها و أسماء الله تعالى إنما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي هي انفعال.
و قال صاحب العدة الرحمن الرحيم مشتقان من الرحمة و هي النعمة
المقام الأسنى في تفسيرالأسماءالحسنى ص : 29
و منهوَ ما أَرْسَلْناكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَأي نعمة و يقال للقرآن رحمة و للغيث رحمة أي نعمة و قد يتسمى بالرحيم غيره تعالى و لا يتسمى بالرحمن سواه لأن الرحمن هو الذي يقدر على كشف الضر و البلوى و يقال لرقيق القلب من الخلق رحيم لكثرة وجود الرحمة منه بسبب الرقة و أقلها الدعاء للمرحوم و التوجع له و ليست في حقه تعالى كذلك بل معناها إيجاد النعمة للمرحوم و كشف البلوى عنه فالحد الشامل أن تقول هي التخلص من أقسام الآفات و إيصال الخيرات إلى أرباب الحاجات.
و في كتاب الرسالة الواضحة أن الرحمن الرحيم من أبنية المبالغة إلا أن فعلان أبلغ من فعيل ثم هذه المبالغة قد توجد تارة باعتبار الكمية و أخرى باعتبار الكيفية.
فعلى الأول قيل يا رحمان الدنيا لأنه يعم المؤمن و الكافر و رحيم الآخرة لأنه يخص الرحمة بالمؤمنين لقوله تعالىوَ كانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيما.
و على الثاني قيل يا رحمان الدنيا و الآخرة و رحيم الدنيا لأن النعم الأخروية كلها جسام و أما النعم الدنيوية فجليلة و حقيرةو عن الصادق عالرحمن اسم خاص بصفة عامة و الرحيم اسم عام بصفة خاصة.
و عن أبي عبيدة الرحمن ذو الرحمة و الرحيم الراحم و كرر لضرب
المقام الأسنى في تفسيرالأسماءالحسنى ص : 30
من التأكيد.
و عن السيد المرتضى رحمه الله أن الرحمن مشترك فيه اللغة العربية و العبرانية و السريانية و الرحيم مختص بالعربية.
قال الطبرسي و إنما قدم الرحمن على الرحيم لأن الرحمن بمنزلة الاسم العلم من حيث إنه لا يوصف به إلا الله تعالى و لهذا جمع بينهما تعالى في قولهقُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَفوجب لذلك تقديمه على الرحيم لأنه يطلق عليه و على غيره.
source : المقام الأسنى في تفسيرالأسماءالحسنى /دار العرفان