عربي
Tuesday 23rd of April 2024
0
نفر 0

الصحابة وحفظ الذکر الحکيم

إن القرآن الكريم هو الذكر، وما جاء به النبي صلی الله عليه وآله وسلم هو بيان لهذا الذكر وترجمة له وهو من مستلزماته، وقد تكفل الله جلت قدرته بحفظه على مر الأزمان * (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) *. فحفظ الذكر مضمون بضمانة إلهية ولا علاقة للصحابة الكرام بهذا الحفظ.
الصحابة وحفظ الذکر الحکيم

إن القرآن الكريم هو الذكر، وما جاء به النبي صلی الله عليه وآله وسلم هو بيان لهذا الذكر وترجمة له وهو من مستلزماته، وقد تكفل الله جلت قدرته بحفظه على مر الأزمان * (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) *. فحفظ الذكر مضمون بضمانة إلهية ولا علاقة للصحابة الكرام بهذا الحفظ.
فالدين محفوظ وثابت وبدون شهود لأن الله هو الشاهد والمتكفل بإثباته، ولأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن أكمل الله الدين وأتم النعمة. فالشاهد على المسلمين هو النبي محمد صلی الله عليه وآله وسلم والمسلمون في كل زمان هم شهداء على الناس. ثم إن كتاب الله منزل من عند الله وليس بإمكان أحد كائنا من كان أن يزيد فيه حرفا أو ينقص منه حرفا أو أن يبدل فيه حرفا لأنه ترتيب إلهي. فقد كانت الكوكبة من آيات القرآن الكريم تتنزل على رسول الله مع التوجيه الإلهي بأي سورة توضع، وعند ما انتقل الرسول إلى جوار ربه، كان القرآن كله مرتبا بالصورة التي بين أيدينا ومكتوبا كاملا وليس في صدور الرجال فحسب كما يزعم بعض إخواننا.
فالقول بأن الصحابة كلهم عدول لا يزيد الثابت ثباتا ولا المحفوظ حفظا، والقول بأن المخلصين من الصحابة فقط هم العدول لا يهز هذا الثابت ولا يؤثر على هذا المحفوظ، وإقحامهم للقرآن وحفظه لإثبات عدالة كل الصحابة لا مبرر له، لأن الفضل في ذلك كله والمنة والشكر لله تعالى، والفخر لمحمد ولآل محمد وللصادقين من الصحابة الذين التفوا حولهم. (فلو أن الآل الكرام سلموا محمدا لزعامة قريش أو خلوا بينها وبينه لقتلوه كما قتل كثير من الأنبياء من قبل)، ولما تحمل الآل الكرام كل سني الحصار والعذاب والألم. وبالمناسبة فإنني أتسأل: أين كان كل الصحابة والهاشميون محصورون في شعاب أبي طالب يأكلون ورق الشجر من الجوع ويمص أطفالهم الرمال من العطش ؟ هل من العدالة الوضعية أو السماوية أن يتساوى المحاصر مع المحاصر، * (ما لكم كيف تحكمون) *.
أما القول بأن هؤلاء الذين ينقصون أحدا من الصحابة (زنادقة) فلا يستقيم لعدة وجوه، لأن الإسلام بوصفه آخر الأديان السماوية، وبوصفه الصيغة النهائية لدين الله معد ومصاغ ليفهم منه كل إنسان على قدر فهمه، والفهم الأمثل هو ما يتطابق مع المقصود الشرعي أو الغاية الشرعية من النص بحيث يكون الفهم هو عين ما أراد الله وتلك مهمة عسيرة بل واختصاص فني تماما، وإلا فما الداعي لإرسال الرسل مع الكتب وابتعاث الهادي مع الهداية ؟ وما هي الغاية إذن من وجود الأئمة ومن رئاسات الأنبياء لدول الإيمان ؟ ومن هنا فإن الإسلام شئ وفهمنا له شئ آخر يختلف حسب ثقافاتنا. فاختلاف الرأي وتباين الأفهام ليس زندقة، وهنالك من الصحابة من عاب النبي نفسه وطعن في عدالته. أنظر إلى قول ابن الخويصرة: " إعدل يا محمد والله ما أردت بهذه القسمة وجه الله " لم يقل له النبي: أنت زنديق أو منافق، قال له:
ويحك من يعدل إن لم أعدل. فهل للصحابي مكانة أعظم من مكانة النبوة ؟ فإذا كان سيد البشر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " أنا بشر أصيب وأخطئ " فكيف تعممون العدالة على جميع الصحابة وتعتبرون من يناقشكم بالأمر زنديقا ؟
نقض حجة أهل السنة يجمع أهل السنة أو يتظاهرون بالإجماع على القول وبالحرف " إن الرسول حق والقرآن حق وما جاء به النبي حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة، فهم الشهود وهؤلاء الذين ينقصون أحدا من الصحابة - أي واحد - يريدون أن يخرجوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة وهؤلاء زنادقة (1)، فمن عابهم أو انتقص منهم فلا تواكلوه ولا تشاربوه ولا تصلوا عليه " (2).

قراءة أولية أولا: الخلط

القول بأن النبي حق والقرآن حق وما جاء به النبي حق، هذا قول لا غبار عليه ولا اختلاف فيه، وهو قدر مشترك بين كل المسلمين من سنة بمختلف فرقهم ومن شيعته بمختلف فرقها، وهم يتساوون بالإنتماء لهذا الدين ولحمل هويته الخالدة.

والدين يتكون من مقطعين:

1 - نبي الله بذاته وقوله وفعله وتقريره، و 2 - كتاب الله المنزل من عند الله. هذا إجماع كل المسلمين، والخلاف منحصر بفهم المقصود الشرعي لهذا الدين، فلا ينبغي الخلط بين الدين وبين مفاهيمنا له. فالدين هو المركز الثابت ومفاهيمنا هي المتحركات والمتغيرات من حوله. فالدين شئ ومفاهيمنا له شئ آخر، هذه المفاهيم عمليا تختلف من فرد إلى فرد، ومن جماعة إلى جماعة حسب درجة العلم وقدرة الفهم والطاقة والتجرد من الهوى. ولو كان مجديا فرض فهم واحد للنص لفرضه الله تعالى ولما كان هنالك داع للإجماع ولما كان هنالك داع للفهم أصلا. فعندما نفهم نصا معينا بفهم ما، ويفهم الآخر النص نفسه بفهم آخر ثم يدعي كل واحد منهما أن فهمه هو المقصود الشرعي، فمعنى ذلك أنه لا بد للاثنين من دراسة النص دراسة ثانية وثالثة... الخ حتى يصلا إلى مفهوم واحد للنص لأن النص الشرعي الواحد له مقصد شرعي واحد وهو عين المقصود الإلهي، إذ لو قلنا بغير ذلك لأضفينا طابع الشرعية على الفرقة والاختلاف، ولذهبت كل جماعة باتجاه مع أن مصلحة الأمة تتحقق بوحدتها لا بفرقتها، ثم إنه لا مصلحة لك ولا مصلحة لي إذا كانت النفوس خالصة لله أن يصح هذا الفهم أو ذاك، إنما مصلحتنا تتحقق بفهم المقصود الإلهي الأمثل والعمل به.
فمن غير الجائز أن نخلط أفهامنا بالدين وبنوايا مختلفة حسنت أم ساءت، نقول: إن هذه الأفهام هي الدين، ثم نضع عقوبة لمن يخالفنا بهذه الأفهام متجاوزة دائرة الاتباع إلى دائرة التشريع المخصصة لله تعالى. فحكم الزندقة وقرار عدم المواكلة والمشاربة وعدم الصلاة على من يخالفك الرأي هو قرار لا يقره الدين، وهو عقوبة بغير نص وتصرف ممن لا يملك في ملك الغير، وهو باطل من أساسه ولا يعادل شروى نقير.

كلمات للتلقين

1 - الإسلام كلمة محددة ولفظ يدل على معنى بعينه وهو يعني: نبي الله محمدا بذاته وقوله وفعله وتقريره، ويعني القرآن الكريم على الصعيدين النظري والعملي، وهو مجموعة البنى الحقوقية المتكاملة التي أوحاها الله لنبيه وبينها النبي للناس، إنه العقيدة الإلهية التي أرادها الله أن تكون دينه ودين المطيعين من خلقه. وهو شئ ومعنى قائم بذاته ومستقل عن غيره.
2 - الصحابة الكرام اتبعوا هذا الدين ووالوا نبيه على صعيدي الدعوة والدولة هم أتباع للدين وليسوا دينا أو جزءا من الدين.
3 - المسلمون كلهم هم الذين اتبعوا الإسلام وآمنوا به، لكنهم ليسوا هم الإسلام، إنهم أتباع وشتان ما بين العقيدة والمعتقد وما بين القانون والشعب، وما بين القضاة والمتقاضين.

الحماية والتستر

قلنا: إن مصلحة الإسلام والمسلمين تتحقق بفهم المقصود الشرعي بالذات وهو عين المقصود الذي قصده الله تبارك وتعالى، والوقوف على هذا المقصود يحتاج إلى اختصاص وملكات خاصة والوقوف عليه مطلب الجميع وغايتهم، ولكن أناسا أنزلوا أنفسهم منازل ليست لهم واجتهدوا، وهذا حق لهم، ثم حاولوا رغبة أو رهبة أن يفرضوا هذا الاجتهاد على أبناء الملة وأغلقوا طريق البحث عن الحقيقة الشرعية وأوصدوا مسالك التحري عن المقصود الشرعي وأعلنوا بأن رأيهم هو الدين ومن يعارضهم زنديق... الخ وهذا ليس من حقهم لأنهم شئ والدين شئ آخر، ومخالفتهم بالرأي أو بالاجتهاد أو بالفهم ليس مخالفة للدين لأن القول بغير ذلك ترجيح بغير مرجح ووصاية من إذن شرعي بالوصاية مما يحول العملية كلها إلى تستر بالدين واحتماء به لنصرة رأي على رأي أو مذهب على مذهب.
فاختلافك معي بفهم نص من النصوص الشرعية لا يجعل منك زنديقا ولا يجعل مني مرجعا وقديسا، فذلك ترجيح بغير مرجح وتقبيح بغير سند وخدمة لأولئك الذين غلبوا هذه الأمة وفرقوها إلى شيع وأحزاب بأحابيلهم السياسية الملتوية، وبمساعدة السذج من علماء السوء الذين يقفون في كل زمان ضد تفاهم هذه الأمة ووحدتها، فيقولون: هذا زنديق، وهذا رافضي، وهذا شيعي، وهذا سني، وهذا جعفري وهذا مالكي، وذلك كفر وتلك زندقة... الخ.
وتلك ألفاظ يعافها الذوق السليم، وتنفر منها الفطرة النقية، وقد ترفع عن مثل هذه الأمور حتى الكفرة من أهل الكتاب، وبالتالي هي تعبر عن ضيق الصدر وتتعارض مع مبادئ الأخوة الإسلامية وروح الإسلام العامة. الله وحده يعلم كم هو مؤذ التعصب ومثير للقرف. يقول الذهبي في رسالته التي ألفها في الرواة الثقات:
" قال أبو عمر بن عبد البر: روينا عن محمد بن وضاح قال: سألت يحيى بن معين - يحيى بن معين هذا من كبار أئمة الجرح والتعديل الذي جعلوا قوله في الرجال حجة قاطعة - سألته عن الشافعي فقال: ليس ثقة، وجعفر بن محمد الصادق وثقه أبو حاتم والنسائي إلا أن البخاري لم يحتج به " (3).
أنت تلاحظ أن يحيى بن معين وهو العملاق الشهير يزعم أن الشافعي ليس ثقة، مثلما تلاحظ أن البخاري لم يحتج بالإمام جعفر الصادق واحتج بمن هو أقل من الإمام جعفر، وجعفر عليه السلام هو صاحب مذهب أهل البيت الكرام، وهو أستاذ أصحاب المذاهب الأربعة، وهو العالم الألمعي الذي لا يشق له غبار والذي تخرج على يديه أربعة آلاف فقيه ومحدث، وفوق ذلك كله هو الإمام السادس من أئمة أهل البيت الكرام، فهو جعفر بن محمد بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ومع هذا لم يحتج به البخاري ولم يوثقه وتجافى عن روايات أهل البيت مع أنهم صحابة بالمعنى الذي يقصده أهل السنة والصحابة كلهم عدول.
نقض نظرية كل الصحابة عدول من حيث الموضوع يؤمن أهل السنة بالنظرية القائلة " بأن كل الصحابة بلا استثناء عدول "، تلك النظرية التي ابتدعها رجال السياسة الغالبون، كما سنثبت ذلك، ولغاية في نفس يعقوب، وألقوا في روع الغافلين الذين يحبون هذا الدين، بأن هذه النظرية جزء لا يتجزأ من دين الإسلام وفصل ثابت من فصول العقيدة الإلهية من شك فيها أو خرج عليها أو ناقشها فهو زنديق لا ينبغي أن يواكل أو يشارب أو يصلي عليه إذا مات.
حقيقة أن الصحبة شرف عظيم ومراتبها عالية، ولكنها بالمعنى اللغوي وبالمعنى الاصطلاحي المتفق عليه عند أهل الملة، هذه الصحبة تشمل كل المسلمين الذين عاصروا رسول الله. بمعنى أن كل شعب دولة النبي كانوا صحابة، لأن العبرة والمعول عليه هو:
1 - الالتقاء بالنبي.
2 - الإيمان الصادق به كحال الصحابة الصادقين أو التظاهر بهذا الإيمان، وكحال المنافقين وكحال الذين حاربوا الإسلام بكل وسائل الحرب ثم أحيطوا واضطروا للإسلام لأن كل الأبواب قد أوصدت في وجوههم إلا باب الإسلام فولجوه، الله وحده أعلم بنواياهم.
3 - الموت وهو على هذه الحال.
إن هؤلاء المؤمنين الصادقين، والمنافقين المتظاهرين، ومن لم يدخل الإيمان في قلوبهم، لم يكونوا بدرجة واحدة حتى يقال بأنهم جميعا عدول، بل إن منهم من كان يظهر الإيمان ويبطن الكفر والعصيان، وهم الفئة المنافقة من المسلمين الذين عاصروا النبي ومات النبي وهم على قيد الحياة.
وقد كشف القرآن الكريم بأن أفراد هذه الفئة مردوا على النفاق وخانوا، وغدروا، ووعدوا فأخلفوا، وحدثوا فكذبوا، وابتغوا الفتنة وآذوا النبي، وقلبوا الأمور.
وكانت راية الإسلام ترتفع كل يوم حتى بسطت دولة النبي سلطانها المبارك على الجزيرة، وأضفت هيبتها على الجميع وأكمل الله الدين، وأتم النعمة، وانتقل النبي إلى جوار ربه، وتلك الفئة المنافقة على حالها، والمسلمون متفاوتون بإيمانهم وتضحياتهم ومنازلهم.

العجب العجاب

وبدون مقدمات أو بمقدمات سياسية أصبح كل رعايا دولة النبي عدول بحجة أنهم كلهم صحابة شاهدهم النبي أو شاهدوه، وآمنوا به أو تظاهروا بالإيمان وأنهم ماتوا على هذا الإيمان مع أن النظرية قد ابتدعت في العصر الأموي (عصر خلافة الطلقاء) وقبل أن يموت جيل الصحابة بالمفهوم الآنف الذكر، أي أنهم قد حكموا بالعدالة قبل أن يتأكدوا من حسن الخاتمة، وهذه النظرية منقوضة من أساسها.

وجوه النقض

1 - أنها تتعارض مع النصوص القرآنية القاطعة.
2 - أنها تتعارض مع السنة النبوية بفروعها الثلاثة: القول والفعل والتقرير.
3 - نظرية عدالة كل الصحابة ينقضها واقع الحال.
4 - أنها تتعارض مع روح الإسلام العامة ومع حسن الخاتمة ومع الغاية من الحياة نفسها.

تفصيل وإثبات وجوه النقض

1 - نظرية عدالة كل الصحابة تتعارض مع النصوص القرآنية القاطعة

ظاهرة النفاق

شاعت ظاهرة النفاق في زمن النبي، وبرز المنافقون كقوة حقيقية يحسب حسابها، والمنافقون هم فئة آمنت بالظاهر، فهم بأفواههم يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله ويرددون نفس الألفاظ والمصطلحات التي يرددها المسلمون خداعا واستهزاء * (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر...يخادعون الله والذين آمنوا...) * وهم يجاهرون بذلك ويحرصون على أن يسمعه النبي والذين آمنوا: * (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا...) * ولا تقتصر ظاهرة النفاق على القول بل تتعداها إلى العمل، فقد كانوا يصلون وينفقون ويقدمون الأعذار إذا تخلفوا عن الخروج مع النبي، ويكررون مزاعمهم بالإيمان. سلوك الإنسان يعكس عاجلا أم آجلا حقيقة اعتقاده، لكن النوايا لله، والنبي يعنى بالظاهر والسلوك ويكل البواطن لله، وهو بطبيعته رؤوف رحيم خلوق ونموذج فرد للإنسان الكامل. ولكنهم تجاوزوا الحدود فبدأت الآيات القرآنية تتنزل وتكشف حقائق هذه الفئة. من ذلك:
* (... وما هم بمؤمنين.... يخادعون الله والذين آمنوا....) *.
* (... وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون...) *.
* (... ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون...) * * (... ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم....) *.
* (... لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم...) *.
* (... ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون...) *.
* (... ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا...) *. (قرآن كريم).

الحكم الإلهي القاطع

بعد أن كشف حقيقتهم، وعرى بواطنهم، أصدر حكمه العادل الذي يتلاءم وجريمتهم بالكذب على الناس وعلى الله، وكلف نبيه أن يبلغهم مضمون هذا القرار الإلهي وحيثياته وأسباب صدوره * (قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم) لماذا ؟ لأنهم يخادعون الله والذين آمنوا ومزاعمهم بالإيمان غير صحيحة واستهزاء، وبالتالي فإنهم قد كفروا بالله ورسوله بالرغم من كل مزاعمهم. وأذاع النبي القرار الإلهي وأسبابه وحيثياته ووضع كل الحقائق أمام الجميع. ومع هذا لطبيعته الفذة (صلى الله عليه وآله) كان يستغفر لهم ويسأل الله الهداية فجاءه الرد الإلهي واضحا * (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين) *.
أمثلة على تعارض نظرية عدالة كل الصحابة مع القرآن الكريم

المثال الأول

قال تعالى: * (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين * فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون * فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه) * (سورة التوبة).
إنها قصة ثعلبة، ذلك الصحابي المعدم الذي سأل الرسول أن يدعو الله له حتى يرزقه المال، فقال له الرسول: " ويحك يا ثعلبة، قليل تشكره خير من كثير لا تطيقه " فقال ثعلبة: والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله فيرزقني مالا لأعطين كل ذي حق حقه. فقال الرسول: " اللهم ارزق ثعلبة مالا "، فرزقه الله ونماه له، وعندما طلب منه الرسول زكاة أمواله بخل ثعلبة معللا بخله بأن هذه الزكاة جزية وامتنع عن دفعها ومات النبي وثعلبة على قيد الحياة، فأرسل زكاة أمواله إلى أبي بكر الصديق فرفضها، وأرسلها إلى عمر فرفضها، وهلك ثعلبة في زمن عثمان (4).

المثال الثاني

قال تعالى: * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون. أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون. وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) * (سورة السجدة).
المؤمن هو علي بن أبي طالب، والفاسق هو الوليد بن عقبة، وقد تولى الكوفة لعثمان، وتولى المدينة لمعاوية ولابنه يزيد (5).

المثال الثالث

قال تعالى: * (ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين) * (سورة الصف).
نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي سرح وهو والي عثمان على مصر، فهو الذي افترى على الله الكذب، وأباح الرسول دمه ولو تعلق بأستار الكعبة كما يروي صاحب السيرة الحلبية الشافعي في باب فتح مكة، وجاء به عثمان يوم الفتح يطلب الأمان له كما يروي صاحب السيرة، وسكت الرسول على أمل أن يقتل خلال سكوته كما أوضح رسول الله، ولما لم يقتل أعطاه الأمان.

تحليل الأمثلة الثلاث

1 - حكم الله في الثلاث

في المثال الأول: حكم الله بنفاق قلب ثعلبة وأنه من الكاذبين.
وفي المثال الثاني: بين الله أن الوليد بن عقبة فاسق وأنه من أهل النار وأنه لا محيد له عنها ولا مخرج له منها.
وفي المثال الثالث: بين الله أن عبد الله بن أبي سرح افترى على الله الكذب، وحاول أن يحرف كتاب الله وهو من أكثر الخلق ظلما وبين أن من المحال أن يهتدي لأن الله لا يهدي القوم الظالمين.

2 - حكم أهل السنة في الثلاث

هؤلاء الثلاثة من الصحابة، فشروط الصحبة قد توفرت فيهم بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي وبما أنهم صحابة فهم عدول لا يجوز عليهم الكذب ومحكوم بنزاهتهم وهم من أهل الجنة ولا يدخل أحد منهم النار، كيف لا و عبد الله بن أبي سرح وهو والي مصر لعثمان وأحد وزرائه، وكذلك الوليد بن عقبة فهو والي الكوفة والذي صلى الصبح أربعا ولو طلبوا الزيادة لزادهم وهو وزير عثمان ووالي معاوية على المدينة. ومن ينتقص من هؤلاء الثلاثة فهو زنديق ولا يواكل ولا يشارب ولا يصلى عليه إذا مات.
أيهما الأولى بالتصديق: كتاب الله وحكمه أم التقليد الأعمى ؟ ومن هنا فإن نظرية عدالة كل الصحابة منقوضة من حيث الموضوع لأنها تتعارض مع النصوص القرآنية القاطعة وهذا التعميم - كل الصحابة عدول - يتعارض مع الأحكام الإلهية ويخالفها.
2 - نظرية عدالة كل الصحابة تتعارض مع السنة النبوية

المثال الأول

ذو الثدية فقد كان من الصحابة المتنسكين وكان يعجب الناس تعبده واجتهاده، وكان رسول الله يقول: إنه لرجل في وجهه لسعة من الشيطان. وأرسل أبا بكر، ليقتله فلما رآه يصلي رجع، وأرسل عمر فلم يقتله ثم أرسل عليا عليه السلام فلم يدركه. وهو الذي ترأس الخوارج وقتله علي عليه السلام يوم النهروان.

المثال الثاني

كانت مجموعة من الصحابة يجتمعون في بيت أحدهم يثبطون الناس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأمر من أحرق عليهم هذا البيت.

المثال الثالث

قزمان بن الحرث قاتل رسول الله في أحد قتال الأبطال، فقال أصحاب النبي:
ما أجزأ عنا أحد كما أجزأ عنا فلان. فقال النبي: أما إنه من أهل النار، ولما أصابته الجراح وسقط قيل له هنيئا لك بالجنة يا أبا الفيداق. قال جنة من حرمل والله ما قاتلنا إلا على الأحساب (6).

المثال الرابع

الحكم بن العاص بن أمية بن عبد شمس عم عثمان بن عفان ووالد مروان بن الحكم لعنه رسول الله ولعن ما في صلبه وقال ويل لأمتي مما في صلب هذا.
ومن حديث عائشة أنها قالت لمروان أشهد أن رسول الله لعن أباك وأنت في صلبه فنفاه النبي إلى مرج قرب الطائف وحرم عليه أن يدخل المدينة، ولما مات رسول الله راجع عثمان أبا بكر ليدخله فرفض أبو بكر، ولما مات أبو بكر راجع عثمان عمر ليدخله المدينة فأبى عمر، ولما تولى عثمان الخلافة أدخله معززا مكرما وأعطاه مئة ألف درهم واتخذ مروان ابنه بطانة له وتسبب فيما بعد بقتل الخليفة وخراب الخلافة الراشدة. وكان مروان يلقب بخيط باطل ثم خليفة المسلمين. يقول الشاعر:
لي الله قوما أمروا خيط باطل على * الناس يعطي من يشاء ويمنع

المثال الخامس

وهم الذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وقالوا: إنهم بنوا هذا المسجد تقربا لله تعالى وكانوا اثني عشر رجلا من الصحابة المنافقين.
المثال السادس: لعن الرسول لبعض الصحابة قال الحلبي في رواية: صار (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " اللهم العن فلانا وفلانا " (7). وأخرج البخاري قال: حدثني سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الأخيرة من الفجر يقول: " اللهم العن فلانا وفلانا " بعد ما يقول: سمع الله لمن حمده. وقال السيوطي وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أحد: " اللهم العن أبا سفيان، اللهم العن الحرث بن هشام، اللهم العن سهيل بن عمرو واللهم العن صفوان بن أمية ". قال السيوطي وأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يدعو على أربعة نفر وكان يقول في صلاة الفجر: " اللهم العن فلانا وفلانا ". وأخرج نصر بن مزاحم المنقري عن عبد الغفار بن القاسم عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: أقبل أبو سفيان ومعه معاوية، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " اللهم العن التابع والمتبوع، اللهم عليك بالأقيص " فقال ابن براء لأبيه: من الأقيص قال:
معاوية. وأخرج نصر عن علي بن الأقمر في آخر حديثه قال: فنظر رسول الله إلى أبي سفيان وهو راكب ومعاوية وأخوه أحدهما قائد والآخر سائق، فلما نظر إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " اللهم العن القائد والسائق والراكب "، قلنا أنت سمعت رسول الله ؟ قال: نعم وإلا قصمت أذناي. وانظر إلى رسالة محمد بن أبي بكر الصديق التي وجهها لمعاوية فقد جاء فيها: وقد رأيتك تساميه وأنت أنت وهو هو أصدق الناس نية وأفضل الناس ذرية، وخير الناس زوجة، وأفضل الناس ابن عم أخوه الشاري بنفسه يوم مؤتة وعمه سيد الشهداء يوم أحد وأبوه الذاب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونحن حوزته. وأنت اللعين ابن اللعين لم تزل أنت وأبوك تبغيان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) الغوائل وتجهدان في إطفاء نور الله تجمعان على ذلك الجموع وتبذلان فيه المال وتؤلبان عليه القبائل وعلى ذلك مات أبوك وعليه خلفته. ولم ينف معاوية لعنه ولا لعن أبيه مع أنه قد رد ردا بليغا على هذه الرسالة (8).

دعوة لتحليل هذه الأمثلة

الأمثلة الست التي سقناها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تنقض نقضا كاملا القول (بأن كل الصحابة عدول). فمن يأمر الرسول بقتله ليس من العدول. ومن يحرق عليهم رسول الله البيت ليسوا من العدول.
ومن يقل عن الجنة جنة من (حرمل) ويقاتل على الأحساب ليس من العدول.
ومن يلعنه الرسول ويلعن ما في صلبه ليس من العدول.
والذين اتخذوا مسجدا ضرارا ليسوا من العدول.
لأن القول بعدالتهم يتعارض مع السنة المطهرة. فالسنة المطهرة تنفي هذه العدالة، والمقلدون تقليدا أعمى بعزلة عن التفكير يثبتونها فأيهما أولى بالتصديق سنة المصطفى أم تقليد المقلدين ؟
فلا خلاف بعدالة أفاضل الصحابة، ولكن الخلاف يكمن في التعميم بالقول (بأن كل الصحابة عدول) والقول بالتعميم تنقضه السنة المطهرة لأنه يتعارض معها تعارضا كاملا.
المصادر :
1- الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني ص 17 - 19.
2- كتاب الكبائر للحافظ الذهبي ص 238.
3- صيانة القرآن للسيد مرتضى الرضوي ص 97 - 98.
4- تفسير فتح القدير للشوكاني علي بن محمد مجلد 2 ص 185 /تفسير ابن كثير مجلد 2 ص 373./ تفسير الخازن لعلاء الدين علي بن إبراهيم البغدادي مجلد 2 ص 125. / الطبري مجلد 6 ص 131.
5- شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ح 445 و 453، 610، 626 وراجع مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ص 324 و 370 و 371 وراجع تفسير الطبري ج 21 ص 107 وراجع الكشاف للزمخشري ج 3 ص 514 وراجع فتح القدير للشوكاني ج 4 ص 255 وراجع تفسير ابن كثير ج 3 ص 462 وراجع أسباب النزول للواحدي ص 200 وراجع أسباب النزول للسيوطي مطبوع بهامش تفسير الجلالين ص 550، وراجع أحكام القرآن لابن عربي ج 3 ص 1489 وراجع شرح النهج لابن أبي الحديد ج 4 ص 80 و ج 6 ص 292 وراجع كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص 140 وراجع الدر المنثور للسيوطي ج 5 ص 178 وراجع ذخائر العقبى للطبري الشافعي ص 88 وراجع المناقب للخوارزمي الحنفي ص 197 وراجع نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص 92، وراجع تذكرة الخواص للسبط الجوزي الحنفي ص 207 وراجع مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي وراجع ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 250 وراجع زاد المسير لابن الجوزي الحنبلي ج 6 ص 340 وراجع أنساب الأشراف للبلاذري ج 2 ص 148 ح 150، وراجع تفسير الخازن ج 3 ص 470 و ج 5 ص 187 وراجع معالم التنزيل للبغوي الشافعي بهامش الخازن ج 5 ص 187 وراجع السيرة الحلبية للحلبي الشافعي ج 2 ص 85 وراجع تخريج الكشاف لابن حجر العسقلاني مطبوع بذيل الكشاف ج 3 ص 514 وراجع الانتصاف في ما تضمنه الكشاف بذيل الكشاف ج 3 ص 244 وراجع إحقاق الحق ج 3 ص 273 وراجع فضائل الخمسة ج 1 ص 268 .
6- الإصابة ج 3 ص 235 وراجع آراء علماء المسلمين للسيد مرتضى ص 127 وما فوق.
7- السيرة الحلبية ج 2 ص 234.
8- الدر المنثور في التفسير المأثور ج د ص 71. وقعة صفين ص 217 ص 220. مروج الذهب للمسعودي ج 3 ص 14 .


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مدة حكم المهدي المنتظر
العمل الصالح
معالم " نهضة العلماء "
قصة استشهاد الامام جعفر بن محمد الصادق عليه ...
زيارة السيد عبد العظيم الحسني علیه السلام
التوسل بأُم البنين عليها‌السلام
الحب بعد الأربعين
الامام محمد الباقر علیه السلام
الحجّ في نصوص أهل البيت(عليهم السلام)
آفّات التفسير الروائي

 
user comment