فی تعریف النور

النور

يقول الحكماء فى تعريف النور، إنه حقيقة جليّة بذاتها مظهرة لغيرها.
والمراد من العقل فى الرواية هو الحقيقة التى تربط بين الإنسان وجميع معارف وحقائق الخلق، وقد عبر القرآن الكريم عن الرسول الأكرم محمد (ص) ب (السراج المنير) أى المصباح الساطع قال سبحانه وتعالى! يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً وَ داعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً «4».
______________________________
 (1) عوالى اللئالى: 4/ 99 حديث 141؛ بحار الأنوار: 1/ 97، باب 2، حديث 8.
 (2) عوالى اللئالى: 4/ 99 حديث 141؛ بحار الأنوار: 1/ 97، باب 2، حديث 7.
 (3) بحار الأنوار: 54/ 309، التكملة.
 (4) سورة الأحزاب: الآيتان 46 45، يقول المرحوم المجلسى فى بحار الأنوار: 31/ 308 باب 11 فى تفسير الآية الكريمة (وسراجاً منيراً)، يهتدى بك فى الدين كما يهتدى بالسراج المنير الذى يصدر من جهته، أما بفعله وإما لأنه سبب له فالقمر منير والسراج منير لهذا المعنى (، وجاء فى البحار أيضاً فى توضيح خطبة لأمير المؤمنين*:) وسراجاً منيراً (يستضاء به فى ظلمات الجهالة ويقتبس من نور أنوار البصائر.

اهل البيت (ع) ملائكة الارض،للعلامة انصاریان ص:43

فهو نور وحقيقة ساطعة بذاتها مضيئة لغيرها وهو بالنسبة لجميع حقائق الوجود فى ارتباط ظاهرى وباطنى وعلى أعلى درجات الوعى للوجود متحمس فى نقل هذا الوعى إلى غيره فيكونوا على وعى وعلاقة مع ظاهر وباطن الوجود وهنا تكمن هوية النور ومعانيه وقد قال الحكماء فى تعريف النور:
النور: كيفية ظاهرة بنفسها مظهرة لغيرها «1».
إن الله عز وجل الرحمن الرحيم الحنان المنان شاء أن يخلق شمس محمد «2» ونوره أول ما خلق الله سبحانه، بهذا تفيد الروايات الكثيرة من شعاع تلك الشمس ومن أنوارها فانكشفت الظلمات ببركة ذلك النور عن الأشياء وانزاحت الأستار والحجب فظهرت أوجه جميع الكائنات فهو السبب المتصل بين جميع الأشياء وبارئها.
ومن هنا قال فى بعض ما ورد من أحاديث موثوقة: أنا الشمس‌ «3»، وما أعجب هذا التشبيه: أنا الشمس! فالشمس فى عالم الطبيعة هى مركز المنظومة الشمسية، تدور حولها الكواكب وتستمد وجودها من وجود الشمس، وفى الأزمنة السحيقة كانت كواكب المنظومة وهى المريخ، والأرض والزمهرة، وزحل وعطارد والمشترى ونبتون وبلوتو أجزاءً من الشمس؛ فشاء الله عز وجل أن تنفجر الشمس انفجاراً رهيباً وانفصلت هذه الكواكب شظايا بعد سلسلة من‌
______________________________
 (1) (وداعياً إلى الله وسراجاً منيرا)، الأحزاب: الآية 46.
 (2) معانى الأخبار: 114، باب معنى الشمس، حديث 3؛ بحار الأنوار: 24/ 74 باب 30 حديث 9.
 (3) معانى الأخبار: 114، باب مض الشمس، حديث 3، بحار الأنوار: 24/ 74 باب 3 حديث 9.

اهل البيت (ع) ملائكة الارض،للعلامة انصاریان، ص: 44

الأفعال والانفعالات لتستقر فى مداراتها الحالية كما أراد الله سبحانه وشاء، وهى حتى الآن مرتبطة بالشمس تدور حولها منجذبة إليها تستمد منها النور والدف‌ء ومقومات الوجود.
إن نور النبى (ص) خلقه الله عز وجل قبل كل شى‌ء وشاء الله أن يكون مصدر الوجود لكل الكائنات الأخرى، فنور النبى (ص) نبع لجميع الأشياء وما هذه الكائنات إلا من نور النبى محمد (ص).
فكما أن الكواكب السيارة تشكل تجلياً للمنظومة الشمسية ومؤلفة لها فهى أجزاء شمسية لكنها تتجلى بثوب آخر وحلّة أخرى وعلى حدّ تعبير الفلاسفة، أنها كائنات تعيّن نزولها فى إطار آخر وفى حلّة أخرى.
فإنّ الكائنات الملكية والملكوتية والغيبية والشهود ية هى كذلك وبإرادة الحق تعالى هى تعينات تنزلية من شمس محمد.
فنشأت من حقيقته المباركة الأقمار والنجوم، وقد جاء فى الأثر عن النبى:
أنا الشمس وعلى القمر، وفاطمة الزهرة، والحسن والحسين الفرقدان‌ «1».
وهذا الحديث عن النبى (ص) الذى عصمه الله من الخطأ فلا ينطق عن الهوى، وعلى هذا فهو ينطوى على دلالات عميقة، وقد اختار النبى فى حديثه مفردات يفهمها الكل ويدركها الجميع.
إن الحقيقة المحمدية متصلة بالحق اتصال الشعاع بالشمس، بل أن اتصال النبى بالحق أقوى وأوثق من اتصال شعاع الشمس‌
______________________________
 (1) معانى الأخبار: 114، باب مضر الشمس، حديث 2، بحار الأنوار: 24/ 74، باب 3/ حديث 9.
وجاء فى لسان العرب: 3/ 334 الفرقدان:) نجمان فى السماء لا يغربان، ولكنهما يطوقان بالجدى و .. (ولا يخلو الحديث من لطافة فى التشبيه.

اهل البيت (ع) ملائكة الارض،للعلامة انصاریان ص: 45

بالشمس، وقد شاء الله عز وجل أن يكرم رسوله محمد (ص) بأنواع المكارم فجعله سبباً فى تحقق جميع الكائنات فى هذا الوجود الفسيح فكل الكائنات والمخلوقات مدينة له وهو من أكثرها قرباً واتصالًا بالحق تبارك وتعالى.
وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ‌ «1».
وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ‌ «2».
أجل أن ملكية جميع النعم هى بيد النبى (ص) بإذن الله تبارك وتعالى والجميع يأكل من مائدته بأذنه فعليهم أن يدركوا أن عليهم حقوقاً يجب أن يؤدوها بكل شوق ورغبة وليعلموا أن ما يؤدونه يعود إليهم بلطف رسول الله الكريم الأكرم:
قل ما سألتكم من أجر فهو لكم‌ «3».


اهل البيت (ع) ملائكة الارض،للعلامة انصاریان ص :45