عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

هل نزل القرآن على سبعة أحرف؟!!

هل نزل القرآن على سبعة أحرف؟!!

    البيان في تفسير القرآن، ص: 170


- عرض الروايات حول نزول القرآن على سبعة أحرف.
- تفنيد تلك الروايات.
- عدم رجوع نزول القرآن على سبعة أحرف إلى معنى معقول.
- الوجوه العشرة التي ذكروها تفسيرا للأحرف السبعة.


- بيان فساد تلك الوجوه    



                    البيان في تفسير القرآن، ص: 171

عرض الروايات حول نزول القرآن على سبعة أحرف‌
لقد ورد في روايات أهل السنة: أن القرآن انزل على سبعة أحرف، فيحسن بنا أن نتعرض إلى التحقيق في ذلك بعد ذكر هذه الروايات:
1- أخرج الطبري، عن يونس و أبي كريب، بإسنادهما، عن ابن شهاب، بإسناده عن ابن عباس، حدثه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:
 «أقرأني جبرئيل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده فيزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف».
و رواها مسلم، عن حرملة، عن ابن وهب عن يونس «1» و رواها البخاري بسند آخر «2» و روى مضمونها عن ابن البرقي، بإسناده عن ابن عباس.
2- و أخرج عن أبي كريب، بإسناده، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن جده، عن أبيّ بن كعب قال:
__________________________________________________
 (1) صحيح مسلم: 2/ 202، كتاب صلاة المسافرين و قصرها رقم الحديث: 355. طبعة محمد علي صبيح بمصر.
 (2) صحيح البخاري: 6/ 100، كتاب بدء الخلق، باب انزل القرآن على سبعة أحرف، رقم الحديث: 2980.
طبعة دار الخلافة. المطبعة العامرة.



                        البيان في تفسير القرآن، ص: 172



 «كنت في المسجد فدخل رجل يصلّي فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل رجل آخر فقرأ قراءة غير قراءة صاحبه، فدخلنا جميعا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: فقلت يا رسول اللّه إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل هذا فقرأ قراءة غير قراءة صاحبه، فأمرهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقرءا، فحسّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شأنهما، فوقع في نفسي من التكذيب، و لا إذ كنت في الجاهلية فلما رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما غشيني ضرب في صدري، ففضت عرقا كأنما أنظر إلى اللّه فرقا. فقال لي: يا أبيّ أرسل إليّ أن اقرأ القرآن على حرف، فرددت عليه أن هوّن على امتي، فرد عليّ في الثانية أن اقرأ القرآن على حرف «1» فرددت عليه أن هوّن على امتي، فردّ عليّ في الثالثة ان اقرأه على سبعة أحرف، و لك بكل ردة رددتها مسألة تسألنيها.
فقلت: اللهم اغفر لامتي. اللهم اغفر لامتي، و أخرت الثالثة ليوم يرغب فيه إليّ الخلق كلهم حتى إبراهيم عليه السّلام» «2».
و هذه الرواية رواها مسلم أيضا بأدنى اختلاف «3». و أخرجها الطبري عن أبي كريب بطرق أخرى باختلاف يسير أيضا. و روى ما يقرب من مضمونها عن طريق يونس بن عبد الأعلى و عن طريق محمد بن عبد الأعلى الصنعاني عن أبيّ.
3- و أخرج عن أبي كريب، بإسناده، عن سليمان بن صرد، عن أبيّ بن كعب قال:
__________________________________________________
 (1) هكذا في النسخة، و في صحيح مسلم: على حرفين.
 (2) مسند احمد: مسند الأنصار، رقم الحديث: 20234 و 20242.
 (3) صحيح مسلم: 2/ 203، رقم الحديث: 1356. كتاب صلاة المسافرين و قصرها.


                        البيان في تفسير القرآن، ص: 173



 «رخت إلى المسجد فسمعت رجلا يقرأ. فقلت: من أقرأك؟
فقال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فانطلقت به إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقلت:
استقرى‌ء هذا، فقرأ. فقال: أحسنت. قال: فقلت إنك أقرأتني كذا و كذا فقال: و أنت قد أحسنت. قال: فقلت قد أحسنت قد أحسنت.
قال: فضرب بيده على صدري، ثم قال: اللهم أذهب عن أبيّ الشك.
قال: ففضت عرقا و امتلأ جوفي فرقا، ثم قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إن الملكين أتياني. فقال أحدهما: اقرأ القرآن على حرف، و قال الآخر: زده قال: فقلت زدني. قال: اقرأ على حرفين حتى بلغ سبعة أحرف.
فقال: اقرأ على سبعة أحرف».
4- و أخرج عن أبي كريب، بإسناده، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه قال:
 «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قال جبرئيل: اقرأ القرآن على حرف.
فقال ميكائيل: استزده فقال: على حرفين، حتى بلغ ستة أو سبعة أحرف- و الشك من أبي كريب- فقال: كلها شاف كاف. ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب كقولك: هلمّ و تعال».
5- و أخرج عن أحمد بن منصور، بإسناده، عن عبد اللّه بن أبي طلحة، عن أبيه، عن جده قال:
 «قرأ رجل عند عمر بن الخطاب فغيّر عليه فقال: لقد قرأت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلم يغير عليّ قال: فاختصما عند النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: يا رسول اللّه ألم تقرئني آية كذا و كذا؟ قال: بلى. فوقع في صدر عمر شى‌ء فعرف النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذلك في وجهه. قال: فضرب      


                  البيان في تفسير القرآن، ص: 174



 صدره. و قال: أبعد شيطانا، قالها ثلاثا ثم قال: يا عمر إن القرآن كله سواء، ما لم تجعل رحمة عذابا و عذابا رحمة».
و أخرج عن يونس بن عبد الأعلى، بإسناده، عن عمر بن الخطاب قضية مع هشام بن حكيم تشبه هذه القصة. و روى البخاري و مسلم و الترمذي قصة عمر مع هشام بإسناد غير ذلك، و اختلاف في ألفاظ الحديث «1».
6- و أخرج عن محمد بن المثنى، بإسناده، عن ابن أبي ليلى، عن أبيّ بن كعب أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان عند إضاءة بني غفار قال:
 «فأتاه جبرئيل. فقال: إن اللّه يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف. فقال: اسأل اللّه معافاته و مغفرته، و إن أمتي لا تطيق ذلك. قال: ثم أتاه الثانية. فقال: إن اللّه يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين. فقال: أسأل اللّه معافاته و مغفرته، و إن امتي لا تطيق ذلك، ثم جاء الثالثة. فقال: إن اللّه يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف. فقال: أسأل اللّه معافاته و مغفرته، و إن امتي لا تطيق ذلك، ثم جاء الرابعة. فقال: إن اللّه يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا».
و رواها مسلم أيضا في صحيحه «2». و أخرج الطبري أيضا نحوها، عن أبي‌
__________________________________________________
 (1) صحيح البخاري: كتاب الخصومات، رقم الحديث: 2241 و كتاب فضائل القرآن، رقم الحديث: 4653.
و صحيح مسلم: 2/ 202، كتاب صلاة المسافرين و قصرها، رقم الحديث: 1354، و رقم الحديث: 1357. و سنن النسائي: كتاب الافتتاح رقم الحديث: 930. و سنن الترمذي: كتاب القراءات رقم الحديث: 2867.
 (2) صحيح مسلم: 2/ 203، رقم الحديث: 1357.



                        البيان في تفسير القرآن، ص: 175



كريب، بإسناده، عن ابن أبي ليلى، عن أبيّ بن كعب. و أخرج أيضا بعضها، عن أحمد بن محمد الطوسي، بإسناده، عن ابن أبي ليلى، عن أبيّ بن كعب باختلاف يسير.
و أخرجها أيضا عن محمد بن المثنى، بإسناده عن أبيّ بن كعب.
7- و أخرج عن أبي كريب بإسناده عن زر عن أبيّ قال:
 «لقي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جبرئيل عند أحجار المراء. فقال: إني بعثت إلى أمّة أمّيين منهم الغلام و الخادم، و فيهم الشيخ الفاني و العجوز. فقال جبرئيل: فليقرؤوا القرآن على سبعة أحرف» «1».
8- و أخرج عن عمرو بن عثمان العثماني، بإسناده، عن المقبري، عن أبي هريرة أنه قال:
 «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إن هذا القرآن انزل على سبعة أحرف، فاقرأوا و لا حرج، و لكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب، و لا ذكر عذاب برحمة».
9- و أخرج عن عبيد بن أسباط، بإسناده، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. قال:
 «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «انزل القرآن على سبعة أحرف. عليم.
حكيم. غفور. رحيم».
و أخرج عن أبي كريب، بإسناده، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مثله.
10- و أخرج، عن سعيد بن يحيى، بإسناده، عن عاصم، عن زر، عن عبد اللّه بن مسعود قال:
__________________________________________________
 (1) و رواها الترمذي أيضا بأدنى اختلاف: 11/ 62.



                        البيان في تفسير القرآن، ص: 176



 «تمارينا في سورة من القرآن، فقلنا: خمس و ثلاثون، أو ست و ثلاثون آية. قال: فانطلقنا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فوجدنا عليا يناجيه. قال: فقلنا إنما اختلفنا في القراءة. قال: فاحمرّ وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال: إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم بينهم. قال: ثم أسرّ الى عليّ شيئا. فقال لنا عليّ: إن رسول اللّه يأمركم أن تقرءوا كما علّمتم» «1».
11- و أخرج القرطبي، عن أبي داود، عن أبيّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
 «يا أبيّ إني قرأت القرآن. فقيل لي: على حرف أو حرفين. فقال الملك الذي معي: قل على حرفين. فقيل لي: على حرفين أو ثلاثة.
فقال الملك الذي معي: قل على ثلاثة، حتى بلغ سبعة أحرف، ثم قال: ليس منها إلا شاف كاف، إن قلت سميعا، عليما، عزيزا، حكيما، ما لم تخلط آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب» «2».
هذه أهم الروايات التي رويت في هذا المعنى، و كلها من طرق أهل السنة، و هي مخالفة لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال:
 «إن القرآن واحد نزل من عند واحد، و لكن الإختلاف يجي‌ء من قبل الرواة» «3».
و قد سأل الفضيل بن يسار أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال:
__________________________________________________
 (1) هذه الروايات كلها مذكورة في تفسير الطبري: 1/ 9- 15. [.....]
 (2) تفسير القرطبي: 1/ 43.
 (3) اصول الكافي: 1/ 630، كتاب فضل القرآن- باب النوادر، رقم الحديث: 12.



                        البيان في تفسير القرآن، ص: 177



 «إن الناس يقولون: إن القرآن نزل على سبعة أحرف. فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:
كذبوا- أعداء اللّه- و لكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد» «1».
و قد تقدم إجمالا أن المرجع بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في امور الدين، إنما هو كتاب اللّه و أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا «و سيأتي توضيحه مفصلا بعد ذلك إن شاء اللّه تعالى» و لا قيمة للروايات إذا كانت مخالفة لما يصح عنهم.
و لذلك لا يهمنا أن نتكلم عن أسانيد هذه الروايات. و هذا أول شى‌ء تسقط به الرواية عن الاعتبار و الحجية. و يضاف إلى ذلك ما بين هذه الروايات من التخالف و التناقض، و ما في بعضها من عدم التناسب بين السؤال و الجواب.
تهافت الروايات:
فمن التناقض أن بعض الروايات دلّ على أن جبرئيل أقرأ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على حرف فاستزاده النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فزاده، حتى انتهى إلى سبعة أحرف، و هذا يدل على أنّ الزيادة كانت على التدريج، و في بعضها أن الزيادة كانت مرة واحدة في المرة الثالثة، و في بعضها أن اللّه أمره في المرة الثالثة أن يقرأ القرآن على ثلاثة أحرف، و كان الأمر بقراءة سبع في المرة الرابعة.
و من التناقض أن بعض الروايات يدل على أن الزيادة كلها كانت في مجلس واحد، و أن طلب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الزيادة كان بإرشاد ميكائيل، فزاده جبرئيل حتى بلغ‌
__________________________________________________
 (1) اصول الكافي 1/ 630، كتاب فضل القرآن- باب النوادر- رقم الحديث: 13.



                        البيان في تفسير القرآن، ص: 178



سبعا، و بعضها يدل على أن جبرئيل كان ينطلق و يعود مرة بعد مرة.
و من التناقض أن بعض الروايات يقول: إن أبيّ دخل المسجد، فرأى رجلا يقرأ على خلاف قراءته. و في بعضها أنه كان في المسجد، فدخل رجلان و قراءا على خلاف قراءته. و قد وقع فيها الاختلاف أيضا فيما قاله النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأبيّ ... إلى غير ذلك من الاختلاف.
و من عدم التناسب بين السؤال و الجواب، ما في رواية ابن مسعود من قول علي عليه السّلام إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يأمركم أن تقرءوا كما علمّتم. فإن هذا الجواب لا يرتبط بما وقع فيه النزاع من الاختلاف في عدد الآيات. أضف إلى جميع ذلك أنه لا يرجع نزول القرآن على سبعة أحرف إلى معنى معقول، و لا يتحصل للناظر فيها معنى صحيح.
وجوه الأحرف السبعة:
و قد ذكروا في توجيه نزول القرآن على سبعة أحرف وجوها كثيرة نتعرض للمهم منها مع مناقشتها و بيان فسادها:
1- المعاني المتقاربة:
إن المراد سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو «عجّل، و أسرع، واسع» و كانت هذه الأحرف باقية إلى زمان عثمان فحصرها عثمان بحرف واحد، و أمر بإحراق بقية المصاحف التي كانت على غيره من الحروف الستة. و اختار هذا الوجه الطبري «1». و جماعة. و ذكر القرطبي أنه مختار أكثر أهل العلم «2». و كذلك قال‌
__________________________________________________
 (1) تفسير الطبري: 1/ 15.
 (2) تفسير القرطبي: 1/ 42.


                        البيان في تفسير القرآن، ص: 179


أبو عمرو بن عبد البر «1».
و استدلوا على ذلك برواية ابن أبي بكرة، و أبي داود، و غيرهما مما تقدم. و برواية يونس بإسناده، عن ابن شهاب. قال:
 «أخبرني سعيد بن المسيب أن الذي ذكر اللّه تعالى ذكره:
إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ «16: 103».
إنما افتتن أنه كان يكتب الوحي، فكان يملي عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سميع عليم، أو عزيز حكيم، و غير ذلك من خواتم الآي، ثم يشتغل عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو على الوحي، فيستفهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيقول: «أ عزيز حكيم، أو سميع عليم، أو عزيز عليم»؟ فيقول له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أيّ ذلك كتبت فهو كذلك، ففتنه ذلك. فقال: إن محمدا أو كل ذلك إليّ فاكتب ما شئت».
و استدلوا أيضا بقراءة أنس «إن ناشئة الليل هي أشدّ وطأ و أصوب قيلا» فقال له بعض القوم: يا أبا حمزة إنما هي «و أقوم» فقال: «أقوم، و أصوب، و أهدى واحد».
و بقراءة ابن مسعود «إن كانت إلّا زقية واحدة» «2».
و بما رواه الطبري عن محمد بن بشار، و أبي السائب بإسنادهما عن همام أن أبا الدرداء كان يقرى‌ء رجلا:
إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ «44: 44».
قال: فجعل الرجل يقول «إن شجرة الزقوم طعام اليتيم» قال: فلما أكثر عليه أبو
__________________________________________________
 (1) التبيان: 2: ص 39.
 (2) تفسير الطبري: 1/ 18.


                        البيان في تفسير القرآن، ص: 180


الدرداء فرآه لا يفهم. قال: «إن شجرة الزقوم طعام الفاجر» «1».
و استدلوا أيضا على ذلك بما تقدم من الروايات الدالة على التوسعة: «ما لم تختم آية رحمة بعذاب، أو آية عذاب برحمة».
فإن هذا التحديد لا معنى له إلا أن يراد بالسبعة أحرف جواز تبديل بعض الكلمات ببعض. فاستثنى من ذلك ختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب.
و بمقتضى هذه الروايات لا بد من حمل روايات السبعة أحرف على ذلك بعد رد مجملها إلى مبيّنها.
إن جميع ما ذكر لها من المعاني أجنبي عن مورد الروايات- و ستعرف ذلك- و على هذا فلا بد من طرح الروايات، لأن الالتزام بمفادها غير ممكن.
و الدليل على ذلك:
أولا: ان هذا إنما يتم في بعض معاني القرآن، التي يمكن أن يعبر عنها بألفاظ سبعة متقاربة. و من الضروري أن أكثر القرآن لا يتم فيه ذلك، فكيف تتصور هذه الحروف السبعة التي نزل بها القرآن؟.
ثانيا: إن كان المراد من هذا الوجه أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد جوّز تبديل كلمات القرآن الموجودة بكلمات اخرى تقاربها في المعنى- و يشهد لهذا بعض الروايات المتقدمة- فهذا الاحتمال يوجب هدم أساس القرآن، المعجزة الأبدية، و الحجة على جميع البشر، و لا يشك عاقل في أن ذلك يقتضي هجر القرآن المنزل، و عدم الاعتناء بشأنه. و هل يتوهم عاقل ترخيص النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يقرأ القارئ «يس، و الذكر العظيم، إنك لمن الأنبياء، على طريق سويّ، إنزال الحميد الكريم، لتخوّف قوما ما خوّف أسلافهم‌
__________________________________________________
 (1) تفسير الطبري: 25/ 78، عند تفسير الآية المباركة.


                        البيان في تفسير القرآن، ص: 181


فهم ساهون» فلتقرّ عيون المجوزين لذلك. سبحانك اللهم إن هذا إلا بهتان عظيم. و قد قال اللّه تعالى:
قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى‌ إِلَيَّ «10: 15».
و إذا لم يكن للنبي أن يبدّل القرآن من تلقاء نفسه، فكيف يجوّز ذلك لغيره؟ و إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم علّم براء بن عازب دعاء كان فيه: «و نبيك الذي أرسلت» فقرأ براء «و رسولك الذي أرسلت» فأمره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن لا يضع الرسول موضع النبي «1». فإذا كان هذا في الدعاء، فماذا يكون الشأن في القرآن؟. و إن كان المراد من الوجه المتقدم أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قرأ على الحروف السبعة- و يشهد لهذا كثير من الروايات المتقدمة- فلا بد للقائل بهذا أن يدلّ على هذه الحروف السبعة التي قرأ بها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأن اللّه سبحانه قد وعد بحفظ ما أنزله:
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ «9: 15».
ثالثا: أنه صرحت الروايات المتقدمة بأن الحكمة في نزول القرآن على سبعة أحرف هي التوسعة على الامة، لأنهم لا يستطيعون القراءة على حرف واحد، و أن هذا هو الذي دعا النبي إلى الاستزادة إلى سبعة أحرف. و قد رأينا أن اختلاف القراءات أوجب أن يكفّر بعض المسلمين بعضا. حتى حصر عثمان القراءة بحرف واحد، و أمر بإحراق بقية المصاحف.
و يستنتج من ذلك امور:
1- إن الإختلاف في القراءة كان نقمة على الأمة. و قد ظهر ذلك في عصر عثمان،
__________________________________________________
 (1) التبيان: ص 58.



                        البيان في تفسير القرآن، ص: 182



فكيف يصح أن يطلب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من اللّه ما فيه فساد الأمة. و كيف يصح على اللّه أن يجيبه إلى ذلك؟ و قد ورد في كثير من الروايات النهي عن الإختلاف. و أن فيه هلاك الأمة. و في بعضها أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تغير وجهه و احمرّ حين ذكر له الاختلاف في القراءة.
و قد تقدم جملة منها، و سيجي‌ء بعد هذا جملة اخرى.
2- قد تضمنت الروايات المتقدمة أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: إن أمتي لا تستطيع ذلك «القراءة على حرف واحد» و هذا كذب صريح، لا يعقل نسبته إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأنا نجد الامة بعد عثمان على اختلاف عناصرها و لغاتها قد استطاعت أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فكيف يكون من العسر عليها أن تجتمع على حرف واحد في زمان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد كانت الأمة من العرب الفصحى.
3- إن الاختلاف الذي أوجب لعثمان أن يحصر القراءة في حرف واحد قد اتفق في عصر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد أقرّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كل قارئ على قراءته، و أمر المسلمين بالتسليم لجميعها، و أعلمهم بأن ذلك رحمة من اللّه لهم، فكيف صح لعثمان، و لتابعيه سد باب الرحمة، مع نهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن المنع عن قراءة القرآن، و كيف جاز للمسلمين رفض قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أخذ قول عثمان و إمضاء عمله، أ فهل و جدوه أرأف بالأمة من نبيها أو أنه تنبه لشى‌ء قد جهله النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من قبل و حاشاه، أو أن الوحي قد نزل على عثمان بنسخ تلك الحروف؟!.
و خلاصة الكلام: أن بشاعة هذا القول تغني عن التكلف عن ردّه، و هذه هي العمدة في رفض المتأخرين من علماء أهل السنة لهذا القول. و لأجل ذلك قد التجأ بعضهم كأبي جعفر محمد بن سعدان النحوي، و الحافظ جلال الدين السيوطي إلى القول بأن هذه الروايات من المشكل و المتشابه، و ليس يدرى ما هو مفادها «1». مع‌
__________________________________________________
 (1) التبيان: ص 61.


                        البيان في تفسير القرآن، ص: 183



أنك قد عرفت أن مفادها أمر ظاهر، و لا يشك فيه الناظر إليها، كما ذهب اليه و اختاره أكثر العلماء.
2- الأبواب السبعة:
ان المراد بالأحرف السبعة هي الأبواب السبعة التي نزل منها القرآن و هي زجر، و أمر، و حلال، و حرام، و محكم، و متشابه، و أمثال.
و استدل عليه بما رواه يونس، بإسناده، عن ابن مسعود، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال:
 «كان الكتاب الأول نزل من باب واحد على حرف واحد، و نزل القرآن من سبعة أبواب و على سبعة أحرف: زجر، و أمر، و حلال، و حرام، و محكم، و متشابه، و أمثال. فأحلّوا حلاله، و حرّموا حرامه، و افعلوا ما أمرتم به، و انتهوا عما نهيتم عنه، و اعتبروا بأمثاله، و اعملوا بمحكمه، و آمنوا بمتشابهه، و قولوا آمنّا به كلّ من عند ربنا» «1».
و يرد على هذا الوجه:
1- أن ظاهر الرواية كون الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن غير الأبواب السبعة التي نزل منها، فلا يصح ان يجعل تفسيرا لها، كما يريده أصحاب هذا القول.
2- أن هذه الرواية معارضة برواية أبي كريب، بإسناده عن ابن مسعود. قال:
إن اللّه أنزل القرآن على خمسة أحرف: حلال، و حرام، و محكم، و متشابه، و أمثال «2».
__________________________________________________
 (1) تفسير الطبري: 1/ 23.
 (2) تفسير الطبري: 1/ 24.



                        البيان في تفسير القرآن، ص: 184



3- ان الرواية مضطربة في مفادها، فإن الزجر و الحرام بمعنى واحد، فلا تكون الأبواب سبعة، على أن في القرآن أشياء اخرى لا تدخل في هذه الأبواب السبعة، كذكر المبدأ و المعاد، و القصص، و الاحتجاجات و المعارف، و غير ذلك. و إذا أراد هذا القائل أن يدرج جميع هذه الأشياء في المحكم و المتشابه كان عليه أن يدرج الأبواب المذكورة في الرواية فيهما أيضا، و يحصر القرآن في حرفين «المحكم و المتشابه» فإن جميع ما في القرآن لا يخلو من أحدهما.
4- ان اختلاف معاني القرآن على سبعة أحرف لا يناسب ما دلت عليه الأحاديث المتقدمة من التوسعة على الأمة، لأنها لا تتمكن من القراءة على حرف واحد.
5- ان في الروايات المتقدمة ما هو صريح في أن الحروف السبعة هي الحروف التي كانت تختلف فيها القرّاء، و هذه الرواية إذا تمت دلالتها لا تصلح قرينة على خلافها.
3- الأبواب السبعة بمعنى آخر:
إن الحروف السبعة هي: الأمر، و الزجر، و الترغيب، و الترهيب، و الجدل، و القصص، و المثل. و استدل على ذلك برواية محمد بن بشار، بإسناده، عن أبي قلامة قال:
 «بلغني أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: انزل القرآن على سبعة أحرف: أمر، و زجر، و ترغيب، و ترهيب، و جدل، و قصص، و مثل» «1».
و جوابه يظهر مما قدمناه في جواب الوجه الثاني.
__________________________________________________
 (1) تفسير الطبري: 1/ 24.



                        البيان في تفسير القرآن، ص: 185



4- اللغات الفصيحة:
إن الأحرف السبعة هي اللغات الفصيحة من لغات العرب، و أنها متفرقة في القرآن فبعضه بلغة قريش، و بعضه بلغة هذيل، و بعضه بلغة هوازن، و بعضه بلغة اليمن، و بعضه بلغة كنانة، و بعضه بلغة تميم، و بعضه بلغة ثقيف. و نسب هذا القول الى جماعة، منهم: البيهقي، و الأبهري، و صاحب القاموس.
و يرده:
1- ان الروايات المتقدمة قد عينت المراد من الأحرف السبعة، فلا يمكن حملها على أمثال هذه المعاني التي لا تنطبق على موردها.
2- ان حمل الأحرف على اللغات ينافي ما روي عن عمر من قوله: نزل القرآن بلغة مضر «1». و انه أنكر على ابن مسعود قراءته «عتى حين» أي حتى حين، و كتب اليه أن القرآن لم ينزل بلغة هذيل، فأقرى‌ء الناس بلغة قريش، و لا تقرئهم بلغة هذيل «2».
و ما روي عن عثمان أنه قال: «للرهط القرشيين الثلاثة، إذا اختلفتم أنتم و زيد بن ثابت في شى‌ء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم» «3».
و ما روي: «من أن عمر و هشام بن حكيم اختلفا في قراءة سورة الفرقان، فقرأ هشام قراءة. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هكذا أنزلت، و قرأ عمر قراءة غير تلك القراءة.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هكذا أنزلت، ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إن هذا القرآن أنزل‌
__________________________________________________
 (1) التبيان: ص 64. [.....]
 (2) نفس المصدر: ص 65.
 (3) صحيح البخاري: 1/ 156، كتاب المناقب، باب نزل القرآن بلسان قريش، رقم الحديث: 3244.

على سبعة أحرف» «1»... للمزید راجع البیان للخویی ( ره ) ص186


                        البيان في تفسير القرآن، ص: 186









source : دارالعرفان
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ظهور اهل التسنن
هل نزل القرآن على سبعة أحرف؟!!
السؤال : قوله (صلى الله عليه وآله) : ( علي مع الحقّ ، ...
من هو شيخ الأنبياء ومن هو سيد البطحاء وشيخ ...
السؤال: ما هو حكم الخيرة أو الاستخارة ؟ فنرى ...
السؤال : أُودّ أن افهم مدى الغلوّ في الإمام علي ، ...
السؤال : هل الإمام يعلم بالموضوعات الخارجية ...
السؤال : لماذا يعتبر المسلمون بأنّ الكلب نجس حين ...
السؤال: من هو أنس بن مالك الأنصاري ، خادم الرسول ...
السؤال: يقول المعصوم (عليه السلام) : " لولا الحجّة ...

 
user comment