عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

التوحید والتشبیه

استنهض أمير المؤمنين عليه السلام الناس في حرب معاوية في المرة الثانية فلما حشد الناس قام خطيبا فقال: الحمد لله الواحد الاحد الصمد المتفرد، الذي لامن شئ كان، ولا من شئ خلق ماكان، قدرته بان بها من الاشياء، وبانت الاشياء منه، فليست له صفة تنال، ولاحديضرب له الامثال، كل دون صفاته تعبير اللغات وضل هنالك تصاريف الصفات، وحار في ملكوته عميقات مذاهب التفكير، وانقطع دون الرسوخ في علمه جوامع التفسير، وحال دون غيبه المكنون حجب من الغيوب، وتاهت في أدني أدانيها
التوحید والتشبیه
استنهض أمير المؤمنين عليه السلام الناس في حرب معاوية في المرة الثانية فلما حشد الناس قام خطيبا فقال: الحمد لله الواحد الاحد الصمد المتفرد، الذي لامن شئ كان، ولا من شئ خلق ماكان، قدرته بان بها من الاشياء، وبانت الاشياء منه، فليست له صفة تنال، ولاحديضرب له الامثال، كل دون صفاته تعبير اللغات وضل هنالك تصاريف الصفات، وحار في ملكوته عميقات مذاهب التفكير، وانقطع دون الرسوخ في علمه جوامع التفسير، وحال دون غيبه المكنون حجب من الغيوب، وتاهت في أدني أدانيها طامحات العقول في لطيفات الامور فتبارك الله الذي لايبلغة بعد الهمم، ولايناله غوص الفطن، وتعالى الله الذي ليس له وقت معدود، ولاأجل ممدود، ولانعت محدود، وسبحان الذي ليس له أول مبتدء، ولا غاية منتهى، ولا آخر يفنى، سبحانه، هو كما وصف نفسه، والواصفون لايبلغون نعته، حد الاشياء كلها عند خلقه إياها إبانة لها من شبهه وإبانة له من شبهها، فلم يحلل فيها فيقال: هو فيها كائن ولم ينأ عنها فيقال: هو منها بائن، ولم يخل منها فيقال له: أين، لكنه سبحانه أحاط بها علمه، وأتقنها صنعه، وأحصاها حفظه، لم يعزب عنه خفيات غيوب الهوىلاغوامض مكنون ظلم الدجى، ولا مافي السماوات العلى والارضين السفلى، لكل شئ منها حافظ ورقيب، وكل شئ منها بشئ محيط والمحيط بما أحاط منها الله الواحد الاحد الصمد الذي لم تغيره صروف الازمان ولم يتكاده صنع شئ كان، إنما قال لما شاء ان يكون: كن فكان، ابتدع ماخلق بلا مثال سبق، ولاتعب ولانصب، وكل صانع شئ فمن شئ صنع، والله لا من شئ صنع ما خلق، وكل عالم فمن بعد جهل تعلم، والله لم يجهل ولم يتعلم، أحاط بالاشياء علما قبل كونها فلم يزدد بكونها علما، علمه بها قبل أن يكونها كعلمه بعد تكوينها، لم يكونها لشدة سلطان، ولا خوف من زوال ولا نقصان، ولا استعانة على ضد مثاور ولا ند مكاثر، ولا شريك مكائد لكن خلائق مربوبون، وعباد داخرون، فسبحان الذي لايؤده خلق مابتدأ، ولا تدبير مابرأ، ولا من عجز ولامن فترة بما خلق اكتفى، علم ماخلق وخلق ماعلم لابالتفكر، ولا بعلم حادث أصاب ما خلق، ولا شبهة دخلت عليه فيما لم يخلق، لكن قضاء مبرم، وعلم محكم، وأمر متقن، توحد بالربوبية، وخص نفسه بالوحدانية، واستخلص المجد والثناء، فتمجد بالتمجيد، وتحمد بالتحميد، وعلا عن اتخاذ الابناء، وتطهر وتقدس عن ملامسة النساء وعزوجل عن مجاورة الشركاء، فليس له فيما خلق ضد، ولا فيما ملك ند، ولم يشرك في ملكه أحد الواحد الاحد الصمد المبيد للابد، و الوارث، للامد الذي لم يزل ولا يزال وحدانيا أزليا قبل بدء الدهور وبعد صرف الامور، الذي لا يبيد ولا يفقد بذلك أصف ربي، فلا إله الا الله من عظيم ما أعظمه، وجليل ما أجله، وعزيز ما أعزه، وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
وحدثنا بهذه الخطبة أحمد بن محمد بن الصقر الصائغ، قال: حدثنا محمد بن العباس بن بسام، قال: حدثني أبوزيد سعيد بن محمد البصري، قال: حدثتني عمرة بنت أوس قالت: حدثني جدي الحصين بن عبدالرحمن، عن أبيه، عن أبي - عبدالله جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، أن أمير المؤمنين عليه السلام خطب بهذه الخطبة لما استنهض النا س في حرب معاوية في المرة الثانية.
حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد ابن الحسن الصفار، وسعد بن عبدالله جميعا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، والهيثم بن أبي مسروق النهدي، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب كلهم، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن إسحاق بن غالب، عن أبي عبدالله، عن أبيه عليهما السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض خطبه: الحمد لله الذي كان في أوليته وحدانيا، وفي أزليته متعظما بالالهية، متكبرا بكبريائه وجبروته ابتدأ ما ابتدع، وأنشأ ما خلق على غير مثال كان سبق بشئ مما خلق، ربنا القديم بلط ف ربوبيته وبعلم خبره فتق وبإحكام قدرته خلق جميع ما خلق، وبنور الاصباح فلق، فلا مبدل لخلقه، ولا مغير لصنعه، ولا معقب لحكمه، ولا راد لامره، ولا مستراح عن دعوته ولا زوال لملكه،ولا انقطاع لمدته، وهو الكينون أولاوالديموم أبدا، المحتجب بنوره دون خلقه في الافق الطامح، والعز الشامخ والملك الباذخ، فوق كل شئ علا، و من كل شئ دنا، فتجلى لخلقه من غير أن يكون يرى.
وهو بالمنظر الاعلى، فأحب الاختصاص بالتوحيد إذ احتجب بنوره، وسما في علوه، واستتر عن خلقه، و بعث إليهم الرسل لتكون له الحجة البالغة على خلقه ويكون رسله إليهم شهداء عليهم، وابتعث فيهم النبيين مبشرين ومنذرين ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، وليعقل العباد عن ربهم ماجهلوه فيعرفوه بربوبيته، بعد ما أنكروا ويوحدوه بالالهية بعد ما عضدوا .
حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، وأحمد بن إدريس جميعا، قالا: حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى، عن بعض أصحابنا رفعه، قال: جاء‌رجل إلى الحسن بن علي عليهما السلام فقال له: يا ابن رسول الله صف لي ربك حتى كأني أنظر إليه، فأطرق الحسن بن علي عليهما السلام مليا، ثم رفع رأسه، فقال: الحمد لله الذي لم يكن له أول معلوم ولا آخر متناه، ولا قبل مدرك، ولا بعد محدود، ولا أمد بحتى ولا شخص فيتجزأ، ولا اختلاف صفة فيتناهى فلا تدرك العقول وأوهامها، ولا الفكر وخطراتها، ولا الالباب وأذهانها صفته فتقول: متى؟ ولا بدئ مما، ولاظاهر على ما، ولا باطن فيما، ولا تارك فهلا خلق الخلق فكان بديئا بديعا، ابتدأ ما ابتدع، و ابتدع ما ابتدأ، وفعل ما أراد وأراد ما استزاد، ذلكم الله رب العالمين.
حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد ابن الحسن الصفار، عن عباد بن سليمان، عن سعد بن سعد، قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن التوحيد، فقال: هو الذي أنتم عليه.
أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن إبراهيم بن هاشم، و يعقوب بن يزيد جميعا، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: سمعته يقول في قوله عزوجل: (وله أسلم من في السموات والارض طوعا وكرها)(1) قال: هو توحيدهم لله عزوجل.
أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبدالله، قال: حدثنا محمد بن الحسين عن محمد بن سنان، عن إسحاق بن الحارث، عن أبي بصير، قال: أخرج أبو عبدالله عليه السلام حقا، فأخرج منه ورقة، فاذا فيها: سبحان الواحد الذي لا إله غيره، القديم المبدئ الذي لا بدئ له الدائم الذي لانفاد له، الحي الذي لا يموت، الخالق ما يرى، وما لايرى، العالم كل شئ بغير تعليم، ذلك الله الذي لاشريك له.
حدثنا محمد بن القاسم المفسر رحمه الله، قال: حدثنا يوسف بن محمد بن زياد، وعلي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: قام رجل إلى الرضا عليه السلام فقال له: ياأبن رسول الله صف لنا ربك فان من قبلنا قد اختلفوا علينا، فقال الرضا عليه السلام: إنه من يصف ربه بالقياس لايزال الدهر في الالتباس، مائلا عن المنهاج ظاعنا في الاعوجاج، ضالا عن السبيل، قائلا غير الجميل، اعرفح بما عرف به نفسه من غير رؤية، وأصفه بما وصف به نفسه من غير صورة، لايدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، معروف بغير تشبيه، ومتدان في بعده لا بنظير، لايمثل بخليقته، ولا يجور في قضيته، الخلق إلى ما علم منقادون، وعلى ما سطر في المكنون من كتابه ماضون، ولا يعملون خلاف ما علم منهم، ولا غيره يريدون، فهو قريب غير ملتزق وبعيد غير متقص، يحقق ولا يمثل، ويوحد ولا يبعض، يعرف بالآيات، ويثبت بالعلامات، فلا إله غيره، الكبير المتعال.
ثم قال عليه السلام: بعد كلام آخر تكلم به: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن أبيه عليهم السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، أنه قال: ما عرف الله من شبهه بخلقه، ولا وصفه بالعدل من نسب إليه ذنوب عباده.
والحديث طويل، أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في تفسير القرآن.
حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد، عن عبدالله بن محمد، عن علي بن مهزيار، قال: كتب أبوجعفر عليه السلام إلى رجل بخطه وقرأته في دعاء كتب به أن يقول: (ياذا الذي كان قبل كل شئ، ثم خلق كل شئ، ثم يبقى ويفنى كل شئ، وياذا الذي ليس في السماوات العلى ولا في الارضين السفلى ولا فوقهن ولا بينهن ولا تحتهن إله يعبد غيره)
حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن محمد بن عيسى اليقطيني، عن سليمان بن راشد.
عن أبيه، عن المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: الحمد لله الذي لم يلد فيورث، ولم يولد فيشارك.
حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثني علي بن العباس، قال: حدثني إسماعيل بن مهران الكوفي، عن إسماعيل بن إسحاق الجهني، عن فرج بن فروة، عن مسعدة بن صدقة، قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: بينما أمير المؤمنين عليه السلام يخطب على المنبر بالكوفة إذقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين صف لنا ربك تبارك وتعالى لنزداد له حبا وبه معرفة، فغضب أمير المؤمنين عليه السلام، ونادى الصلاة جامعة فاجتمع الناس حتى غص المسجد بأهله، ثم قام متغير اللون فقال:
الحمد لله الذي لا يفره المنع، ولا يكديه الاعطاء إذ كل معط منتقص سواه، الملئ بفوائد النعم وعوائد المزيد، وبجوده ضمن عيالة الخلق، فأنهج سبيل الطلب للراغبين إليه، فليس بما سئل أجود منه بما لم يسأل، وما اختلف عليه دهر فيختلف منه الحال، ولو وهب ما تنفست عنه معادن الجبال وضحكت عنه أصداف البحار من فلذ اللجين وسبائك العقيان ونضائد المرجان لبعض عبيده، لما أثر ذلك في وجوده ولا أنفد سعة ما عنده، ولكان عنده من ذخائر الافضال مالا ينفذه مطالب السؤال ولا يخطر لكثرته على بال، لانه الجواد الذي لا تنقصه المواهب، ولا ينحله إلحاح الملحين (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)(2)
الذي عجزت الملائكة على قربهم من كرسي كرامته، وطول ولههم إليه وتعظيم جلال عزه، وقربهم من غيب ملكوته أن يعلموا من أمرهإلا ما أعلمهم، وهم من ملكوت القدس بحيث هم من معرفته على ما فطرهم عليه أن قالوا: (قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)(3)
فما ظنك أيها السائل بمن هو هكذا، سبحانه وبحمده، لم يحدث فيمكن فيه التغير والانتقال، ولم يتصرف في ذاته بكرور الاحوال ولم يختلف عليه حقب الليالي والايام الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله ولا مقدار احتذى عليه من معبود كان قبله ولم تحط به الصفات فيكون بادراكها إياه بالحدود متناهيا، وما زال - ليس كمثله شئ - عن صفة المخلوقين متعاليا وانحسرت الابصار عن أن تناله فيكون بالعيان موصوفا وبالذات التي لا يعلمها إلا هو عند خلقه معروفا، وفات لعلوه على أعلى الاشياء مواقع رجم المتوهمين وارتفع عن أن تحوي كنه عظمته فهاهة رويات المتفكرين، فليس له مثل فيكون ما يخلق مشبها به وما زال عند أهل المعرفة به عن الاشباه والاضداد منزها، كذب العادلون بالله إذ شبهوه بمثل أصنافهم وحلوه حلية المخلوقين بأوهامهم، وجزوه بتقدير منتج خواطرهم وقد روه على الخلق المختلفة القوى بقرائح عقولهم وكيف يكون من لا يقدر قدره مقدرا في رويات الاوهام، وقد ضلت في إدراك كنهه هواجس الاحلام لانه أجل من أن يحده ألباب البشر بالتفكير، أو يحيط به الملائكة على قربهم من ملكوت عزته بتقدير، تعالى عن أن يكون له كفو فيشبه به لانه اللطيف الذي إذا أرادت الاوهام أن تقع عليه في عميقات غيوب ملكه، وحاولت الفكر المبرأة من خطر الوسواس إدراك علم ذاتهوتولهت القلوب إليه لتحوي منه مكيفا في صفاته وغمضت مداخل العقول من حيث لا تبلغه الصفات لتنال علم إلهيته ردعت خاسئة وهي تجوب مهاوي سدف الغيوب متخلصة إليه سبحانه، رجعت إذ جبهت معترفة بأنه لاينال بجوب الاعتساف كنه معرفته ولا يخطر ببال اولي الرويات خاطرة من تقدير جلال عزته لبعده من أن يكون في قوى المحدودين لانه خلاف خلقه، فلا شبه له من المخلوقين وإنما يشبه الشئ بعديله، فأما مالا عديل له فكيف يشبه بغير مثاله، وهو البدئ الذي لم يكن شئ قبله، والآخر الذي ليس شئ بعده، لاتناله الابصار من مجد جبروته إذ حجبها بحجب لا تنفذ في ثخن كثافته ولا تخرق إلى ذي العرش متانة خصائص ستراته الذي صدرت الامور عن مشيته، وتصاغرت عزة المتجبرين دون جلال عظمته، وخضعت له الرقاب، وعنت الوجوه من مخافته وظهرت في بدائع الذي أحدثها آثار حكمته وصار كل شئ خلق حجة له ومنتسبا إليه فإن كان خلقا صامتها فحجته بالتدبير ناطقة فيه، فقدر ما خلق، فأحكم تقديره، ووضع كل شئ بلطف تدبيره موضعه، ووجهه بجهة فلم يبلغ منه شئ حدود منزلته ولم يقصر دون الانتهاء إلى مشيته، ولم يستعصب إذ أمره بالمضي إلى أرادته، بلا معاناة للغوب مسه ولا مكائدة لمخالف له على أمره فتم خلقه، وأذعن لطاعته، ووافى الوقت الذي أخرجه إليه إجابة لم يعترض دونها ريث المبطئ ولا أناة المتلكئ فأقام من الاشياء أودها ونهى معالم حدودها، ولام بقدرته بين متضادتها ووصل أسباب قرائنها وخالف بين ألوانها، وفرقها أجناسا مختلفات في الاقدار والغرائز والهيئات، بدايا خلائق أحكم صنعها، وفطرها على ما أراد إذ ابتدعها، انتظم علمه صنوف ذرئها، وأدرك تدبيره حسن تقديرها.
أيها السائل إعلم من شبه ربنا الجليل بتباين أعضاء خلقه وبتلاحم أحقاق مفاصلهم المحتجبة بتدبير حكمته أنه لم يعقد غيب ضميره على معرفته ولم يشاهد قلبه اليقين بأنه لا ندله، وكأنه لم يسمع بتبري التابعين من المتبوعين وهم يقولون: (تالله أن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين)(4) فمن ساوى ربنا بشئ فقد عدل به، والعادل به كافر بما نزلت به محكمات آياته، ونطقت به شواهد حجج بيناته، لانه الله الذي لم يتناه في العقول فيكون في مهب فكرها مكيفا، وفي حواصل رويات همم النفوس محدودا مصرفا المنشئ أصناف الاشياء بلا روية احتاج إليها، ولا قريحة غريزة أضمر عليها، ولا تجربة أفادها من مر حوادث الدهور ولا شريك أعانة على ابتداع عجائب الامور، الذي لماشبهه العادلون بالخلق المبعض المحدود في صفاته، ذي الاقطار والنواحي المختلفة فطبقاته، و كان عزوجل الموجود بنفسه لا بأداته، انتفى أن يكون قدروه حق قدره فقال تنزيها لنفسه عن مشاركة الانداد وارتفاعا عن قياس المقدرين له بالحدود من كفرة العباد: (وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون)(5) ما دلك القرآن عليه من صفته فاتبعه ليوصل بينك وبين معرفته وأتم به واستضئ بنور هدايته، فإنها نعمة وحكمة اوتيتهما فخذما اوتيت وكن من الشاكرين، وما دلك الشيطان عليه مما ليس في القرآن عليك فرضه ولا في سنة الرسول وأئمة الهدى أثره فكل علمه إلى الله عزوجل، فإن ذلك منتهى حق الله عليك.
واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم الله عن الاقتحام في السدد المضروبة دون الغيوب فلزموا الاقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب فقالوا: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)(6) فمدح الله عزوجل اعترافهم بالعجز عن تناول مالم يحيطوا به علما، وسمى تركهم التعمق في مالم يكلفهم البحث عنه منهم رسوخا، فاقتصر على ذلك، ولاتقدر عظمة الله (سبحانه) على قدر عقلك فتكون من الهالكين.
المصادر :
بتصرف من/ التوحيد للشيخ الصدوق المتوفي سنة 381
1- آل عمران: 83.
2- يس : 82
3- البقرة : 32
4- الشعراء: 98.
5- الزمر: 67.
6- آل عمران : 7

source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الرؤيه الكونيّه الماديّه عرض و نقد
العدل الإلهي فلسفة الشرور والآلام
عقائد الشيعة اصولاً وفروعاً
العدل الالهي
التوحيد و مراتبه و ابعاده
بَابُ اشْتِرَاطِ الْعَقْلِ فِي تَعَلُّقِ ...
تَأَكُّدِ اسْتِحْبَابِ حُبِّ الْعِبَادَةِ وَ ...
آية الوضوء آية محكمة
ُ ثُبُوتِ الْكُفْرِ وَ الِارْتِدَادِ بِجُحُودِ ...
البحث عن الدين

 
user comment