عربي
Friday 19th of April 2024
0
نفر 0

المنهج البياني

وهو المنهج الذي تدور مباحثه حول بلاغة القرآن في صوره البيانية من تشبيه واستعارة وكناية وتمثيل ووصل وفصل وما يتفرع من ذلك من استعمال حقيقي أو استخدام مجازي أو استدراك لفظي، أو استجلاء للصورة أو تقويم للبنية، أو تحقيق في العلاقات اللفظية والمعنوية أو كشف للدلالات الحالية والمقالية. والبحث في هذا الجانب يعد بحثاً أصيلاً في جوهر الاعجاز القرآني ومؤشراً دقيقاً في استكناه البلاغة القرآنية.
وقد بدأ هذا الفن في جملة من أسراره الجاحظ (ت: 255ه‍)، فخصص كثيراً من مباحثه في كتابه (نظم القرآن) إلى استيفاء جمال العبارة، واستخراج ما فيها من مجاز وتشبيه بمعانيهما الواسعة غير المحددة، إلا أن هذا العرض من قبل الجاحظ جاء مجزءاً ومفرقاً ولم يكن متفرغاً للقرآن كله بل لبعض من آياته _كما يبدو _ وذلك من خلال معالجاته البيانية في "نظم القرآن" والبيان والتبيين. حتى إذا برز الشيخ عبد القاهر الجرجاني (ت: 471ه‍)، في كتابيه: "دلائل الاعجاز" و "أسرار البلاغة" فكانت الحال مختلفة، فالجرجاني عالم واسع الثقافة، مرهف الحس، متوقد الذكاء، وقد استخدم ذلك في استنباط الاصول الاستعارية والابعاد التشبيهية، والمعالم المجازية لآيات القرآن الكريم، وأخضعها باعتبارها نماذج حية للتطبيق العلمي، وهذه النماذج تتضح بها معاني القرآن في صوره البيانية، وجوانبه الفنية، فهو أوسع بكثير من الجاحظ في هذا المضمار، إلا أن الصورة التكاملية للقرآن مفقودة في كلا الكتابين على عظم قدرهما البلاغي، ومفتقرة إلى السعة لتشمل القرآن أجمع، حتى إذا جاء جار الله الزمخشري (ت: 538ه‍)، فتح لنا عمق دراسة جديدة في البلاغة القرآنية التطبيقية، انتظمت على ما ابتكره عبد القاهر الجرجاني، وما أضافه هو من نكت بلاغية، ومعان اعجازية، اعتمدت المناخ الفني فعاد تفسيره المسمى "الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل" كنزاً من المعارف لا تنتهي فرائده، وقد تجلى فيه ما أضافه من دلالات جمالية في نظم المعاني، وما بحثه من المعاني الثانوية في تقديم العبارة وعائدية الضمائر، والتركيب اللغوي، وتعلق العبارة بعضها ببعض من وجهة نظر بلاغية تعتمد على عنايته بالكناية والاستعارة والتشبيه والمجاز والتمثيل والتقديم والتأخير، عناية فائقة فهو يفصل القول في الفروق المميزة بينها، ويشير من خلالها إلى المعاني الثابتة، وهو كثير التنقل بالألفاظ القرآنية من الحقيقة إلى المجاز، إذا كان المعنى الحقيقي يختلف عن نظريات المذهب المعتزلي وصميم أفكاره "ونكاد نقول: إنّ خير تفسير في العربية تحدث في بلاغة القرآن، واعجازه وسر نظمه وروعة ادائه هو تفسير الزمخشري وكم كنا نود لو برىء من الهوى، إذ كان تفسيره الأول والأخير في عالم التفاسير". وقد أخضع تفسيره هذا للوجهة الكلامية عند المعتزلة ودافع عنها، وحمل عليها كثيراً من الآيات القرآنية وأضاف إليها الدلالات النفسية التي تستنبط كمعنى آخر للآية، أو كوجه ثان لها، فكأنه يبحث عن معنى المعنى الذي قرره عبد القاهر الجرجاني في دلائل الاعجاز. وللزمخشري إشارات دقيقة في التنكير والتعريف، والفصل والوصل، والمجاز اللغوي والمجاز العقلي وفي التمثيل والتشبيه. وامتاز الزمخشري على عبد القاهر. إن عبد القاهر قد وجه عنايته بنظريته إلى المعاني ومدى علاقتها بالنظم، ولم يعر أهمية لبديع القرآن، بينما اهتم بذلك الزمخشري وجعله أساساً يندرج تحت مفهوم البيان باعتبار البديع أشكالاً وقوالب وصوراً، تفنن بها القرآن وأبرزها على نحو فني تتميز به أساليب القول.
وبعد هذا، فلا نغالي إذا قلنا: إنّ الزمخشري من أوائل العلماء البلاغيين الذي كرسوا الجهد في الكشاف لاستجلاء الاعجاز من خلال الاستعمال البياني في التفسير، وله لقطات أجاد بها في كثير من المواضع ففي قوله تعالى (الرحمنُ على العرشِ استوى) يبحث موضوع الاستواء والعرش في ضوء ما تستعمله العرب من المجاز والكناية، ويضرب لذلك الاشباه والنظائر من القرآن وأقوال العرب فيقول: "لما كان الاستواء على العرش وهو سرير الملك، مما يردف الملك، جعلوه كناية عن الملك فقالوا: استوى فلان على العرش، يريدون ملك، وان لم يقعد على السرير البتة، وقالوا أيضاً لشهرته في ذلك المعنى، ومساواته ملك في مؤداه، وان كان أشرح وأبسط وأدل على صورة الامر، ونحوه قولك: يد فلان مبسوطة ويد فلان مغلولة بمعنى أنه جواد أو بخيل، لا فرق بين العبارتين إلا فيما قلت، حتى أن من لم يبسط يده قط بالنوال، أو لم تكن له يد رأساً قيل فيه يده مبسوطة، لمساواته عندهم قولهم هو جواد، ومنه قول الله عز وجل: وقالت اليهود يد الله مغلولة _أي هو بخيل بل يداه مبسوطتان _أي هو جواد من غير تصور يد ولا غل ولا بسط، والتفسير بالنعمة والتمحّل للتشبيه من ضيق العطن، والمسافرة عن علم البيان مسيرة أعوام".
ومع هذا لم يسلم هذا الكتاب القيم من الطعن، فقد حمل عليه قاضي الاسكندرية: أحمد بن محمد بن منصور المنير، وناقشه بكثير من آرائه المذهبية بكتاب اسمه: "الانتصاف".
وقد سار على نهج الزمخشري في استجلاء الصور البيانية للقرآن الكريم جمع من المعاصرين، وتفوق عليه بعضهم بتحقيق أجزاء من الصورة الفنية للقرآن التي ترسم المواقف، وتصور المشاهد، وتشخص العقليات، حتى عاد ما كتب حديثاً، منهجاً جديداً في إضافته يمثله كل من:
1_ الاستاذ أمين الخولي في: محاضرات في الامثال القرآنية ألقاها على طلبة الدراسات العليا في كلية الاداب جامعة القاهرة/ مخطوط.
2_ الدكتورة عائشة عبد الرحمن "بنت الشاطىء" في:
أـ التفسير البياني للقرآن الكريم.
ب_ الاعجاز البياني للقرآن الكريم.
3_ محمد حسين علي الصغير (المؤلف) في:
الصورة الفنية في المثل القرآني/ دراسة نقدية وبلاغية.
--------------------------------


source : البلاغ
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

هدم قبور البقيع ..............القصة الكاملة
الحرب العالمية في عصر الظهور
الإمام الحسن العسكري (ع) والتمهيد لولادة وغيبة ...
إنّ الحسين (عليه السلام) مصباح الهدى وسفينة ...
الإمام موسى الكاظم عليه السلام والثورات العلوية
زيارة السيدة زينب الكبرى (عليها السلام)
الصلاة من أهم العبادات
علة الإبطاء في الإجابة و النهي عن الفتور في ...
ألقاب الإمام الرضا عليه السلام
كلام محمد بن علي الباقر ع

 
user comment